اللواء: ماذا حدث بين ميقاتي وكلينتون خلال 18 دقيقة؟

تشهد دار الفتوى عند الحادية عشرة من قبل ظهر اليوم، حدثاً روحياً وطنياً، يشكل محطة جامعة للمبادئ والمنطلقات والثوابت التي يلتقي حولها اللبنانيون، وتشكل ايضاً ارضاً صلبة للاستقرار العام الذي يتطلع اليه الشعب اللبناني، في ظروف بالغة التعقيد تحيط بلبنان، سواء منها بتحولات ما عرف <بالربيع العربي> او معركة انتزاع الاعتراف الدولي بدولة فلسطين في مجلس الامن والامم المتحدة
· وتأتي القمة الروحية الاسلامية، المسيحية التي اكتفى البيان المقتضب الصادر عن دار الفتوى بالاشارة الى زمانها ومكانها، مؤكداً حضور رؤساء الطوائف الروحية في لبنان، في ظل محاولات تجري من هنا وهناك لبناء تحالفات او تفاهمات ثنائية، او داخل الجماعة الواحدة، بحثاً عن خيارات انتخابية او سياسية ضمن طروحات تعيد البلد عشرات السنوات الى الوراء، كما اكد مرجع حكومي سابق لـ<اللواء>·

وبالتزامن، كشف دبلوماسي لبناني ان الجانب الاميركي الذي ابلغ الوفد اللبناني خلال الاجتماع بين الرئيس نجيب ميقاتي والوزيرة هيلاري كلينتون تفهمه للاحراجات التي تواجهها الحكومة ازاء قضايا داخلية لبنانية واقليمية سورية، اكد استمرار تقديم المساعدات العسكرية واللوجستية والتدريبات للقوات المسلحة اللبنانية والقوى الامنية·

ولفت المصدر الدبلوماسي ان الرئيس ميقاتي خرج مرتاحاً من لقاء كلينتون، مشيراً الى ان الاهم لديه كان تفهم الادارة الاميركية لخصوصية الموقف اللبناني والاكتفاء بحياديته ازاء القضايا المطروحة·

واذ شددت كلينتون على ضرورة استمرار لبنان في احترام التزاماته الدولية بما يؤمن استقراره ووحدته، فان الرئيس ميقاتي اكد امامها استمرار الحكومة في تنفيذ الالتزامات وشرح اولويات الحكومة في العمل على تحقيق الاستقرار في لبنان وابعاده عن تأثيرات الاوضاع الخارجية، كما جدد المطالبة بدعم اميركي لتنفيذ المهام المطلوبة منه لا سيما ازاء القرار 1701·

وبحسب مصادر الوفد اللبناني، فإن كلينتون لاحظت ان الاولويات التي طرحها الرئيس ميقاتي في عمل حكومته صحيحة وتقع في مصلحة لبنان العليا، مشيرة الى ان الموقف اللبناني الاخير في مجلس الامن ذكي ونتفهمه لجهة تحييد نفسه عن التطورات الحاصلة، واملت بأن تفي الحكومة بتمويل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، لانه لا يجوز بقاء غياب الدولة، ويجب ان يشعر المواطن اللبناني بالاستقرار والعدالة·

غير ان مصادر دبلوماسية شاركت في الاجتماع كشفت ان الاجتماع لم يتعد 18 دقيقة، وان الوزيرة الاميركية تحدثت بلغة جازمة عن ضرورة التزام لبنان بما يعلن على لسان مسؤوليه·

وخاطبت الوفد اللبناني قائلة: <اننا سمعنا كثيراً من الاقوال عن الالتزام بالقرارات الدولية وتمويل المحكمة وعن عدم انتقائية القرارات·· اننا في هذه اللحظة نريد افعالاً ونريد التزاماً وتمويلاً للمحكمة والتزاماً بتنفيذ القرار 1701 الذي يتعلق بالسلاح>·

اما في الشأن السوري، فإن المصادر عينها كشفت أن كلينتون حذّرت على نحو غير مباشر الحكومة اللبنانية بقولها <ان انحياز الدولة اللبنانية لسوريا يحدث ضررا كبيراً بكم، أي بلبنان>·

وكشفت المصادر أن كلينتون التي تحدثت بلغة صارمة سبق لها ورفضت عقد لقاء على انفراد مع رئيس الحكومة، سبق أن طلبه قبل سفره واثناء وجوده في نيويورك، متذرعة بضيق الوقت·

وما لم توضحه باستضافة الوزيرة الأميركية، اوضحه مساعدها لشؤون الشرق الأوسط السفير جيفري فيلتمان، حيث قال في اللقاء: <اذا صدر عن مجلس الأمن قرار باتخاذ عقوبات ضد سوريا فعلى لبنان أن يلتزم بها، وإذا لم يلتزم فانه بالتأكيد سيتأذى>·

وختمت المصادر قائلة أن اللقاء على وجه الاجمال لم يكن مريحاً بين الجانبين اللبناني والاميركي·

اما وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف الذي التقاه ميقاتي أيضاً، فقد أكّد من جهته على أهمية استقرار لبنان وضرورة تحييده عن تداعيات المنطقة، إضافة إلى تأكيده الاستمرار بدعم الجيش اللبناني·

وشملت لقاءات ميقاتي الذي اتصل ليلاً بالرئيس ميشال سليمان لوضعه في اجوائها، الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي الذي حثه على تسريع عقد جلسة لمجلس الأمن لبحث موضوع الاعتراف بالدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة باعتبار أن لبنان يرأس الدورة الحالية للمجلس·

تمويل المحكمة وبالنسبة إلى تمويل المحكمة، ومع تأكيد الوزير محمّد الصفدي، أن مجلس الوزراء سيتطرق في جلسة إلى قضية تمويل المحكمة، فان المعطيات التي افصح عنها وزير العمل شربل نحاس في مجلس ضيق، تفيد انه استناداً إلى قناعاته والمعطيات المتوافرة لديه فهو لا يتوقع ان يجري تمويل المحكمة من ضمن الحصة اللبنانية·

وعزا الوزير نحاس وفق مصدر التقاه اعتقاده بأن تمويل المحكمة يتعارض كلياً وجذرياً مع مجمل فلسفة <حزب الله> من موضوع المحكمة، مع الإشارة إلى ان التيار الوطني الحر> وعلى لسان رئيسه ميشال عون أكد صراحة أنه لن يسير في قضية تمويل المحكمة إذا طرحت في مجلس الوزراء حتى لو مشى بالتمويل وزراء <حزب الله> تحديداً·

جولة الراعي الجنوبية في غضون ذلك·، بقيت جولة البطريرك الراعي في الجنوب، والتي اختتمت أمس، تشكل الحدث السياسي والروحي، خصوصاً وأن رئيس المجلس النيابي نبيه بري خصّه بلفتة مهمة تمثلت بغداء نوعي جمع الى مائدته في المصيلح أركان الدولة، وإن غاب منهم الرئيس ميقاتي لوجوده في نيويورك حيث يرأس اليوم جلسة لمجلس الأمن تناقش فيها مواضيع تخص منطقة الشرق الأوسط، ويلقي خلالها كلمة، فيما شارك في المأدبة الرئيس سليمان ونواب كتلتي التحرير والتنمية والوفاء للمقاومة·

وجاء غداء المصيلح، والذي سبقته خلوة ثنائية بين الرئيس بري والراعي، ثم تحولت إلى ثلاثية بانضمام الرئيس سليمان إليها، ليؤكد <الشركة والمحبة> شعاراً وحضوراً، كما أعلن الراعي الذي أوضح أن زيارته الرعوية اكتسبت بعدي الشهادة لحقيقة العيش المشترك الواحد والالتزام، معتبراً أن اللبنانيين أصبحوا جاهزين للحوار بعد 36 سنة من التضحية والاختبارات·

أما الرئيس بري، فقد أشار في كلمته الترحيبية، إلى أوجه الشبه بين الإمام موسى الصدر والبطريرك الراعي، مكرراً ثوابته من الحوار والعيش المشترك والطائف والالتزام بالقرار 1701 والاحتلال الاسرائيلي، مجدداً الحرص على الحوار دون شروط، على أن يكون حواراً مفتوحاً على القضايا الوطنية الأساسية، وحواراً من أجل الوصول إلى استراتيجية وطنية للدفاع، وحواراً لوضع حلول جذرية لأزمتنا الاقتصادية والاجتماعية، وبالأساس حوار من أجل بناء الثقة في ما بيننا·

ملابسات وإذا كانت جولة الراعي إلى الجنوب قد انتهت عملياً أمس، فإن ما تخللها من التباسات يمكن أن يكون له تداعيات، سواء في ما جرى في غداء المصيلح، أو في استقباله في خلوات البياضة، إذ أنه كان لافتاً بالنسبة للغداء غياب الرئيس فؤاد السنيورة والنائب السيدة بهية الحريري، وراجت معلومات أن المقاطعة هي للرئيس بري وليس للراعي، إلا ان اوساط الرئيس السنيورة اوضحت ان سبب اعتذاره مرده الى ما رافق زيارة الراعي الى صيدا، حيث اعتذر الاخير عن قبول دعوة وجهت اليه للغداء في منزل آل الحريري في مجدليون، فيما هو قبل دعوة الشيخ محمد يزبك الى الغداء اثناء زيارته للبقاع، ثم دعوة الرئيس بري الى المصيلح·

وترددت معلومات في هذا السياق، الى ان الراعي كان اعتذر ايضا عن دعوة وجهها اليه رئيس جبهة <النضال الوطني> النائب وليد جنبلاط للغداء في المختارة عندما زار الشوف، وان الاخير كان يحضر لان تكون زيارة الراعي شبيهة بزيارة البطريرك نصر الله صفير للجبل في العام 2001، وانه عندما رفض الراعي ذلك، آثر جنبلاط الابتعاد عن المنطقة بحجة زيارة مقررة له الى موسكو·

تجدر الاشارة، في هذا الاطار، الى البيان الذي اصدره الشيخ فندي جمال الدين شجاع، احد كبار مشايخ خلوات البياضة الذي انتقد فيه ما اعلنه الشيخ غالب قيس من انتقادات لمواقف الراعي، اثناء استقباله في حاصبيا، معتبرا (اي الشيخ شجاع) انها مواقف تسيء الى الموقف العام لطائفة الموحدين الدروز، وكذلك محاولة وزير الشؤون الاجتماعية وائل ابو فاعور، الذي صوب كلام الشيخ قيس بالتأكيد ان زيارة الراعي هي استكمال لمصالحة الجبل التي كرسها البطريرك صفير·

والى هذين الالتباسين، كان لافتا <اعلان البطريركية المارونية عن الغاء زيارة واشنطن ضمن محطات جولة الراعي في الولايات المتحدة الاميركية التي تقرر ان تبدأ في الرابع من تشرين الاول المقبل، وتستمر لغاية 24 من الشهر نفسه، بعدما كانت مقررة في 30 ايلول الحالي؛·

وعزت مصادر مطلعة ذلك، الى ان الادارة الاميركية تريد توجيه رسالة الى البطريرك الراعي، مفادها انها لا تؤيد مواقفه الاخيرة، وانه لهذا السبب رفض الرئيس الاميركي اوباما او وزيرة خارجيته تحديد موعد لاستقباله، علما ان الراعي كان ابلغ السفيرة الاميركية مورا كونيللي ان زيارته لها طابع رعوي وليست سياسية·

القمة الروحية ومهما كان من امر الغاء محطة واشنطن، فإن دار الفتوى ستشهد اليوم قمة روحية اسلامية – مسيحية تأتي استكمالا للقمة الروحية التي عقدت في بكركي على اثر انتخاب الراعي، كما تأتي في سياق زيارة البطريرك الماروني لدار الفتوى، لرد زيارة مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني، الذي بعث بدعوات شخصية إلى رؤساء الطوائف الاسلامية والمسيحية لمشاركته في هذه اللغة·

وبحسب معلومات <اللـــواء> فإنه تقرر أن يشارك مع كل رئيس طائفة شخصان، بالاضافة إلى أعضاء لجنة الحوار الاسلامي – المسيحي· الذين عملوا خلال الفترة السابقة على اعداد ورقة عمل القمة التي تتضمن الخطوط العريضة التي يلتقي عليها اللبنانيون، وهي تركز على نقاط رئيسية، منها: دعم الدولة ومؤسساتها، التمسك باتفاق الطائف، التركيز على العيش المشترك، والدعوة للحوار بين الأطراف·

وفيما فهم ان الاتصالات يفترضوا أن تحسم قبل ظهر اليوم، جزئتين تتعلقان بموضوع المحكمة الدولية والمقاومة والسلاح الشرعي، أكدت مصادر مطلعة ان القمة ستتجنب الإشارة إلى مواقف الراعي الباريسية، إلا انها ستؤكد بأن الصيغة الوطنية هي الضمانة لبناء البلد، وليس التحالفات الثنائية أو الثلاثية·
 

السابق
الموساد وحزب الله..حكاية بلا نهاية
التالي
ملف جديد..