رسائل النقب

الجمعة, 19 أغسطس 2011

لن تكفي أسطر أو كلمات قليلة لإضافة ذات مغزى الى مسألة الكفاح المسلح التي يجادل الفلسطينيون والعرب، معها وضدها منذ عقود. ولن يفيد شيئاً التذكير بتاريخ استغلال الأنظمة العربية المختلفة للقضية الفلسطينية في سبيل تحقيق مصالحها الآنية.

وسيقابَل أي تساؤل عن توقيت الهجمات على الحافلات الاسرائيلية في النقب، باستنكار من رافضي التشكيك في حق المقاومة الفلسطينية في مهاجمة الاهداف الاسرائيلية أينما تمكن مقاتلو الفصائل، وكيفما اتفق. المهم، في المنطق هذا، عدم ترك النسيان يلف القضية التي ترخص في سبيلها مصالح وحياة وكرامات أفراد وشعوب. وليس أفضل من العنف منشطاً للذاكرة.

وبغض النظر عن جسامة الظلم اللاحق بالشعب الفلسطيني منذ ما قبل 1948، وربما بسبب الظلم، لم يعارض فلسطينيون كثر استخدام الحكومات والأجهزة العربية المتنوعة لقضيتهم مطية أو منصة، تعتليها متى شاءت أغراض الأنظمة قبل أن تنبذها وتنصرف إلى شؤون أخرى.

لعل هذه هي أول الأفكار التي تخطر على البال عند الاستماع الى أخبار الهجمات التي قالت اسرائيل ان منفذيها جاؤوا من غزة. وتعهد وزير الدفاع الاسرائيلي بجعل القطاع يدفع «ثمن» اطلاق النار على الحافلات الاسرائيلية بين بئر السبع وإيلات. وواضح من المعلومات الأولية ان الإعداد للعملية استغرق أشهراً من الاستطلاع والرصد والمراقبة والتخطيط وأن القرار بتنفيذها وموعدها أملته عوامل تتجاوز الضرورات العملانية والميدانية.

ومن دون استثناء حاجة فلسطينية محلية الى إعادة إحياء الجبهة العسكرية، لا يمكن انكار وجود جهات أخرى تمتلك القدرات والضرورات لتحويل الانتباه عنها وعن مآزقها الحالية. بكلمات أخرى، ما زال «الكفاح المسلح» الفلسطيني، على غرار ما كان في السبعينات من القرن الماضي، صندوق بريد صالح لتوجه الأنظمة العربية منه وبه، رسائل اقليمية ودولية وداخلية. لا يغيب عن البال ان الاعوام القليلة الماضية شهدت تعميق ارتباط بعض الفصائل الفلسطينية بإيران، ما يتيح امكان نشوء تقاطع بين الجهات الراغبة «بالمراسلة» مع اسرائيل والولايات المتحدة، على هذا النحو وبهذا الاسلوب.

ويبدو من حماسة باراك لتوجيه ضربات سريعة الى غزة ان الهجمات تجمع بين رغبتين، إسرائيلية و»ممانعة» في الهروب إلى الأمام وتجنب التعامل مع التطورات السياسية (العربية) والاجتماعية (الاسرائيلية) بغير ما اعتادت إسرائيل والواقفون وراء العمليات التعامل به، أي تحويل أي ظاهرة جديدة إلى رصيد إضافي في حساب السلطات الباحثة عن طول بقاء على حساب اضفاء المزيد من المأساوية على مصير الشعب ومآلات القضية الفلسطينية.

وفي الوقت الذي لم تتضح تفاصيل العملية ولا الجهات التي نفذت وخططت لها، يبدو أن الأهداف لا تبتعد كثيراً عن منظومة الحسابات التقليدية التي تقوم على ارباك الأوضاع والضرب بعنف في مكان لصرف الأنظار عن مكان آخر. بيد أن كل هذا يبدو من عالم يسير في طريقه إلى الأفول، وأن الثورات العربية، بقيمها وبتضحيات الشعوب السائرة فيها، قد أبطلت جدوى الاستغلال العربي (وغير العربي) للقضية الفلسطينية، على غرار هزال «الرسائل» التي وجهت في الجولان وجنوب لبنان في ذكرى «النكبة» و»النكسة» والتي تحمل الفلسطينيون بؤس نتائجها.

ومن دون أي رغبة في الخوض في سجال حول العمليات العسكرية في الصراع العربي – الاسرائيلي، والتي باتت ايجابياتها وسلبياتها معروفة منذ عقود، ومن دون اغفال الثمن الباهظ الذي قد يدفعه الفلسطينيون (ابتداء من منفذي العملية الذين لقوا مصرعهم فيها)، إلا ان لا مفر من القول ان هذا النوع من العمل، المنتزع من سياقه السياسي، بات في حاجة الى إعادة نظر عميقة، وهذا أقل ما يقال. فالتغييرات في المنطقة أعلنت انطلاق مرحلة تاريخية جديدة، أعمى من لا يراها.

السابق
أبعد من معادلة لكم المحكمة ولنا الحكم
التالي
السفير: عمليـة فدائيـة في إيـلات تهـز الأمـن الإسـرائيـلـي 8 قتلى و27 جريحاً … والاشتباكات تمتد حتى الليل