دولة برج حمود

طرد المعارضين الكرد السوريين من منطقة برج حمود يمثل ثلاثة تعديات بالغة الخطورة على معنى لبنان.

التعدي الأول، هو الذي يطاول فكرة لبنان بوصفه ملجأ المضطهدين في المنطقة، والشعب الأرمني في مقدمه.

والتعدي الثاني يطاول العلاقة التاريخية والجغرافية بين لبنان وسوريا، حيث يشكل الانحياز الفاضح إلى طرف في الصراع الذي يجري في سوريا تدخلا فاضحا في الشؤون السورية لا يقوى لبنان على حمل تبعاته. فحين تستتب الأمور في سوريا سيأتي وقت المحاسبة.

والفارق الجوهري بين التضامن مع الشعب الذي يُقتل، والتضامن مع النظام الذي يقتل على المستوى اللبناني، يمكن تفريعه إلى شقين: الشق الأول متصل اتصالا وثيقا بهذا التعالق الجغرافي والتاريخي بين البلدين، فضلا عن صلات الأرحام والأنساب والهجرات المتبادلة بين البلدين. إذ كيف تكون العلاقة مميزة بين البلدين الشعبين ويلجأ شعب أو فئة من الشعب إلى تهديد فئة أخرى في حياتها وسلامتها وأمنها؟

والحق أن هذا اعتداء على العلاقات المميزة بين البلدين والشعبين لا يعادله اعتداء. وربما يجب أن نسأل قادة الطاشناق عن أسباب لجوئهم إلى اللعب الخطر في العلاقات بين الشعبين.

أما الحديث عن انقسام لبناني بين مؤيد للنظام في سوريا ومعارض له على غرار الوضع في سوريا، فلا يستقيم منطقا ولا عدلا ولا إنصافا مع ما ذهب الطاشناق إلى الولوغ فيه. فاللبنانيون المعارضون للنظام السوري لم يلجأوا إلى طرد الموالين أو الاعتداء عليهم أو تعريض سلامتهم للخطر المحدق.

هذا من جهة أولى، ومن جهة ثانية، وفيما يتعلق بالشق الثاني من هذا الاعتداء على العلاقات المميزة، فإن النظام السوري نفسه هو من لجأ إلى استعداء فئة من اللبنانيين منذ بداية الأزمة وحملها مسؤولية تهريب السلاح إلى المعارضين وتمويلهم وإيوائهم في ملاذات آمنة.

التعدي الثالث على معنى لبنان يتعلق بالإجماع العربي على مطالبة النظام في سوريا بسحب جيشه ودباباته من المدن ووقف العنف الدامي الذي يمارسه منذ بداية الأزمة.

ولبنان كما يعلم قدامى الطاشناق جيدا، لا يمكنه أن يخرج عن الإجماع العربي المدين للنظام وعنفه الأعمى، من دون أن يتضرر كثيرا وكثيرا جدا.

على أي حال، ربما يجدر بنا أن نضيف سؤالا مفصليا في هذا المجال: بما أن الطاشناق قد عمد إلى طرد المعارضين السوريين، الذين تصفهم الحكومة السورية بالإرهابيين، والذين بحسب الحكومة السورية يعجزون الجيش والأمن السوريين عن ضبط الأوضاع، ويوقعون في صفوفهما خسائر فادحة. إذاً كيف تسنى للطاشناق أن يطردهم من دون أن تصدر عن أي منهم نأمة أو اعتراض أو يطلق أحدهم رصاصة في الهواء؟ أم أن الطاشناق في جمهورية برج حمود صار أقوى وأصلب وأعز منعة من النظام السوري الذي يدافع عنه؟ وإذا كان الطاشناق في جمهورية برج حمود قد أضحى فعلا دولة كبرى، فلم لا يطالب بمقعد دائم في مجلس الأمن؟

السابق
الزغبي: اقرار قانون المبعدين عمل دعائي ورشوة سياسية
التالي
وهبي: خطاب الأكثرية امتاز بالتساهل مع المتعاملين وتبرير القمع واللجوء الى التخوين