تعديلات: المفتي بلا صلاحيات

في خضم الاستعدادات لانتخابات المجلس الإسلامي الشرعي، أخرج الرئيس فؤاد السنيورة من جيبه تعديلاته على النظام الداخلي، وهي تعديلات تُركّز على إضعاف موقع المفتي من دون تحديث الإدارة

أخيراً، أفرج الرئيس فؤاد السنيورة عن تعديلاته في ما يخص النظام الداخلي لدار الفتوى، أو ما تعرفه الأوساط الإسلاميّة بالمرسوم 18.
110 صفحات وضع فيها السنيورة ما يُفترض أنه جهد سنتين، إضافةً إلى نصائح وملاحظة شركة «بوز أند ألن». كان يجب أن تتضمّن هذه التعديلات التي يطرحها السنيورة تطويراً وتحديثاً للنظام الداخلي. هذا ما اتفق عليه رؤساء الحكومة، الحالي والسابقون. فمؤسسات دار الفتوى لم تُحدّث منذ ستينيات القرن الماضي. لكنّ ما خرج به السنيورة بعيدٌ عن هذا الأمر.
بعض الأوساط الإسلاميّة «المصدومة» بالتعديلات المطروحة ترى أن جلّ ما يُمكن إيجاده في التعديلات هو تحويل موقع مفتي الجمهوريّة اللبنانيّة إلى موقع شبيه بملكة بريطانيا، «بسبب مشكلة السنيورة مع المفتي منذ أن ابتعد الأخير عن تيار المستقبل». يُضاف إلى ذلك اقتراح تعديل الهيئة الناخبة للمفتي وللمجلس الشرعي الإسلامي الأعلى «لتُناسب تيّار المستقبل في معركته الانتخابيّة المقبلة».

وتُشير الأوساط إلى أن ما قام به السنيورة هو شبيه بما حاول البعض القيام به في نهاية ثمانينيات القرن الماضي، في ظلّ ولاية المفتي الراحل الشيخ حسن خالد. حينها، حارب خالد التعديلات ومنع عرضها على المجلس الشرعي.
اليوم، يقول مقرّبون من مفتي الجمهوريّة الشيخ محمّد رشيد قباني، إنه يرفض هذه التعديلات، وإنه سيواجهها بكل ما لديه من قوّة للحفاظ على موقع مفتي الجمهوريّة.
ويقول من اطلعوا على التعديلات إن تهميش موقع المفتي يبدأ من المادة الثالثة المقترحة، التي تسحب من المفتي صفة «الرئيس المباشر لجميع علماء الدين المسلمين»، محولة إياه إلى «المرجع الديني الأول للمسلمين السنّة». كذلك تسحب منه علاقة المرجعية العليا «للأوقاف الإسلاميّة ودوائر الإفتاء» الممنوحة له في النص المعمول به حالياً. كذلك تلغي المقترحات حق المفتي في «تعيين الموظفين الإداريين وأرباب الوظائف الدينيّة من أئمة وخطباء ومدرّسين وقرّاء ومؤذنين وإصدار قرارات ترقيتهم وتأديبهم وفصلهم». وبدلاً من أن يكون الصندوق المستقل الذي يهدف إلى «المساهمة في رفع مستوى المسلمين الديني والثقافي والاجتماعي والصحي» تابعاً للمفتي، يصبح تابعاً للمجلس الشرعي الأعلى، بناءً على توصيات شركة «بوز أند ألن». 
لا يقف الأمر عند هذا الحدّ؛ ففي المادة الثامنة والثلاثين من النظام الداخلي تعديلات جديّة في دور المجلس الشرعي الأعلى. فدور المجلس في النص الحالي هو على النحو الآتي: «يؤازر المجلس الشرعي الأعلى مفتي الجمهوريّة في بعض المهام المنوطة به ويملك المجلس بنوعٍ خاص سلطة إصدار النظم والقرارات والتعليمات التي يقتضيها تنظيم شؤون المسلمين الدينيّة، وإدارة جميع أوقافهم الخيريّة على اختلاف أنواعها وغاياتها وأسمائها بما يكفل حفظه عينها وحسن استغلالها وتأمين الجهات الخيريّة الموقوفة عليها، وله أيضاً صلاحيّات تفسير النظم والمقررات في المواضيع المذكورة آنفاً».

أمّا النصّ المقترح من السنيورة، فينص على ما يأتي: «المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى هو السلطة العليا المسؤولة عن جميع المؤسسات التابعة له والمعنية مباشرة بتنظيم شؤون المسلمين الدينية والوقفية والاجتماعية، وله سلطة إصدار النظم والقرارات التي تعين على تنظيم شؤونهم كافة ورعاية كل المؤسسات الدينية والوقفية ومراقبتها، وكل المؤسسات التابعة سواء للمجلس أو لدار الفتوى. ويملك المجلس سلطة إدارة أوقاف المسلمين السنية الخيرية وغاياتها وأسمائها بما يكفل حفظ عينها وحسن استغلالها وتأمين الجهات الخيرية الموقوفة عليها. وللمجلس أيضاً سلطة إدارة جميع المؤسسات التابعة للمجلس الشرعي الإسلامي الأعلى القائمة التي قد تستجد وصناديق الزكاة والصندوق الخاص وصندوق التبرعات وصندوق تكافل الأوقاف، من خلال تعيين مجالس إدارتها ووضع أنظمتها الخاصة بكل منها وتعيين هيئات التفتيش. للمجلس أيضاً صلاحيات تفسير النظم والقرارات في المواضيع المذكورة آنفاً بما لا يتعارض وأحكام هذا المرسوم الاشتراعي».

وهكذا تسحب تعديلات السنيورة من يدي المفتي إدارة الأوقاف الإسلاميّة، وتحصر هذا الأمر في يد المجلس الشرعي الذي يتحوّل إلى جسم مستقل. ولا يقف الأمر عند هذا الحدّ، بل تطول لائحة مهمات المجلس الشرعي، لتصل إلى سحب حق إعداد جدول الأعمال من يد المفتي ووضعه ضمن صلاحيّات الأمانة العامّة للمجلس ونائب رئيس المجلس الشرعي. ويحق للمفتي إضافة بنود وترتيبها، من دون أن يحق له إسقاط أيّ بند. وبحسب متابعين لشؤون دار الفتوى، كان التعديل المقترح للمادة السابقة سبب رفض المفتي الشهيد حسن خالد إدخال تعديلات على النظام الداخلي لدار الفتوى في ثمانينيات القرن الماضي.

أمّا في مجال الانتخابات، فإن مجلس الانتخاب الإسلامي يضم بحسب النظام الداخلي الحالي كلاً من رئيس مجلس الوزراء العامل ورؤساء مجلس الوزراء السابقين، الوزراء والنواب السنّة، أعضاء المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى، المفتين المحليين العاملين، قضاة الشرع العاملين والمتقاعدين، أمين الفتوى في كل من بيروت وطرابلس، والمدير العام للأوقاف الإسلامية.
أما اقتراح السنيورة، فيضيف إلى الهيئة الناخبة «رؤساء وأعضاء البلدية المسلمين السنيين في العاصمة ومراكز المحافظات، رؤساء وأعضاء غرف التجارة والصناعة والزراعة المسلمين السنيين في العاصمة ومراكز المحافظات، ثلاثة مندوبين من السنّة عن كل نقابة من نقابات المهن الحرة المنظمة بقانون في كل من بيروت وطرابلس يختارهم المسلمون السنيون من الأعضاء المنتسبين إلى كل نقابة أو جهة، القضاة السنة العاملين في كل من المجلس الدستوري والقضاء العدلي والإداري وديوان المحاسبة ممّن بلغوا في تدرّجهم الدرجة السادسة عشرة فما فوق».

وفيما يرى عدد من رجال الدين أن التعديلات المقترحة لا تهدف إلا إلى سيطرة تيار المستقبل على دار الفتوى، يرى مقربون من السنيورة أن هذه التعديلات لا تهدف إلا إلى «تحويل دار الفتوى إلى مؤسسة أكثر استقلالية، لتجنب تكرار التجربة التي جرت في السنوات الماضية». ويرفض هؤلاء وصف التعديلات بـ«تعديلات السنيورة»، «لكونها مبنية على ما أجمع عليه رؤساء الحكومات الحالي والسابقون». 

السابق
راحة مادية!!
التالي
المخدرات في كل حيّ.. ولا اهتمام رسـمي ومراقبة او محاسبة !!