الحياة: المعارضة: مواقف نصر الله تؤكد قراره شطب المحكمة الدولية من البيان الوزاري

ما مدى صحة ما يتردد من أن جلسة مجلس الوزراء التي أقر فيها البيان الوزاري كادت تشهد بداية أزمة ثقة بين الوزراء المنتمين الى «قوى 8 آذار» وبين الوزراء الأعضاء في «جبهة النضال الوطني» النيابية والآخرين المحسوبين على رئيسي الجمهورية ميشال سليمان والحكومة نجيب ميقاتي بسبب الاختلاف على البند الخاص بالمحكمة الدولية في ضوء إصرار وزراء 8 آذار على الصيغة التي أدرجت في البيان ورفضهم إدخال أي تعديل عليها؟

وفي هذا السياق علمت «الحياة» من مصادر وزارية رفيعة أن اللجنة الوزارية لم تتوصل في اجتماعها الأخير الذي سبق الجلسة التي أقر فيها البيان الوزاري الى تفاهم في شأن الصيغة الخاصة بالمحكمة الدولية وارتأت أن يتم ترحيل الاختلاف الى الجلسة لعل الوقت الفاصل عن موعد انعقادها يسمح بتكثيف الاتصالات في محاولة للتوافق في اللحظة الأخيرة.

لكن الجلسة كما قالت المصادر افتتحت في ظل عدم حسم الاختلاف ومع إصرار وزراء 8 آذار على الصيغة التي وردت في البيان وفيها «إن الحكومة ستتابع مسار المحكمة الخاصة بلبنان التي أنشئت مبدئياً لإحقاق الحق والعدالة بعيداً عن أي تسييس أو انتقام وبما لا ينعكس سلباً على استقرار لبنان ووحدته وسلمه الأهلي»، في مقابل صيغة بديلة اقترحها الوزراء المنتمون الى الفريق الوسطي في الحكومة، تنص على «تأكيد احترام القرارات الدولية ومتابعة مسار المحكمة الدولية في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري والتي أنشئت إحقاقاً للحق بما لا ينعكس على استقرار لبنان ووحدته والسلم الأهلي».

وبطبيعة الحال، بحسب المصادر نفسها، فإن وزراء 8 آذار أصروا على تمسكهم بالصيغة التي وردت في البيان وجرت محاولة للتوافق على شطب كلمة «مبدئياً» وتقرر رفع الجلسة لبعض الوقت لإعطاء فرصة للاتصالات التي أجراها عدد من الوزراء بمرجعياتهم السياسية.

وتردد أن وزراء حركة «أمل» و «حزب الله» عادوا الى الجلسة ولديهم إصرار برفض إدخال أي تعديل وإلا يمكن أن تسير الحكومة من دونهم، وهذا ما نقله عدد من الوزراء عن لسان وزير الصحة العامة علي حسن خليل بعد مشاورات شملت رئيس المجلس النيابي نبيه بري.

لذلك فإن الصيغة الخاصة بالمحكمة الدولية أبقت الباب مفتوحاً أمام الاجتهاد باعتبار أن كلمة «مبدئياً» لا تعني – كما تقول المصادر عينها – الالتزام بلا شروط وبالتالي يمكن إعادة النظر فيها وهذا ما يفسر تحفظ الوزراء المنتمين الى الفريق الوسطي عن الصيغة من دون أن يؤدي موقفهم الى اهتزاز الجلسة من الداخل.

ولفتت مصادر سياسية مواكبة الى أن الصيغة التي اعتمدت في البيان الوزاري يمكن التعاطي معها على أساس التريث ريثما يصدر القرار الاتهامي في جريمة اغتيال الرئيس الحريري وعدم استباق إصدار الأحكام على النيات أو إثارة حفيظة المجتمع الدولي الذي يحكم على الأفعال وليس الأقوال.

وأضافت المصادر: «الحكومة استحوذت فترة سماح من المجتمع الدولي الذي يرفض التسرع في تحديد موقفه ما لم يكن بين يديه مادة سياسية تستدعي منه الموقف المطلوب». وقالت إن فترة السماح لم تطل بسبب الموقف الذي أعلنه الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله من القرار الاتهامي في حق أربعة أشخاص ينتمون الى الحزب، وفيه تأكيد لرفض هذا القرار جملة وتفصيلاً باعتباره أميركياً – إسرائيلياً ومتخذاً سلفاً لاستهداف المقاومة.

بدورها قالت مصادر في «14 آذار» إن السيد نصرالله قال كلاماً واضحاً في خصوص رفضه الفتنة المذهبية لا سيما بين السنّة والشيعة، «لكن كيف يمكن درء هذه الفتنة فيما يحدث موقفه انقساماً عمودياً بين اللبنانيين»… مع أن عدداً من الوزراء المحسوبين على الفريق الوسطي يفضل التريث في الوقت الحاضر ويمتنع عن التعليق على رفض السيد نصرالله للقرار الاتهامي بذريعة أنه لا يود التفرد وينتظر الموقف الذي سيصدر عن الرئيس ميقاتي.

وتابعت المصادر: «إن أحداً في لبنان لا يريد الفتنة بين السنّة والشيعة وإن قطع الطريق على أحداثها، ووأدها في مهدها واجب وطني لكن يبقى السؤال: كيف ستتعاطى الحكومة مجتمعة مع موقف السيد نصرالله؟ وماذا سيكون رد الفعل الدولي قبل ردود قيادات 14 آذار التي اجتمعت مساء أمس في البريستول؟ وهل سيتوزع موقفها بين متريث يبقى في حدود التحفظ وآخر يؤيده على بياض وبلا شروط؟».

ومع أنه من السابق لأوانه الإجابة على كل هذه الأسئلة قبل الوقوف على مضمون المطالعة التي ستتقدم بها الحكومة من اللبنانيين في ضوء تعميق الانقسام بينهم الذي لا يوقفه نيل الحكومة ثقة الغالبية في البرلمان وهي ثقة مضمونة مئة في المئة ولا غبار عليها، وهل سيكون في وسع الرئيس ميقاتي أن يبتدع الموقف الوسطي الذي يراد منه «تدوير الزوايا»؟ وأين سيكون موقعه من كلام السيد نصرالله بدعوته الى عدم تحميل هذه الحكومة والبلد تبعات أمره لو كانت الحكومة حكومتكم – في مخاطبته لقوى 14 آذار – وحكومة متطرفيكم لما أمكنها ذلك؟

كما أن السيد نصرالله أراد بكلامه عن القرار الاتهامي والمحكمة الدولية تأكيد – على حد قول المصادر نفسها – قراره بشطب هذه المحكمة من البيان الوزاري، وأرفق موقفه بسرد مجموعة من «الأدلة» على انحياز المحكمة إن من خلال تركيبتها، أم عبر المواقف الشخصية لعدد من أعضائها من المقاومة.

لذلك يدعو السيد نصرالله من وجهة نظره الى عدم تحميل الحكومة ما يفوق قدرتها على تحمله، فيما تسأل المصادر المواكبة عن قدرة هذه الحكومة على تحمل تبعات وتداعيات رفضه المطلق للقرار الاتهامي.

وعليه فإن الاختلاف على الموقف من المحكمة الدولية وقرارها الاتهامي يضع لبنان أمام مرحلة سياسية جديدة يغلب عليها الانقسام العمودي بين اللبنانيين على رغم أن الجميع مجمعون على رفض الفتنة، وهم ينتظرون الموقف الذي سيطل عليهم به الرئيس ميقاتي وردود الفعل الدولية المرتقبة على «إلغاء» المحكمة الدولية علماً أن الأمين العام لـ «حزب الله» كان أعلن أن ميقاتي لا يستطيع القبول بما رفضه زعيم «تيار المستقبل» الرئيس سعد الحريري في شأن المحكمة الدولية من دون أن يسلط الضوء على «الحسابات الوطنية» التي حالت دون الموافقة عليه رئيساً للحكومة، لأن هناك من يسأل – كما تقول المصادر – عن خلفية استبعاده طالما أنه وافق على التخلي عن ما هو مطلوب من ميقاتي، وهل هذه الحسابات التي تحدث عنها السيد نصرالله تستدعي عدم تسميته طالما أن الحساب الأهم يكمن في كيفية التعاطي مع المحكمة الدولية وقرارها الاتهامي الذي كان متوقعاً وصدر الخميس الماضي، خصوصاً أنه عامل اختلاف بين اللبنانيين؟

ويبقى السؤال عن موقف ميقاتي من كلام السيد نصرالله عشية استعداد البرلمان بدءاً من غد الثلثاء لمناقشة البيان الوزاري الذي على أساسه ستنال الحكومة الثقة، وهل صيغة «المحكمة الدولية» الواردة فيه ما زالت مقبولة؟ وهل يمكنه إيجاد أرضية مشتركة للتوفيق بين هذه الصيغة التي تحمل لمسات 8 آذار مع بعض التعديلات، وبين رفض الحزب للقرار الاتهامي؟ وبالتالي أي تعايش تحت سقف واحد سيحمي هذه الحكومة.

السابق
الحقيقة
التالي
الخروج من دم الحريري