الشعب والدولة واقعاً على الأرض!

 اوجد الخطاب التاريخي والحر الذي القاه الرئيس الفلسطيني محمود عباس في الامم المتحدة، الدولة الفلسطينية واقعا سياسيا وفي وجدان العالم الحر، من خلال نيل ثقة واعتراف العالم بالتصفيق والوقوف تقديرا لنضال الشعب الفلسطيني، الذي تجسد في شخص الرئيس عباس.
راهن البعض ان الخطوة الفلسطينية هي مناورة تكتيكية، بعد ان اعتقدت الولايات المتحدة انها اصعدت الرئيس على الشجرة ، والذي لن يستطيع ان ينزل الا بمعرفتها بعد ان يخضع لشروطها، الا ان الرئيس بالأمس حلق في عنان الحرية، وهبط في رحاب الدولة الفلسطينية ، رقم 194 وسط احتفالية وتصفيق كل دول العالم ، واصعد الولايات المتحدة ، ومعها اسرائيل على الشجرة ، وبدت سوأتهما لكل الدنيا من سوء اعمالهما ، وتنكرهما لحقوق الشعب الفلسطيني، والذي بدا واضحا خلال خطاب رئيس دولة الاستيطان "نتنياهو" امام المقاعد الفارغة في قاعة الامم المتحدة، فلم يجد من يستمع الى اكاذيبه التي لم تعد تنطلي على احد.
بعد الانتصار الكبير الذي حققه الشعب الفلسطيني بقيادة الرئيس محمود عباس ، يستطيع الرئيس الاميركي "اوباما" ان ينزل عن الشجرة من خلال الانضمام الى العالم اجمع ، والاستماع لصوت الحرية والعدالة والمساواة، والتحرر ولو لمرة واحدة من عبودية جماعات الضغط الصهيونية ، والتصويت لصالح اقامة الدولة ، خاصة ان رفع مندوب الولايات المتحدة يده في وجه الحق والعدالة وارادة الشعوب لا يسيء للشعب الفلسطيني ، وانما يسيء لنفسه ولدولته ولشعبه بفعله المشين، والذي سيواجه حتما بغضب على المستويات الشعبية والرسمية ، لأنه باختصار تحد لإرادة الشعوب والدول على السواء.
اليوم الشعب الفلسطيني يبدأ في تقرير مصيره ، بعد تقديم الرئيس عباس الطلب رسميا الى الامم المتحدة ، والخطاب الفلسطيني الداخلي والخارجي بعد خطوة ايلول ، يجب ان يختلف عما قبل ايلول ، فنحن اليوم يجب ان نثبت للعالم اننا الاجدر بالدولة ، والاقدر في العيش بكرامة وحرية كباقي شعوب العالم ، المؤمنة بمبادئ الحرية والمساواة والديمقراطية ، ولتذهب افات السيطرة ، والكراهية، والاحتلال، والاحلال، والاستيطان، والعنصرية بزعامة "نتنياهو" وزمرته الى مزابل التاريخ.
وعلينا ان نمضي في طريق المصالحة ، وان كانت في قلوبنا غصة لمنعنا في غزة من المشاركة في هذا الحدث التاريخي ، وهذا الانتصار، فالشعب الفلسطيني لن ينحرف مجددا الى الجدل والمهاترات ، وسيمضي في طريقه الى الحرية التي رسمها القادة الشهداء .
اننا اليوم لسنا بحاجة الى شهادة الولايات المتحدة وقرارها لنمارس حريتنا واستقلالنا ، فالشعب ورئيسه المفوض منه قال كلمته ، وطلب حقه ، ونال هذا الطلب قبول المجتمع الدولي ليس برفع الايدي للتصويت ، وانما بالوقوف والتصفيق ، ومن هنا تصبح الدولة واقعا سياسيا باعتراف المجتمع الدولي ، والتي تجسدت من خلال علاقة الشعب الفلسطيني بشعوب العالم الذي احتفل بهذا الاعلان ، ووقف الى جانبه طوال سنوات نضاله.
يسجل الشعب الفلسطيني اليوم انه اسقط رهان من اعتقد انه تنازل عن حقوقه ، وخضع للضغوطات الاميركية والتهديدات الاسرائيلية ، فالشعب الذي تتلمذ وتربى في مدرسة الشهيد ياسر عرفات ، لن يعرف الاستسلام او الركون او التخلي عن الحقوق ، ولن تجد اسرائيل والولايات المتحدة من يخضع لضغوطهما ، فالرئيس الشهيد ياسر عرفات قالها فينا في حياته ، وسنبقى نرددها الى الابد: "ليس فينا وليس منا من يتنازل عن حقوقنا ومقدساتنا".
والربيع الفلسطيني بدأ ، والنضال الفلسطيني اثمر ، وفجر الحرية بزغ ، وشمس فلسطين اشرقت، اليوم نحن ابناء الدولة ، وعلينا ان نطوي الماضي المظلم ، والافق الضيق ، ونصنع المستقبل ، الذي يعيش فيه كل ابناء الشعب الفلسطيني ، يتمتعوا فيه بالعدالة والمساواة والمشاركة السياسية الحرة ، البعيدة عن التشكيك او التخوين او عدم الثقة ، فمن وقف على المنصة الاممية بالأمس ، لا يبحث عن مجد شخصي ، او مكاسب شخصية، انما الامة الفلسطينية تجسدت في الرئيس عباس ، ومن لم يشعر ان خطاب الامس لا يمثله عليه ان يجدد ايمانه بعدالة قضيته ، ويعمل من اجل تحرير نفسه من اليأس وانسداد الافق ، فالمستقبل لفلسطين ، وعلينا ان نكون على مستوى الحدث ، وثقة العالم بنا الذي صفق لنا اكثر من 15 مرة .
فالدولة لم تعد حلما نوعد انفسنا بها ، بل واقعا ملموسا على الارض باعتراف العالم ، فالشعب الفلسطيني صامد على ارض دولته ، يحررها ويعمرها ، ولن تفلح كل قوى الظلم في اقتلاعه منها مهما اوتيت من قوة ، والعالم يشاركنا صنع الدولة ، ومن عارضنا واعترض على حريتنا وحقوقنا ، انحاز الى العار وجلبه الى نفسه، ولن يفلح في مواراة سوءته ، فورقة التوت سقطت عن كل من يدعي الحرية ، ويمنعها عن الشعب الفلسطيني.
 

السابق
سورية المستَهدَفة وليس الأسد وحده ؟!
التالي
زفاف جماعي لبناني ـ فلسطيني في صيدا