السيد فضل الله: القرار الاتهامي يؤكد الحاجة لتلاقي القيادات ودراسة المخاطر المترتبة عنه

ألقى العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:

"في فلسطين المحتلة، يتابع العدو الصهيوني استكمال السيطرة الميدانية الكاملة على الضفة الغربية، وتغيير الخارطة الديموغرافية لها عبر موجات الاستيطان الجديدة في الضفة، وكان آخرها مصادقة وزير الحرب الصهيوني على إنشاء 277 وحدة استيطانية في عمق الضفة الغربية. ويترافق هذا التطور الخطير، مع استمرار الغارات العدوانية على قطاع غزة، ومع استهداف عدواني غير مسبوق للقدس تمثل بالعمل الصهيوني لإبعاد 384 شخصية فلسطينية عن القدس، في محاولة لإفراغ المدينة من أهلها، تمهيدا لإدخالها نهائيا في دائرة الاستيطان والتهويد".

اضاف:" وفي السياق نفسه، يأتي إعلان كيان العدو عن الرفض التام لعودة اللاجئين، في الوقت الذي يطلق حملة دبلوماسية دولية وإعلامية وسياسية مضادة للحركة الفلسطينية الرسمية، التي تسعى لإعلان الدولة الفلسطينية عبر الأمم المتحدة في أيلول المقبل، مستفيدا من الدعم الدولي والسكوت الغربي، ومن الأوضاع المتفاعلة على الساحة العربية. ولذلك، فإننا نعيد التأكيد على ضرورة إطلاق حركة سياسية وإعلامية عربية وإسلامية، تثير المسألة الفلسطينية في أوسع مدى إعلامي وسياسي، لتعود بقوة إلى الواجهة. ولا بد لنا ونحن نعيش الذكرى الثانية والأربعين لإحراق المسجد الأقصى، من تسليط الضوء على كل المحاولات التي يعمل لها العدو للنيل من الأقصى والقدس الشريف، من هدم وطمس للمعالم الإسلامية والمسيحية".

وثمن "العمليات الجهادية التي استهدفت العدو الصهيوني، والتي أكدت مجددا حيوية الشعب الفلسطيني، وعدم رضوخه لكل سياسات الضغط والإرهاب التي تمارس ضده، والتهويل والتمييع لقضيته، وبقاءه محافظا على الوجهة الصحيحة للصراع، باستمراره في خط المقاومة للعدو الذي لا يفهم إلا بمنطق القوة، بعد أن أثبت الواقع عدم جدوى كل الأساليب الأخرى التي راهن البعض عليها".

وقال:" وإذا كان لبنان قد تحول إلى محطة للقضية الفلسطينية في هذه الأيام بالذات، فإننا نعيد التذكير بالمسؤولية التي تقع على عاتق المسؤولين اللبنانيين، في احترام الحقوق المدنية للشعب الفلسطيني، ودعم سعيهم الحثيث للعودة إلى فلسطين المحتلة، لأن التخلي عن حق العودة يعني بداية النهاية للقضية الفلسطينية، كما يعني الانطلاق في جولة جديدة من الأزمات السياسية والأمنية في البلدان العربية المجاورة لفلسطين، وعلى رأسها لبنان".

اضاف:" وفي موازاة ذلك، نرى تصاعدا في المواقف الدولية والإقليمية في مقاربة المشهد السوري الذي بات الواجهة الحقيقية للأوضاع في المنطقة عموما، ونحن في الوقت الذي نتطلع إلى الشعب في سوريا لتحقيق أهدافه وتطلعاته الكبيرة في الحرية والكرامة، وتحقيق أوسع مساحة من الإصلاح المنشود، نتساءل عن هذه العاطفة الدولية والإقليمية المستجدة، والتي لا تنطلق من الحرص على المصلحة الحقيقية للشعب السوري، بل من خلال عمليات ضغوط وابتزاز، لا على مستوى سوريا ودورها فحسب، بل على مستوى المنطقة بشكل عام، حيث يراد إدخال الواقع السوري في عملية مساومة على سياساته الخارجية الممانعة، من دون أي مبالاة بكل طموحات الشعب السوري وتوقه إلى واقع أفضل. ولذلك، فإننا نؤكد على المعنيين في سوريا، وعلى الشعب السوري الذي كان سباقا إلى الدفاع عن القضايا العربية والإسلامية، الالتفات إلى هذه المسألة، وتفويت الفرصة على الهجمة الدولية، من خلال اللجوء إلى خيار الحوار الجدي الذي تشترك فيه المعارضة، وتنطلق فيه عملية الإصلاح ميدانيا، لقطع الطريق على الفتنة التي يرعاها أكثر من فريق خارجي، أو الذين يريدون أن يصطادوا في الماء العكر، ولا سيما في ظل التصريحات الأخيرة لمسؤولين غربيين".

وتابع: " وليس بعيدا من سوريا، فإننا نرى في التفجيرات الوحشية الأخيرة في العراق، والتي طاولت أكثر من 15 مدينة، وأدت إلى مقتل وجرح المئات من الأبرياء، نرى فيها رسائل دموية جديدة تستهدف الضغط داخليا وخارجيا، للابقاء على الوجود الأميركي العسكري في بلاد الرافدين، الذي يشعر الشعب العراقي كما الحكومة العراقية بثقله، وبأنه يستهدف إبقاء السيطرة على القرار الأمني والسياسي والاقتصادي، فضلا عن القرار الثقافي في العراق، كما أن ما حدث يشير إلى الترهل السياسي والأمني الذي لا تزال تعاني منه الساحة العراقية، التي تعيش الانقسام السياسي، حيث كل فريق يسعى لتثبيت موقعه ولو على حساب أمن العراقيين ومستقبلهم… ولذلك، فإننا نؤكد على الشعب العراقي، التنبه لذلك كله، والعمل على حماية وحدته الداخلية بقوة، حتى لا يكون وقودا للفتن والمؤامرات التي تحاك من الخارج ضده وضد وحدته وتماسكه.. فالوقت ليس وقت تقاسم الجبنة بقدر ما هو حماية العراق من أن يكون ساحة تجاذب الآخرين على أرضه، وتجنيبه سلبيات كل التطورات التي تجري من حوله، فقد آن للعراقيين أن يشعروا بوجود دولة تخفف عنهم أعباء الواقع الاقتصادي، وتؤمن لهم أبسط المقومات من الخدمات، وتزيل عن بلدهم آثار الفساد المستشري في مؤسساته".

وتطرق الى الوضع اللبناني وقال: "اما لبنان، فقد دخل مرحلة الهواجس، في وضع داخلي يراد له أن يكون مهتزا وقلقا في النواحي السياسية والاقتصادية، ليطل على اهتزازات أمنية يغذيها الخطاب السياسي الساعي لرفع منسوب الاحتقان بين الأفرقاء، مصحوبا بعناوين قضائية دولية، وبتحركات ميدانية لا تأخذ في الاعتبار خصوصية البلد الصغير المفتوح على تهديدات إسرائيلية يومية، ورسائل دولية متتالية لدفع البلد إلى الاستسلام لحركة التهاويل والضغوط التي تطلق عليه في أكثر من اتجاه.إننا نعتقد أنه ليس أمام اللبنانيين من خيار إلا العمل على حماية وحدتهم الداخلية، ولا سيما الإسلامية، وخصوصا بعد صدور القرار الاتهامي الذي يؤكد الحاجة إلى جلوس القيادات اللبنانية، ودراسة كل المخاطر التي تترتب على صدور هذا القرار بعقل بارد، وعلى قاعدة ما هو مصلحة لهذا البلد، ولا سيما أنه يأتي في ظل توتر داخلي يترافق مع ما يجري حوله من توترات. ويهمنا هنا أن نعيد الدعوة إلى عدم النظر إلى كل القرارات الدولية ببراءة، بل الأخذ بعين الاعتبار الخلفيات السياسية التي تحكم مثل هذه القرارات، والتوقيت الذي تصدر فيه… فنحن لسنا في عالم الملائكة والقديسين، بل في عالم تتحرك فيه المصالح والسياسات، ولا شيء غير ذلك".

وتابع:"إننا في الوقت الذي نؤكد أهمية أن تكون هناك عدالة في هذا العالم وفي لبنان، ندعو إلى العدالة التي تعيد الحق إلى نصابه، والتي تتأسس على قواعد منصفة عادلة، وتنظر إلى الأمور بعينيين لا بعين واحدة…إننا في هذه المرحلة، نحذر من نتائج كل هذا الاحتقان الذي تعيشه الساحة نتيجة تداعيات هذا القرار، أو نتيجة مضاعفات ما يجري في سوريا وانعكاسه على الساحة اللبنانية، لنؤكد للمسؤولين ضرورة ضبط الخطاب السياسي والديني، وعدم الاستمرار في صب الزيت على النار، لأن أي اشتعال للنار قد يساهم في إحراق البلد كله، ونعيد التأكيد على أهمية العمل لحوار جاد يخرج البلد من كل هذا الواقع الذي يعاني منه، أو يراد أن يعاني منه، فهذا هو السبيل لتجاوز تداعيات كل ما يجري ومنع سلبياته على الوحدة الإسلامية والوطنية".

وخاطب اللبنانيين بالقول" لا خيار لكم إلا أن تعيشوا معا، وأن تتابعوا مسيرة النهوض بهذا البلد، فوفروا على أنفسكم كل هذا الانقسام، واعملوا على تفادي أي فتنة يراد للساحة اللبنانية أن تكون وقودا لها". كما خاطب المسلمين، "تذكروا أنكم في شهر الصوم، شهر المحبة، شهر تجميد الانفعالات والتوترات، شهر التواصل، فاحذروا، واستفيدوا من أجواء هذا الشهر لتعميق وحدتكم التي هي دعوة الله مفتوحة لكم، كي لا تفشلوا وتذهب ريحكم، وكي تكونوا مسلمين".

ودعا "الحكومة إلى أن تتحمل مسؤولياتها الجدية والفاعلة في الملفات المعيشية والخدماتية، وألا تدير ظهرها لأزمة الكهرباء، خشية الانقسام الحكومي، كما ندعوها إلى العمل على الحد من غلاء أسعار المواد الغذائية، وارتفاع أسعار المحروقات، فالناس ملت، هي تريد أفعالا لا أقوالا، وعملا لا وعودا".

السابق
شادي ما اشتغل…بس “عِلِق” بالقروض
التالي
“الغالبون”.. يبكي المقاومين