الخاصرة اللبنانية الموجعة

ثبت بالوجه الشرعي أن الخاصرة اللبنانية موجعة لسوريا، وموجعة جدا. كانت هذه النظرية خلال السنوات الماضية موضع تندر من فريق لبناني على آخر، بحجة أنه يبرر الوصاية السورية على لبنان من خلال هذه النظرية. لكن التطورات الاخيرة أكدت أن لبنان الصغير الذي يصفه بعض القادة الاسرائيليين بأنه خطأ جغرافي، يستطيع أن يكون مزعجاً لسوريا مثلما هو مزعج لإسرائيل.
لم يعد من شك بأن الكثير من الاسلحة التي تواجه الجيش السوري في العديد من المد ن والمناطق، تسرّب من الحدود اللبنانية، بغايات سياسية أو تجارية، لدرجة أن أسعار الاسلحة في الاشهر الماضية تضاعفت في لبنان مرات عدة بما فيها أسلحة الصيد.
أكثر من ذلك، ثمة جماعات مناهضة للنظام السوري بدأت تبني خلايا عسكرية لها على الأراضي اللبنانية، وهو ما رصدته مراسلة «لو نوفيل اوبزرفاتور» الاسبوعية الفرنسية سارا دانيال التي نشرت تفاصيل لقاءاتها بعناصر ما يسمى «جيش سوريا الحرة» في منطقة عكار اللبنانية في تحقيق معزز بشريط فيديو، تلحظ فيه مشاهداتها وتسجل لقاءاتها مع بعض عناصر هذا الجيش الذين رووا تفاصيل عملياتهم التي تنطلق من الاراضي اللبنانية. وهذا ما دفع الجيش السوري الى تلغيم المناطق والمعابر غير الشرعية على طول الحدود الشمالية مع لبنان.
في تاريخ العلاقات اللبنانية السورية الكثير من السلبيات والعثرات والخلافات والثغرات والاخطاء، مثلما هناك الكثير من الإيجابيات والاتفاقات والتفاهمات والمواقف النضالية المشتركة. لكن نادرا ما تم تسجيل وجود خلايا مسلحة لبنانية أو سورية تنطلق من الاراضي اللبنانية للقيام بعمليات عسكرية داخل سوريا. وهذا يعني ان التوجس السوري سيزداد تجاه لبنان أياً كانت طبيعة الحكم في سوريا، ديموقراطية ام ديكتاتورية. وسوف تظل دمشق تتعامل بريبة مع لبنان واللبنانيين أياً كان النظام الحاكم فيها. ومن المستبعد ايضا ان تتحول العلاقات بين البلدين الى علاقات ندّية، لأن لبنان في ظل نظامه الحالي هو «رزق سائب»، والرزق السائب عادة يعلم الناس الحرام، فكيف اذا كان هذا الرزق مخيفا للآخرين ايضا؟
ليس في لبنان حلفاء ولا أعداء دائمون لسوريا. منذ العام 1976 يتناوب الفرقاء اللبنانيون على محالفة سوريا ومخاصمتها. معظم الفرقاء تحالفوا وتخاصموا مع النظام في دمشق. يكفي ان يتفاهم فريق لبناني مع سوريا ليخاصمها الفريق الآخر، لأن كل لبناني يريد من دمشق ان تكون في خدمة أهدافه الداخلية وعلى طريقة الجمعيات الخيرية لا العلاقات بين الدول. وليس سراً ان سوريا استمرأت هذه اللعبة، خصوصا خلال وجودها العسكري في لبنان، فتدخلت في أبسط التفاصيل اللبنانية، وكان لبنان أحد اهم اهتماماتها وأحد أكبر همومها ايضا.
خلال أكثر من نصف قرن تتعاطى سوريا مع لبنان على انه الخاصرة الموجعة. فيه تصاغ التحالفات ومنه تطبخ المؤامرات عليها. وفي ظل هذه المعادلة يمكن أن نفهم لماذا غامرت دمشق عام 1976 بالدخول الى لبنان وبقي جيشها فيه ثلاثين عاما، فخاضت كل حروبها وصراعاتها العربية والعالمية على أرضه، بعيدا عن دمشق التي شهدت استقرارا ملحوظا طوال هذه السنين، ولكن بأكلاف باهظة لسوريا نفسها أحيانا.
كان يمكن للبنان ان ينأى بنفسه عن الوضع في سوريا، ولكن كيف للخاصرة ان تنأى عن الجسم أو تنفصل عنه؟
للأسف، الخاصرة الموجعة لسوريا، موجعة للبنان ايضا، وستبقى كذلك ما لم يتعاف النظام في لبنان اولا، قبل ان يتعافى النظام في سوريا.
  

السابق
اللواء: جنبلاط لم يقتنع بتطمينات ميقاتي والنسبية لضرب الإشتراكي
التالي
حملـة تواقيـع إلكترونيـة اليـوم لحماية المراة من العنف