هل وُعِد “الحزب” بإرجاء صدور القرار الاتهامي؟

"الجدل البيزنطي" حول "المحكمة الخاصة بلبنان" بين فريقي 8 آذار و14 آذار لا يزال مستمراً. فالثاني يتهم الأول بالتنصّل من موافقته عليها التي كان أعلنها صراحة في أولى جلسات الحوار الوطني قبل سنوات، ويتّهمه أيضاً بالعمل على فك ارتباط لبنان بها بعدما تسلّم الحكم منفرداً، في أعقاب ما عده "انقلاباً سياسياً". والأول يقول أن موافقته كانت مبدئية اساساً، وأن استهداف الثاني له واعتزامه استعمال المحكمة لذلك هما اللذان جعلاه يقرّر عدم الاعتراف بها والتعامل معها. طبعاً "الشعوب اللبنانية" يشملها الانقسام المشار اليه أعلاه، لذلك رأيت أنه قد يكون من المفيد العودة الى الوراء لمحاولة معرفة الموقف الفعلي لـ"حزب الله"، وهو العمود الفقري لـ 8 آذار، من المحكمة، اذ ربما يفيد ذلك في تفسير التطورات الجارية حالياً في البلاد. والتفسير قدّمه قريب جداً من "الحزب" قبل فترة غير قصيرة، لكنه رغم ذلك يبقى صالحاً.

ماذا في التفسير؟ فيه أولاً أن "حزب الله" كان منذ البداية ضد المحكمة، وذلك لخوفه من نجاح أميركا والمجتمع الدولي في استغلالها لتنفيذ مخططاتها ضده وضد ولبنان.

وفيه ايضاً أن لا صحة لما يقال من أن الحزب لم يبدأ تحركه ضد المحكمة الا بعدما تأكد، عبر "التسريبات" الاعلامية المعروفة، أنه هو المستهدف، وأنه "طنّش" عنها عندما كانت سوريا بشار الاسد هي "المتهم" الأول بالجريمة التي يفترض بالمحكمة أن تحاكم مرتكبيها. وفيه ثالثاً أن السيد حسن نصرالله، الأمين العام للحزب اقترح، في ظل المخاوف المشار اليها، على آل الحريري محكمة عربية، معتبراً أنه يمكنها معالجة أي استهداف في حال حصوله. ولم يحصل ذلك لأسباب خارجة عن ارادة عائلة الحريري. وفيه رابعاً أن الحزب قبل بالمحكمة من حيث المبدأ، لأنه خاف، بسبب الفورة المذهبية، اندلاع فتنة سنية – شيعية. انطلاقاً من ذلك "أخذ وأعطى" في هذا الموضوع داخل الحكومة وخارجها ثم وافق على انشاء المحكمة في "هيئة الحوار الوطني". وفيه خامساً أن رئيس الحكومة آنذاك فؤاد السنيورة أعطى الحزب ثلاثة ايام لدرس مشروع المحكمة مع الوزير بهيج طبارة قبل اقراره في مجلس الوزراء، ولكن بعد استشهاد جبران تويني في اليوم الأول من هذه المهلة أبلغ السنيورة الى الحزب أنه أدرج المحكمة في جدول اعمال الجلسة. اعترض وزراء الحزب وطالبوا بإرجاء ذلك اياماً قليلة لدرس آلية المحكمة، لكنه رفض. فانسحبوا وحلفاؤهم من الحكومة من دون أن يمنع ذلك اقرار مشروع المحكمة. وفي التفسير سادساً أن الحزب هو الذي أنقذ اجتماع "الدوحة" والتوافق الذي حصل داخله، اذ خرج أمير قطر من الاجتماع غاضباً فلحق به عمرو موسى الامين العام لجامعة الدول العربية آنذاك لإعادته. ولم يكن الخلاف على امر ميثاقي أو مهم وطنياً، وانما كان على حصص انتخابية نجمت عن تقسيم بيروت ثلاث دوائر. اقترح الحزب في الدائرة الثانية حيث "المشكلة"، مرشحاً لـ 8 وآخر لـ14، فسوي الامر. واتفق على ان اللجوء الى التصويت في مجلس الوزراء لا يحصل الا بعد تعذر التفاهم، الذي يجب اعطاؤه الوقت الكافي، وعلى عدم اسقاط الحكومة. وفيه سابعاً إن البحث بين الحزب وسوريا في المحكمة كان جارياً يوم عقد السيد نصرالله مؤتمره الصحافي الاول. قالت لنا إن السعودية ستتحرك وانها تعتبر مسعاها جدياً. رحّب الحزب بذلك ولكنه سأل: ما هي حدود التحرك؟ وما هو موعده وهدفه؟ فأجابوا: الهدف إرجاء صدور القرار الاتهامي. فسأل ايضا: الى متى؟ فكان الجواب: الى أجل غير مسمى. ومذذاك خفّت نبرة خطب "السيد" في مؤتمراته الصحافية حرصاً منه على اعطاء المسعى الرامي المذكور فرصة. وفيه ثامناً أن الحزب اعتبر أن القرار الاتهامي بدأ اصداره عملياً بالتسريبات المعروفة، وان صدوره الرسمي صار تقنياً. ثم تساءل اذا كانت السعودية فشلت أو توقفت. واعتبر ان الوعكة الصحية لمليكها غير خطرة، ولا تمنعه من ارسال ابنه الى دمشق كالعادة لاطلاعها على ما يجري. لكنه لم يفعل. اقنعه ذلك بأن هناك كسباً للوقت فقط. فأبلغ الى المعنيين، بما فيهم سوريا، انه لحظة صدور القرار الاتهامي سيتخلى عن كل مسعى وسيبدأ التدقيق فيه والبحث في وسائل مواجهته.

في اختصار، لم ينتظر الحزب صدور القرار لرفض المحكمة الدولية، بعد اتهامها بجملة امور، بل رفضها يوم قدم المدعي العام دانيال بلمار قراره الاتهامي الى قاضي الاجراءات التمهيدية فرانسين لموافقته عليه قبل اصداره. هل هناك معلومات مناقضة لما ورد أعلاه ضد 14 آذار؟.

السابق
النظام السوري يتلحف بحزب الله!
التالي
نجار: موافقة الحكومة على تمويل المحكمة أمر جيد جداً