جنبلاط يتجنب العصفورية..لوقف الابتزاز

ما يخشاه وليد جنبلاط في هذه الفترة هو أن تتكرّر حفلة المزايدات عند كل مفترق حكومي، كما حصل مع خطة الكهرباء، فالمزايدون شغلوا الحكومة وأضاعوا وقت البلد "وسمّموا" الاجواء، هكذا من دون سبب. ويوشك "الطباخون" على وضع التعيينات الادارية على نار حامية، لكن الخوف ان يحوّلها المزايدون الى طبخة بحص. وجلّ ما يريده زعيم التقدمي في هذه الفترة، هو ان يبعد عن الشرّ ويغني له، واما "الشرّ" فيقع في "مكان ما" داخل الحكومة وعلى مقربة منها، ويتجنب مقاربته عن سابق تصوّر وتصميم، والشيء الاهم لديه هو ان يدعه من في هذا الـ"مكان ما" وشأنه، ويتركه لاهتماماته، خاصة انه يرفض ان يكون جزءًا مما بات يسمى "العصفورية السياسية" التي يشهدها البلد بين حين وآخر. من مآثر تلك العصفورية، ان جوقة "الصراخ الفاضي" الذي رافق خطة الكهرباء ومن دون اي سبب سوى افتعال الصراخ لا اكثر ولا اقل، زرعت شكوكا حقيقية في الموقف وركزته على خلفيات سياسية، حتى كاد بعض الاطراف السياسيين وتحديدا "حزب الله" يقعون في فخ الخلفيات الوهمية، خاصة وان هناك من قدم موقف جنبلاط من خطة الكهرباء وملاحظاته حولها على غير حقيقتها التقنية والادارية، بل قدمها على انها مؤشر جنبلاطي حول "نقل البارودة من كتف الى آخر".

ما حدا بالسيد حسن نصرالله الى طرح السؤال: هل توجد خلفيات سياسية ام لا؟ هذا السؤال طرح على جنبلاط مرتين، في المرة الاولى حين زاره المعاون السياسي لامين عام "حزب الله" الحاج حسين خليل والمعاون السياسي لرئيس مجلس النواب الوزير علي حسن خليل والحاج وفيق صفا في كليمنصو قبل ايام، والجواب الذي قدمه جنبلاط والمحصور بالبعد التقني، احدث الصدى المريح عند "الحاج حسين"، وفي المرة الثانية خلال العشاء في منزل مدير عام الامن العام اللواء عباس ابراهيم حيث اعاد جنبلاط التأكيد في حضور النائب محمد رعد والحاج حسين والحاج وفيق على ان بعد موقف جنبلاط الكهربائي، تقني وليس سياسيا… لكن الغريب ان هناك "حرّضوا" ضد هذا العشاء، ولم يشأ الزعيم التقدمي ان يكشف عنهم، الا انه قال: "تعشينا عند عباس، واقاموا القيامة، يا لطيف شو هالغلطة التي ارتكبناها، علما ان عباس صديقي..".

واذا كان المهم الآن بالنسبة الى جنبلاط هو تجاوز امتحان النقاش في خطة الكهرباء في مجلس النواب، فإن الاولوية الكبرى في المقابل بالنسبة اليه هي "ان يأخذ العمل الحكومي مداه في شتى المجالات، سواء في مقاربة التعيينات او كل ما يتصل بالشأن الاقتصادي والحياتي والمعيشي وتعديل الرواتب واعادة النظر في السياسة الضريبية، وخاصة ان نجيب ميقاتي يقوم بعمل جيد وبإدارة حكومية جيدة، لكن الاهم من كل شيء هو وقف سياسة الابتزاز التي تضع العصي في الدواليب، ومما لا شك فيه ان هناك في الحكومة من سئم من عملية الابتزاز التي تمارس من قبل البعض".

لا يعكس جنبلاط ارتياحا حول الوضع الداخلي، ويظهر انه يمارس وسطيته جملة وتفصيلا هذه الايام، فلا يرى فائدة من العراك السياسي والسجال حول البديهيات واستمرار الحالة السياسية المرضية، والمكايدة والاختلاف حتى على جنس الملائكة. ولجنبلاط تقييمه الخاص للاشتباك السياسي بين رئيس مجلس النواب نبيه بري وتيار المستقبل ويقول : "لقد قرأت في الصحف ما يحصل، ولا اريد ان ادخل في تفاصيله، وفي كل الاحوال لو كنت مكان الرئيس بري لما كنت رددت". لا مكان للنسبية لدى جنبلاط، فهو يرفضها ليس لانها تخسره انتخابيا كما يقال بل لأنه جرب ان يفهمها فلم يستطيع ذلك "لقد جربت ان ادرسها واعرف ما هي، وراجعت مشروع فؤاد بطرس فلم افهمها. وجدتها صعبة جدا". ويضيف، لقد كانت النسبية في ما مضى شعارا للحركة الوطنية في لبنان ولليسار اللبناني، عندما كانت الحركة الوطنية وكمال جنبلاط يطمحون لتغيير النظام من الداخل بشكل سلمي، لكن الآن لم يعد هناك حركة وطنية ولم يعد هناك يسار، بل هناك بقايا يسار. وكل الاحزاب الموجودة هي احزاب طائفية فليترك كل واحد حسب حجمه . وفي جانب آخر، يحتل الحدث العربي الحيز الاكبر من اهتمامات ومتابعات جنبلاط، فهو العائد حديثا من زيارة الثلاث ساعات الى "ليبيا الجديدة" بعد سقوط معمر قذافي. يقول جنبلاط انه لبى دعوة تلقاها، والتقى من سماه بالوقور وصاحب السمعة الطيبة الذي يوحي بالثقة اي الشيخ عبد الجليل .. بالاضافة الى بعض اعضاء المجلس الانتقالي ونزلنا الى ساحة التحرير. ما يأسف له جنبلاط في هذه الزيارة انه يعرف بنغازي قبل 25 او 30 سنة، فقد كان يرى آنذاك مناظر البؤس والفقر، وهي ذاتها رآها في زيارته الحالية: "لست اعرف ماذا فعل القذافي بكل اموال الدولة، سوى انه اشترى السلاح وانكشفت مؤخرا فضائح عائلته، ونفذ ما سماه النهر الصناعي العظيم وصرف مبالغ هائلة على فراغ، كان في الامكان توفيره لو نفذ محطة تحلية مياه..".

المهم في رأي جنبلاط هو ان يتوقف الدعم الذي يتلقاه القذافي من بعض الدول الافريقية التي ما زالت تقدم له المساعدة.. ويضيف قائلا: لقد لمّحت في كلامي مع من التقيتهم الى قضية الامام موسى الصدر ولا استطيع ان اقول اي شيء حول هذا الموضوع فلا املك معطيات كما لم اقف على معطيات، والغريب انني عندما اشرت الى هذا الموضوع في الاعلام قامت قيامة "احدهم". لا اعرف لماذا.. وليبيا بالنسبة الى جنبلاط، هي جزء من العالم العربي الذي دخل في مرحلة التحول والخروج من تحت الضغط، وان يثور الشعب العربي فذلك علامة عربية مضيئة: "أنا ارى ان الشعب العربي يخرج رويدا رويدا من جمود مزمن قاتل كما خرج الشعب الروسي وشعوب الاتحاد السوفياتي من تحت مظلة الشيوعية، وكما خرج الشعب الايراني المسلم من تحت ديكتاتورية "شاه ايران".

واما بالنسبة الى سوريا فإن جنبلاط يخالف كل اصحاب النظريات القائلين بوجود مؤامرة اميركية او غربية، فهو يرى ان هناك حالة شعبية تتحرك ولها مطالبها الاصلاحية التي ينبغي ان يستجاب لها والشروع في الاصلاحات. في اعتقاد جنبلاط ان الوضع بالنسبة الى سوريا هو وضع معقد، ويرى ان ثمة فرصة كانت متاحة من خلال مبادرة الجامعة العربية (التي رفضتها القيادة السورية): "أنا قرأت نقاط تلك المبادرة، واعتقد انها نقاط جيدة". اخيرا، يحرص جنبلاط على توجيه رسالة صريحة الى "جهات معنية": دعونا لا نغامر بقطع التزاماتنا في ما يتعلق بالمحكمة الدولية ومنع تمويلها، فبذلك نوفر على البلد عقوبات قد تفرض عليه.. علما ان السيد حسن نصرالله سبق وقدم للقضاء اللبناني ادلة وقرائن قيمة. ألا يعني ذلك انه اعلن "نصف اعتراف" بالمحكمة، فلنمول المحكمة، ويستطيع ان يدافع "حزب الله" عن نفسه قدر ما يشاء وبالطريقة التي يراها والمسألة لن تنتهي بين اليوم وغدا بل قد تحتاج الى سنوات وسنوات.
 

السابق
حزب الـله سييموِّل المحكمة!
التالي
محاولة إحراق مصر