هل يذهب ملفّ الكهرباء بحكومة ميقاتي؟

هل يكون ملف الكهرباء مع حكومة الرئيس نجيب ميقاتي شبيهاً بملف شهود الزور مع حكومة الرئيس سعد الحريري، وهل يكون للخلاف حولهما نتائج واحدة أم مختلفة؟

الواقع أن الأزمات في لبنان بدأت مع المحكمة الدولية وقد تنتهي معها. فعندما قرّرت حكومة الرئيس فؤاد السنيورة درس مشروع النظام الأساسي للمحكمة وإقراره في مجلس الوزراء، انسحب الوزراء الشيعة منها بحجّة أن لهم ملاحظات عليه وطلبوا تأجيل إقراره، فاعتُبرت الحكومة بعد انسحابهم غير ميثاقية وغير شرعية وأقفلت أبواب مجلس النواب في وجهها وفي وجه المراسيم التي تصدر عنها، ولا يزال عدد كبير منها موضوع خلاف حول طريقة اعتبارها شرعية تمهيداً لطرحها على مجلس النواب للمصادقة عليها. وعندما أحرزت المحكمة الدولية في تحقيقاتها حول جريمة اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه تقدماً ملموساً، وأخذت التسريبات عن هذا التحقيق تُنشر في صحف لبنانية وأجنبية متهمة عناصر في "حزب الله" بتنفيذ هذه الجريمة، فتح وزراء المعارضة وكانوا يمثلون قوى 8 آذار في تلك الحكومة ملف شهود الزور وأصرّوا على البحث فيه قبل أي موضوع آخر، فأدى هذا الموقف المتصلب إلى تعطيل جلسات مجلس الوزراء، وكانت له خلفية سياسية تتعارض والناحية القانونية بحيث جعلتهم يرفضون الدراسة التي وضعها وزير العدل في تلك الحكومة الدكتور ابرهيم نجّار والتي لم توافق على إحالة ملف شهود الزور على المجلس العدلي بل على القضاء العادي. وعندما انتهت معادلة "السين – سين" بالفشل وتعذّر التوصّل إلى تسوية مع رئيس الوزراء سعد الحريري حول المحكمة المطلوب منها النظر في جريمة اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه، أتت إشارة من سوريا إلى وزراء المعارضة العشرة في تلك الحكومة بالاستقالة في توقيت له معناه ومغزاه أي في الوقت الذي كان الرئيس الحريري على موعد للقاء الرئيس الأميركي باراك أوباما في واشنطن بحيث يدخل الى هذا اللقاء وهو رئيس حكومة مستقيلة… وكانت المفاجأة انضمام "الوزير الملك" أو "الوزير الوديعة" المحسوب على الرئيس ميشال سليمان وهو وزير الدولة عدنان السيد حسين إلى المستقيلين ليصبح عددهم 11 وهو العدد الذي يكفي لجعل الحكومة مستقيلة حكماً.

وعوض أن تعلن الاستقالة في مجلس الوزراء أو تقدم إلى رئيس الحكومة، فقد أعدّ لها مسرح في منزل النائب العماد ميشال عون في الرابية بغية إعطاء الاستقالة أهميتها السياسية وأبعادها. وتولّى الوزير جبران باسيل تلاوة البيان (12 كانون الثاني 2011) بشكر الملك عبد الله بن عبد العزيز والرئيس بشار الأسد "على الجهود التي بذلاها لمساعدة لبنان على تخطي الأزمة الناتجة من عمل المحكمة الدولية وإبداء الأسف لتفويت الفرص التي أتيحت لانجاح هذه الجهود". وأضاف: "في ظلّ النتائج التي وصلت إليها الأمور من تعطيل وتوقف الجهود المبذولة لمعالجة هذه الأزمة الوطنية بسبب رضوخ الفريق الآخر للضغوط الخارجية ولا سيما منها الأميركية، وعلى رغم التعاون الذي أبديناه طوال أشهر والذي ووجه بامتناع الفريق المعطّل للحكومة على اتخاذ القرارات المتصلة بقضايا المواطنين والوطن وصون المال العام ومنع الحكومة من ممارسة دورها الفعلي(…)".

وهكذا استقالت حكومة الرئيس الحريري لسبب ظاهره ملف شهود الزور الذي عطّل جلسات مجلس الوزراء ولم يبت بالتصويت كما طلب وزراء المعارضة، فيما السبب المضمر هو المحكمة الدولية التي لم تتوصل المساعي السعودية – السورية إلى تسوية لها. فهل يكون ملف الكهرباء هو السبب الظاهر لتعريض حكومة ميقاتي لخطر الاستقالة أو الشلل، فيما السبب الحقيقي هو المحكمة الدولية التي تسير سيراً حثيثاً نحو كشف الحقيقة وإحقاق العدالة؟ وهل يكون انسحاب أو اعتكاف وزراء "تكتل التغيير والاصلاح" لتعطيل جلسات مجلس الوزراء وللحؤول دون اتخاذ القرارات التي يتطلبها التعاون مع المحكمة عن تمويل وتحديد لعملها أو أن سوريا إذا كانت تريد الذهاب أبعد ووضعها الداخلي يسمح لها بذلك، فإن وزراء "تكتل التغيير والاصلاح" قد لا يكتفون بالانسحاب والاعتكاف بل ينضم اليهم "وزير ملك" غير معروف حتى الآن لتصبح استقالة الحكومة حتمية فيغرق لبنان عندئذ في أزمة وزارية قد يستعصي حلّها فتتحول أزمة حكم، كما تغرق سوريا بالدم ولا يعود في الإمكان الاستجابة لطلبات المحكمة الدولية، ويكون النظام في لبنان أثبت عجزه عن حلّ الأزمات التي يواجهها لا بحكومة "وحدة وطنية" ولا بحكومة اللون الواحد. فلو لم يكن ملف شهود الزور مجرّد ذريعة لتطيير حكومة الحريري لكان وزراء المعارضة وافقوا على الدراسة القانونية للوزير نجّار وانتهى الأمر، ولو لم يكن وراء ملف الكهرباء ما وراءه، لكان الوزير باسيل اكتفى بطرح مشروعه على مجلس الوزراء وترك للأكثرية الوزارية تقرير ما تشاء وما كان ليعلن بلغة الآمر الناهي: "إما أن توافقوا على مشروعي كما هو وإلاّ فلا كهرباء".

السابق
مصدر وزاري: اتصالات لبري لاستيعاب توترات «الكهرباء
التالي
اللواء: نصر الله يربط استقرار لبنان بتطوّرات الأزمة في سوريا