السفير: مؤتمـر أصـدقاء ليبـيا يرفـض تهمـة الغـزو! 50 ألف قتيل والعملية العسكرية مستمرة ومصير الأرصدة المجمّدة برسم مجلس الأمن

اجتمع «أصدقاء ليبيا» والمتطلعون إلى مرحلة جديدة من الاستفادة من ثرواتها أمس في باريس، ليطلقوا عملية احتضان دولية لـ«الشرعية» الليبية الجديدة المتمثلة بالمجلس الوطني الانتقالي. التأكيد كان على استمرار العملية العسكرية حتى ضمان «عدم تهديد معمر القذافي للمدنيين»، وهو ما تجسد ميدانيا في هدف «تحرير» مثلث بني وليد – سرت – سبها. كما اتخذت قضية رفع التجميد عن الأموال الليبية حيزا بارزا في مؤتمر باريس، لما تشكله من ورقة مساومة أساسية على طاولة تقاسم الثروات النفطية.
أخيرا انتزع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي انتصاره الدبلوماسي والعسكري الأول في ليبيا، وتتويجه، إلى جانب رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون، مضيفا ورئيسا لمؤتمر مساندة ليبيا الجديدة. وهو انتصار لن يعدم استثماره لرفع شعبيته المتهالكة في استطلاعات الرأي العام، واستخدامه بعد ثمانية اشهر في حملته الانتخابية من اجل ولاية رئاسية ثانية. وإلى جانب كاميرون وأمير قطر حمد بن خليفة آل ثاني ورئيس المكتب التنفيذي في المجلس الوطني الانتقالي محمود جبريل ورئيس المجلس مصطفى عبد الجليل والأمين العام للامم المتحدة بان كي مون، اعتلى ساركوزي منبر مؤتمر صحافي في الاليزيه وأعلن باسم المشتركين في ختام المؤتمر أن المشاركين فيه اتفقوا على العمل على الافراج عن الأرصدة الليبية المجمدة من دون تحديد آلية واضحة خصوصا أن ذلك ما زال يحتاج لاستصدار قرار من مجلس الامن. لكنه أكد أن المجتمعين اتفقوا على صرف 15 مليار دولار للمعارضة الليبية.
وقال ساركوزي ان المشاركين اتفقوا على مواصلة العملية العسكرية في ليبيا طالما شكل معمر القذافي تهديدا لأمن المدنيين، وأشار إلى أن المؤتمرين طلبوا من الحكومة الانتقالية أن تعفو عن اعوان القذافي وأن تعمل على مصالحة وطنية تجنبا لتجديد عراق ثان وحرب أهلية. وأعلن ساركوزي أن المؤتمر قرر العمل على توسيع الاعتراف بالسلطة الجديدة وافتتاح سفارات جديدة في طرابلس وتحويل مجموعة الاتصال حول ليبيا إلى مجموعة اصدقاء ليبيا.
أما أمير قطر فأكد ان «الليبيين يقررون بأنفسهم كيفية تحرير ذاتهم». وأشاد بحلف شمال الاطلسي وقال انه «لولا مساعدة الناتو لما أمكن تحرير الشعب الليبي… الدول التي ساعدت ليبيا لم تكن دولا غازية». واعتبر امير قطر ان السؤال المطروح الآن هو «هل الثورة التي طالبت بالديموقراطية كفوءة بممارسة الديموقراطية. علينا ان لا نبخس الثوار وقيادة الثوار، لولاهم لما تم الامر بسرعة». ودعا أمير قطر الثوار إلى البدء بتصدير النفط قائلا «لماذا لا يستعجلون في تصدير النفط من الآن؟ وليس ان ينتظروا (الافراج عن) الاموال المجمدة».
ومن جهتها، قالت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون ان «على السلطات الليبية الجديدة ان تواصل مكافحة التطرف العنيف وأن تعمل معنا لضمان الا تصبح مخازن اسلحة القذافي تهديدا لجيران ليبيا والعالم». ووجهت كلينتون الرسالة اثناء لقاءاتها في باريس مع ساركوزي ومصطفى عبد الجليل ونائبه محمود جبريل، بحسب المقربين منها. وتطرقت معهم الى ضرورة احلال ديموقراطية «شفافة في ليبيا موحدة وخالية من اي تطرف» و«تحظر استخدام العنف كسلاح سياسي وتشجع التسامح والتعددية».
ولم يوفر الفرنسيون، ولا الليبيون من المجلس الانتقالي جهدا، لاعتراض انقلاب فاتح ايلول الليبي الشهير، وتحديد موعد لزعماء ستين دولة في قاعة نابوليون الثالث في الاليزيه، احتفاء بالسلطة الليبية الجديدة وأعضاء المجلس الانتقالي، وإهالة التراب على ليبيا القذافية، في مساء شديد الرمزية يصادف ساعة بساعة انقضاء 43 عاما على دخول معمر القذافي قصر الملك ادريس، وفي غيابه، وافتتاح عصر الجماهيرية التي يشكل مؤتمر باريس نعيها الدبلوماسي والسياسي الأخير.
المؤتمر حقق رهانا مزدوجا للدبلوماسية الفرنسية. مصدر دبلوماسي رفيع في الاليزيه اوجز الرهانين لـ«السفير»: مصالحة المعارضين روسيا والصين بشكل خاص، والمؤيدين لعملية الأطلسي في ليبيا، وتكريس اوسع اعتراف دولي بالسلطات الليبية الجديدة، وبأسرع وقت ممكن لإنجاح وتثبيت المرحلة الانتقالية. وسارعت روسيا إلى اعلان اعترافها بالمجلس الوطني الانتقالي، بعد تلكؤ واضح، في الساعات التي سبقت المؤتمر، حسم بعد تعهد الانتقالي الليبي احترام الصفقات والاتفاقات النفطية والتجارية والتسلحية التي عقدها القذافي مع موسكو.
ولكن الاعتراف الروسي تناول في نصه السلطة الحالية، على ان يعقبه اعتراف ناجز بالحكومة الانتقالية ممثلا شرعيا لليبيا الجديدة بعد تأليفها. وقال الدبلوماسي الفرنسي إنه بعد انقسام الأسرة الدولية حول العمليات العسكرية التي قام بها حلف شمال الاطلسي لدعم الثوار، عمل المؤتمر على رأب الصدع داخل مجلس الأمن، لأنه جرى بحضور ممثلين عن اعضائه الخمسة عشر، و ثلاثة عشر رئيس دولة وتسعة عشر رئيسا للوزراء، وممثلي ما يقارب 60 دولة، والأمناء العامين للأمم المتحدة، والـ«ناتو»، والجامعة العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، والاتحاد الأفريقي. كما حقق المؤتمر مصالحة في قصر الأليزيه بين روسيا والصين وكتلة الدول التي عارضت بشدة القرار 1973 . وكانت مجموعة من خمس دول اطلسية نواتها فرنسا وبريطانيا، قد تمسكت بالفقرة الرابعة من القرار، التي تنص على حماية المدنيين باستخدام جميع الوسائل، لتوجيه ضربات جوية خلال ستة اشهر لكتائب القذافي، مهدت الطريق لقوات المجلس الوطني الانتقالي ودخولها الظافر إلى طرابلس، الأسبوع الماضي.
ولم يكن للاحتفال في الاليزيه أن ينعقد قبل انتهاء المساومات على ليبيا الجديدة وتحديد المكاسب، والتي كانت قد بدأت فور الإعلان عن دخول قوات الانتقالي ظافرة إلى طرابلس. إذ عرقلت الصين وروسيا استعادة الليبيين الأرصدة الليبية المجمدة في الخارج، وهي أرصدة من المنتظر أن تمول عقودا بعشرات المليارات من الدولارات في الأشهر المقبلة، لتثبيت سلطة الانتقالي في طرابلس، واقتسام صفقات ضخمة لإعادة الإعمار.
وتعتبر ورقة تحرير الأرصدة الليبية لتسهيل تثبيت الدولة الجديدة مفتاحا في المساومات الجارية في الكواليس، على تقاسم النفط الليبي، والاحتفاظ بمدخل إلى الصفقات المقبلة، عندما يبدأ الإنتاج الليبي بالتقدم من مليون ونصف مليون برميل يوميا إلى ضعفه بعد عامين. ونشرت صحيفة الـ«ليبراسيون»، صبيحة افتتاح المؤتمر وثيقة تكشف عن تعهد الانتقالي في الرابع من نيسان الماضي، منح فرنسا 35 في المئة من النفط الليبي لقاء استمرارها في تسليح الثوار، واستمرار العمليات العسكرية. وسواء صحت الوثيقة او لا، إلا أنها تعكس، اعتبار الصفقات النفطية جائزة تستحق لمن ساهموا في اسقاط معمر القذافي. كما تعكس حدة التنافس لوضع اليد على النفط الليبي، ليس فقط بين الروس والصينيين، بل بين الغربيين انفسهم، فالايطاليون الذين يشرفون على اغلب الحقول النفطية الليبية، ويعتمدون عليها بنسبة الثلث في استهلاكهم للطاقة، بدأوا يعبرون علنا عن مخاوفهم من ان تحل «توتال» الفرنسية مكانهم في ليبيا. ويبعث نشر الوثيقة صحت ام كذبت، برسالة واضحة إلى الناخبين الفرنسيين ان رهان الرئيس ساركوزي في حربه على القذافي، سيوفر لفرنسا مصادر اكيدة للطاقة وأكثر قربا. وليس سرا ان مصطفى عبد الجليل كان قد حدد منذ البداية قاعدة توزيع الجوائز من نفط وصفقات وإعادة اعمار بوضوح، عندما قال «إن الأفضلية فيها ستكون للدول التي ساعدت الثوار على تحقيق الانتصار» .

وكانت الصين وروسيا، الخاسر الآخر في سقوط نظام القذافي، وقد امتنعتا عن تأييد التدخل العسكري إلى جانب الثوار، وانتقدتا بشدة تلطي الأطلسي خلف فقرة حماية المدنيين في القرار 1973، لوضع ضرباته الجوية في خدمة مقاتلي الانتقالي ـ وهو ما اعتبرتاه خديعة تلقي بظلالها اليوم على أي محاولة لاستصدار قرار ضد سوريا. وأحبط الشريكان الروسي والصيني محاولتين فرنسية وبريطانية في مجلس الأمن، لإلغاء القرار 1970 ، وتحرير 50 مليار دولار من الأرصدة الليبية، بحسب اقل التقديرات. وكان القرار الدولي قد قضى بتجميدها في آذار الماضي. ولا يزال تحرير الأرصدة وإيداعها السلطات الليبية الجديدة، موضع مساومات بين الكتلة الغربية والصين وروسيا التي توافق بالتقسيط على تحرير مبالغ وصلت حتى الآن إلى اربعة مليارات دولار، لتمويل الحاجات العاجلة لليبيين.
ويقف المليون و600 الف برميل نفط يوميا، وأربعة مليارات من الاحتياطي النفطي في طليعة المساومات في خلفيات مؤتمر باريس.
ورد الغربيون على المواقف الصينية الروسية، بالإعلان عن استمرار عمليات الأطلسي في ليبيا، التي انتقدها الروس والصينيون واعتبروها وسيلة لفرض وصاية غربية على ليبيا الجديدة. وبرر المسؤول الفرنسي ذلك بالقول، إن المهمة التي اوكلها مجلس الأمن للأطلسي في ليبيا لا تتوقف بسقوط القذافي، وإن الأطلسي سيواصل تحمل مسؤولياته، ازاء فرضية قيام قوات معادية في ليبيا بتهديد المدنيين.
وأكد المسؤول الدبلوماسي الفرنسي الرفيع نية بلاده التي ساهمت في ثلث الجهد الحربي إلى جانب الوطني الانتقالي، مواصلة العمليات العسكرية في اطار الأطلسي حتى السيطرة على مثلث سرت، بني وليد، وسبها، التي يتحصن فيها مقاتلو كتائب القذافي. وترجح تقديرات وجود الرئيس معمر القذافي داخل هذا المثلث.
وقال الدبلوماسي الفرنسي لـ«السفير» إن المؤتمر الذي دام اقل من اربع ساعات قدم منبرا مهما لرئيس المجلس الوطني الانتقالي مصطفى عبد الجليل، ولمحمود جبريل رئيس المكتب التنفيذي للمجلس، لكي يقدما باسم السلطات الليبية الجديدة رؤيتهما للمستقبل، وخطة انتقالية تدوم 18 شهرا، تمد فيها السلطات الجديدة اليد لكل من يلتحق بها من اعوان النظام السابق، شريطة ألا تكون أيديهم ملوثة بالدماء.
ورفض الليبيون بشكل قاطع في لقاءات باريسية مع الأمين العام للأمم المتحدة اقتراحا بإرسال 200 مراقب عسكري و190 شرطيا دوليا، وكان المسؤول الفرنسي الذي واكب التحضير للمؤتمر، قد استبعد اي دعوة او مجرد البحث بإرسال قبعات زرقاء إلى ليبيا لأن الوضع حسم عسكريا لمصلحة الوطني الانتقالي، وأنها بأي حال، لن تجد من تفصل بينهم بعد هزيمة قوات القذافي.
وخيم الكابوس العراقي على الداعين إلى المؤتمر، مبررا الإسراع إلى عقده تجنيب ليبيا تكرار ما حدث في العراق. وقال الدبلوماسي الفرنسي إن المصالحة الداخلية حيوية لتجنب اخطاء الإدارة الأميركية في العراق، التي تسببت بإشاعة الفوضى والخراب بتسريح الحاكم باسمها بول بريمر آنذاك، الجيش وقوى الأمن، واستئصال البعثيين من الإدارات مما عطل انتقالا سلميا للسلطة، وألقى بالمطرودين في خنادق المعارضة. وأوضح أن الكثير من الليبيين كانوا على صلة وثيقة بالنظام البائد وعلى الحكومة الجديدة أن تجد الوسيلة المناسبة لدمجهم.
وعرض جبريل وعبد الجليل خطة انتقالية، يدعمها المؤتمرون، تدوم 18 شهرا، تتألف خلالها حكومة انتقالية وطنية واسعة، وينتخب مجلس تأسيسي يقوم بكتابة دستور يطرح على الاستفتاء، ويمهد لإجراء انتخابات عامة تتوج المرحلة الانتقالية. ورفض الليبيون خطة زمنية أعدتها الأمم المتحدة تدوم تسعة أشهر على الاكثر، اعتبرت غير كافية، لتأليف حكومة انتقالية، وتشكيل مجلس تأسيسي، والاستفتاء على دستور جديد، ثم اجراء انتخابات تشريعية. وتقر الأمم المتحدة انه من الصعب تنظيم انتخابات في بلد كليبيا لم يشهد اي انتخابات في تاريخه الحديث، حيث لا وجود للجان انتخابية وأحزاب سياسية، أو مجتمع مدني، وفي وقت قياسي من تسعة اشهر.
وقال الدبلوماسي الفرنسي إن ساركوزي سيصر على التعجيل بإصدار قرار من مجلس الأمن يلغي تجميد الأرصدة الليبية في المصارف الدولية، والتي قدرها بنحو 50 مليار دولار. وقال إن الحكومة الفرنسية ستعمل على وضع 7.5 مليارات يورو مجمدة في مصارفها، بتصرف الحكومة الليبية بمجرد صدور القرار.
وأعلنت فرنسا انها، على غرار بريطانيا، قامت برفع الحجز عن مليار ونصف مليار دولار، لمساعدة الحكومة الليبية على مواجهة الاستحقاقات العاجلة، ودفع رواتب الموظفين، وشراء آلاف المستوعبات وإحلالها محل المدارس المدمرة، واستقبال مليون ونصف مليون تلميذ يعودون إلى مقاعد الدراسة في الأسابيع المقبلة، مما يسهم في تطبيع الأوضاع.

السابق
أوغلو: تركيا ستطبق عقوبات على اسرائيل إن لم تعتذر
التالي
الراي: أول إطلالة لميقاتي من باريس طغت عليها الصورة السلبية لحكومته في الغرب