لبنان ايضاً.. ودائماً

 اخيراً… ظهر سعد الدين الحريري بعد ان غاب طويلاً، قال اصدقاؤه قبل خصومه، انه يقضي اجازة على شواطئ الجزر المتوسطية وفوق يخته الفاخر حيث يمكن للاجواء الساحرة تلك، ان تنسيه – ولو نسبياً ولفترة – قسوة الصحراء السياسية التي يعيش فيها، بعد ان اطيحت حكومته وانهار بالتالي حلمه (غير الواقعي كما ينبغي التذكير) في مواصلة مسيرة «الحريرية السياسية» التي تلقت ضربة كبيرة باغتيال مؤسسها وراعيها الاول، لم يستطع بعدها الوريث ان يحافظ عليها لأسباب تتعلق بمواهبه وقدراته وخصوصاً في الحلقة المحيطة به التي اوغرت صدره وحقنته بأمراضها الطائفية والمذهبية وارتباطاتها الخارجية، ضد عواصم واحزاب وفصائل رفضت الانضواء تحت عباءاتهم او هي اختارت لنفسها نهجاً لا يلتقي بالضرورة مع استحقاقات «عملية السلام» واعتبار اسرائيل «دولة جارة» يجب الاعتراف بها والتعاطي معها كحقيقة ثابتة يصعب التجاوز عنها او هزيمتها، بعد كل الهزائم التي لحقت بنا على يد الآلة العسكرية الضخمة والحديثة التي تتوفر عليها!!.

فريق 14 آذار الذي يقوده الحريري (يشاركه في ذلك المنظّر والمفتي والمقاوم والمناضل سمير جعجع) هو اكبر المروجين لنظرية متهافتة كهذه، واتخذ لنفسه خندقاً طائفياً ومذهبياً، كانت عدته ومقارباته تتوسل على الدوام تأجيج وتغذية النزعات والعواطف، التي تخاطب الغرائز «الوفيرة» هذه في نفوس الغالبية العظمى من اللبنانيين الفقراء والمعوزين وتجندهم لخدمة مشروعها السياسي، الذي لا ينهض الا على نظرية «حياد» لبنان و»تنظيم» علاقاته مع اسرائيل على اساس اتفاق الهدنة، طالما الظروف الراهنة لا تسمح بتطبيع العلاقات معها او يتعذر انتاج اتفاق جديد من قماشة اتفاق (17 ايار 83)، الذي وقعّه امين الجميّل (رئيس الجمهورية بعد اغتيال شقيقه الاصغر بشير)، حيث يطالب الرئيس السابق «الآن» بتحقيق العدالة في لبنان..

هل قلنا العدالة؟

نعم، فظهور سعدالدين الحريري المتلفز على شاشة (MTV) المتعاطفة ، بل يمكن القول الناطقة باسم سمير جعجع والمروجة للخطاب الانعزالي، بدا وكأنه محاولة للرد على ملفات عديدة ابرزها القرار الاتهامي للمحكمة الخاصة بلبنان، التي اتهمت اربعة من كوادر حزب الله بمقتل رفيق الحريري، كذلك في «التوضيح» للبنانيين عن «كيفية» تشكيل حكومة نجيب ميقاتي، وخصوصاً في إخبار اللبنانيين من «هم» الذين اطاحوا حكومته او في لغة اخرى، طردوه من السرايا الحكومي، قبل ان يحقق «حلمه»، بأن يغدو رقماً صعباً في المعادلة اللبنانية، التي تفوح منها رائحة الطائفية والمذهبية، والاحتراب والخصومات..

فَشِلَ سعدالدين الحريري في اعطاء اجوبة سياسية منطقية وشافية عن تلك الاسئلة بل ظهر مرتبكاً ومشوش الذهن ومنقطعاً عما يحدث على ارض الواقع، رغم انه لم يكن على تلك الدرجة من سوء الاداء وضبابية الرؤية، التي «واظب» عليها منذ ان ظهر في فضاء المشهد اللبناني وريثاً لأب تمكن ان يحجز لنفسه مقعداً في المسرح اللبناني، سواء اتفقت معه ام اختلفت، وسواء رأيت في ما يفعله مشروعاً ودستورياً، أم انه التفاف واستغلال لسلطة تمكن من الاستحواذ عليها بطرق شتى..

ليس ثمة جديد، في ما قاله الحريري، وهو لم يترك صدى في الشارع، او في المشهد السياسي، بل ان محاولات الاساءة لحليفيه السابقين نجيب ميقاتي ومحمد الصفدي، ارتدت عليه سلباً بعد ان اظهر اصراراً على اختزال الطائفة السنية في شخصه (وعائلته)، كأنها ارث لآل الحريري، كذلك سقط الرجل في «دعوة نفسه» لمحاورة السيد حسن نصرالله، عندما «اشترط» وجود شهود، رغم ان زعيم حزب الله رفض باصرار كل محاولات «الحريري» للالتقاء به.

فريق 14 آذار خسر الجولة الاخيرة، ومحاولاته اسقاط حكومة ميقاتي لن يكتب لها النجاح (الا اذا تعب الاخير)، وحكاية ان الاسد ونصرالله، هما اللذان اسقطا حكومته بدت مضحكة اكثر منها مدعاة للتعاطف معه، بعد ان كان قد «ساوم» على اسقاط المحكمة اذا ما مكّنه (الاثنان) من الاستمرار في رئاسة الحكومة.

صيف حار ينتظر لبنان ليس من تهديدات فريق 14 اذار الدينكوشوتية، بل من محاولات خصوم سوريا اختراقها من خاصرتها اللينة المسماة.. لبنان.
 

السابق
آخر نكتة
التالي
العرب بين الاستشراق الغربي والاستعراب الياباني