ولادة الحكومة أمام “لغم” السنّي السادس

سألت مصادر مواكبة للمشاورات الجارية لتأليف الحكومة اللبنانية العتيدة عن الأسباب الكامنة وراء تراجع الرهان على دور «لقاء الصدفة» الذي جمع قادة الأكثرية النيابية برعاية رئيس البرلمان نبيه بري على هامش تأجيل الجلسة النيابية الأربعاء الماضي لتعذر تأمين النصاب القانوني لها، في تهيئة المناخ لإزالة العقبات التي ما زالت تؤخر ولادة الحكومة خصوصاً ان «أهل البيت» كانوا سارعوا الى إشاعة جو من التفاؤل باقتراب تأليفها؟

وأكدت المصادر نفسها لـ «الحياة» أن معظم القيادات في الأكثرية أخذت تتعامل مع «لقاء الصدفة» كأنه كان مطلوباً لاختصار شريط المشاورات والدخول فوراً في الاتفاق على الحقائب وأسماء الوزراء بالتالي إعطاء فرصة لمكونات الأكثرية، على مختلف انتماءاتها، لصرف النظر عن الجلسة النيابية التي دعا اليها بري بعد غد الأربعاء كتعويض عن الجلسة السابقة التي افتقدت النصاب القانوني.

تشكيل الحكومة يفقد الحاجة الى الجلسة

وتابعت المصادر عينها ان الإسراع في تشكيل الحكومة من شأنه أن يجنّب البلد مشكلة جديدة هو في غنى عنها وأن يخفف من الانقسام العمودي بين الأكثرية والمعارضة لا سيما أن البعض اعتقد أن «لقاء الصدفة» لم يكن ليحصل بهذه السرعة ما لم يكن مدعوماً بقرار سوري يجيز الخروج من دائرة التأني والتريث في عملية التأليف الى وضع النقاط على الحروف تمهيداً لتظهير التركيبة الوزارية في صيغتها النهائية.

إلا أن الاتصالات التي تسارعت، كما تقول المصادر لـ «الحياة»، سرعان ما افتقدت الحماسة بسبب تبادل الشروط ورغبة البعض في الأكثرية في أن يملي على الرئيس المكلف نجيب ميقاتي ما لديه من رغبات تفتح الباب أمام توزيع «جوائز ترضية» على أطراف سياسيين لا وزن لهم في البرلمان يوازي حجم ما تطالب به.

أين تصرف الحصص الفضفاضة؟

ورأت هذه المصادر أن الحساسية التي أدت الى خفض وتيرة الحماسة لولادة الحكومة والناجمة أولاً وأخيراً عن تنافس غير مسبوق للحصول على تمثيل فضفاض يمكن ان تخفي الرغبة السورية في عدم التدخل المباشر على رغم ان القيادة السورية كانت حضّت على ضرورة تجاوز الاختلافات، وهذا ما سمعه رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في اجتماعه الأخير مع الرئيس بشار الأسد في حضور وزير الأشغال في حكومة تصريف الأعمال غازي العريضي.

ولفتت الى ان الرغبة السورية في الإسراع بتأليف الحكومة قد لا تعني، وفق المصادر المواكبة، ان دمشق أطلقت إشارة واضحة باتجاه تأليفها خلافاً لدعوتها في السابق الى التريث وقالت ان الموقف السوري لم يتبدل خصوصاً في ضوء انشغال القيادة فيها بالتطورات الجارية مع تصاعد الحركات الاحتجاجية.

وسألت المصادر: «هل لدى القيادة السورية قرار باستدراج العروض لتوسيع دائرة الاشتباك السياسي مع المجتمع الدولي في حال اقتصرت الحكومة الجديدة على فريق من لون واحد؟»…

وأوضحت هذه المصادر أن تعدد التفسيرات للموقف السوري من الحكومة أوقع حلفاء دمشق في حيرة من أمرهم، وإلا لماذا كل هذا التناقض داخل الأكثرية في تفسير الموقف السوري على حقيقته وهل ان المشكلات الطارئة بعدما تحولت أخيراً مستعصية يصعب حلها سواء من قبل «أهل البيت» الواحد أم من خلال قيام دمشق بالضغط على حلفائها لتسهيل مهمة ميقاتي.

من استحضر الشروط الجديدة؟

وسألت المصادر المواكبة: «كيف يفسر إصرار رئيس الحزب الديموقراطي طلال ارسلان على ان يتمثل بحقيبة أساسية وإلا بواحدة عادية ووزارة دولة، ومن يصدق عجز الأكثرية عن إقناع من يصر على توزير فيصل عمر كرامي كممثل عن المعارضة السنّية بأن يستبدل به وزير آخر يسميه والده الرئيس عمر كرامي، ومن يأخذ على محمل الجد أن النائب نقولا فتوش يرفض تعيينه وزير دولة ويصر على أن تكون العدلية من نصيبه؟».

ومع أن بعض الأطراف في الأكثرية يردد أن كل هؤلاء موعودون بما يصرون عليه، يطرح السؤال: من وعدهم نيابة عن الرئيس المكلف طالما ان لا علم بذلك له ولا علاقة في إغداق الوعود!

وعلى رغم أن المصادر تؤكد أن ميقاتي لم يتواصل مع فتوش بعد اجتماعه الوحيد معه خلال المشاورات النيابية التي أجراها الرئيس المكلف مع النواب في البرلمان بينما التقى إرسلان في اجتماع يتيم بعد التشاور معه ولم يعدهما بأي شيء، ناهيك بأن ميقاتي التقى فيصل عمر كرامي مرتين ولم يبحث معه في توزيره، إضافة الى أن الأخير لم يفاتحه بأي شيء، فيما يصر الرئيس كرامي على توزيره رافضاً في المقابل أن يسمي بديلاً من ابنه.

وكشفت المصادر في هذا السياق ان ميقاتي بحث في احد لقاءاته مع بري في مسألة اختيار السنّي السادس الذي يمثل المعارضة في الحكومة، وقالت إن لا موقف سلبياً من ميقاتي في اتجاه فيصل كرامي لكنه يجد صعوبة في توزيره لئلا ينزعج حليفه النائب أحمد كرامي، فيما أكدت مصادر أخرى ان أحداً لم يكلف خاطره لمصالحة «الكراميين».

وأضافت ان بري لم يطرح توزير هذا أو ذاك كممثل عن المعارضة السنّية وعزت السبب الى انه يفضل عدم التدخل تاركاً للرئيس ميقاتي «تدوير الزوايا» مشيرة الى أن «حزب الله» يصر على توزير فيصل كرامي وهو ما زال يقاتل من أجل إقناع الرئيس المكلف بصوابية خياره…

واعتبرت ان إصرار «حزب الله» على توزير فيصل يتعلق بأمرين، الأول الرغبة في تصحيح علاقته بالرئيس كرامي على خلفية ما أحدثه من رد فعل للأخير على موقف لأمينه العام السيد حسن نصرالله منه، والثاني التشديد على مكافأة والده على مواقفه وتضحياته التي كانت وراء رسوبه في الانتخابات النيابية الأخيرة.

ورأت ان «حزب الله» يحاول التدخل لدى الرئيس كرامي لإقناعه بترشيح شخص آخر لدخول الوزارة، لكن نتائج هذه المساعي ما زالت «متواضعة» ولم تسفر عما يدفع باتجاه تسهيل مهمة ميقاتي، لا سيما ان تمثيل طرابلس بثلاثة وزراء إضافة الى رئيس الحكومة سيرتدّ سلباً على تمثيل بيروت بوزير واحد بدلاً من اثنين…

المشكلة السنّية

وسألت المصادر: «في ضوء تفاقم المشكلة المترتبة على تأليف الحكومة ولجوء البعض الى تصويرها وكأنها محصورة بالاختلاف في الطائفة السنّية أو بين أطرافها في الأكثرية، هل هناك من «قطبة مخفية» لتقديم المشهد السياسي في «طبعة جديدة» عنوانها الأزمة في طرابلس والحل لن يكون إلا منها وبالتالي سحب الاختلاف بين رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان ورئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون من التداول؟».

ومع أن هذه المصادر لم توجه أصابع الاتهام في ملف الاختلاف السنّي الى أي طرف، فإن هناك من يسأل عمّن اقنع عون بتقديم «التسهيلات» ليوحي للرأي العام بأن المشكلة هي الآن في مكان آخر ولم تعد بين «الجنرالين». ومن قام بتحريض فريق على آخر للضغط على ميقاتي لدفعه الى القبول بشروط الآخرين.

«حزب الله» وعون

لم يسلما لوائح بوزرائهما

وفيما الأنظار متجهة الى الاختلاف السنّي – السنّي، فإن هناك من يعتقد أن ما تردد أخيراً من ان عون سلم من خلال وزير الطاقة جبران باسيل لائحة بأسماء وزرائه ليس في محله وأن ما حصل حتى الساعة ليس تسليماً رسمياً لأسماء الوزراء، وأن ما نشر في وسائل الإعلام هو حصيلة ما يجرى التداول فيه.

وأكدت المصادر أن الاتفاق بين ميقاتي وعون لم ينجز بصورة رسمية على رغم ان أسماء وزراء «تكتل التغيير» باتت معروفة وتضم عن الموارنة: جبران باسيل (الطاقة)، فادي عبود (السياحة)، شكيب قرطباوي (العدل)، وعن الكاثوليك: شربل نحاس (العمل)، نقولا صحناوي (البيئة)، وعن الأرثوذكس غابي ليون (الاتصالات).

وأضافت ان هذه الأسماء كانت نوقشت في المفاوضات ولم يعد من اختلاف بحلها، لكن لا بد من مبادرة عون الى تسليم لائحة بوزرائه الى ميقاتي، وقالت ان لتريثه علاقة بإصراره على التلازم مع حليفه «حزب الله» في تسليم اللوائح…

وفي شأن مواقف بري أكدت المصادر أن لا مشكلة معه، وأنه كان قدم لميقاتي سلة من الأسماء تضم أكثر من مرشح للحقيبة الواحدة تاركاً له حرية الاختيار إضافة الى ان رئيس البرلمان يرى ان لا مبرر لتجميد كل شيء بسبب الاختلاف على وزير أو حقيبة.

أما في شأن موقف الرئيس سليمان، فقالت المصادر نفسها إن لا اختلاف على إسناد الداخلية الى العميد المتقاعد في قوى الأمن الداخلي مروان شربل – ماروني – وإن الرئيس متمسك به باعتباره نقطة تلاقٍ مع عون ولا يريد إن يعود بالمفاوضات الى الوراء.

وتابعت ان سليمان يرفض أن يسمي الوزيرين الآخرين (ماروني وأرثوذكسي) وأنه سيسلمهما الى ميقاتي ليسقطهما على التشكيلة فور الانتهاء من وضع اللمسات الأخيرة عليها. وقالت إن تسمية نائب رئيس الحكومة متروكة للرئيسين ولن يكون هناك خلاف عليه. مشيرة الى ان سليمان تعهد عدم ترشح وزيره الماروني للانتخابات النيابية المقبلة، بغية وضع عون أمام اختبار للنيات للتأكد من رغبته في تسهيل ولادة الحكومة، وكان اشترط ذلك خوفاً من أن يتحول الوزير الى حال سياسية في جبيل أو كسروان يمكن إن تؤثر فيه انتخابياً.

وعليه تبدي جهات مقربة من سورية عدم ارتياحها الى ما يصدر عن بعض حلفائها من مواقف يستبعدون فيها تأليف الحكومة وتصر على أن لا عائق سورياً أمام ولادتها، وهذا ما يطرح السؤال عن قدرة البعض على تأخير ولادتها طالما ان دمشق ومعها الأطراف أصحاب «الفيتو» يودون تسهيل مهمة ميقاتي.

أية خيارات أمام ميقاتي؟

وبما أن المواقف باتت واضحة، لا بد من السؤال عن الخيار الذي يتخذه ميقاتي، وهل يبادر الى وضع الجميع أمام مسؤولياتهم ويتقدم بتشكيلة وزارة وازنة قبل الموعد المحدد بعد غد الأربعاء للجلسة النيابية التشريعية المؤجلة؟

في الإجابة عن السؤال لا بد من الإشارة، كما تقول المصادر، الى ان ميقاتي لن يبقى أسير الابتزاز أو المراوحة التي أخذت تستنزف الجهود التي يقوم بها لتسريع ولادة الحكومة.

وأضافت ان ميقاتي لا يستخدم ورقة حكومة الأمر الواقع لكنه سيسعى الى تظهير تركيبة وزارية بالتعاون مع سليمان على قاعدة عدم الإخلال بالاتفاقات الكبرى المعقودة مع الكتل النيابية الرئيسة مع ملء «الفراغات» الناجمة عن إصرار البعض على شروطه من إرسلان الى فتوش مروراً بتعذر الاتفاق على اسم السنّي السادس وإنما على أساس عدم «حجب» تمثيلها.

وتابعت: «لم يعد هناك مجال لاسترضاء فتوش الذي يتصرف على انه الرقم الصعب في الوزارة الجديدة سوى تثبيته وزير دولة عن الكاثوليك باعتبار الوزيرين الآخرين نحاس وصحناوي هما من حصة عون. إضافة الى انه يحاول تمثيل ارسلان بوزير دولة هو قريبه مروان خير الدين أو النائب فادي الأعور.

وأكدت المصادر عدم وجود صعوبة أمام الرئيس المكلف في اختيار السنّي السادس ممن يسبحون في بحر المعارضة السنّية وهناك من يقترح توزير أحمد طبارة، أو النائب السابق باسم يموت، والاثنان من بيروت على أن يكون وزير دولة لأن لأن النائب علاء الدين ترو (التقدمي) سيشغل حقيبة المهجرين أو الشباب والرياضة.

وتعتقد هذه المصادر أن وزارة وازنة يتمثل فيها «حزب الله» بوزيرين والحزب السوري القومي الاجتماعي بوزير شيعي (صبحي ياغي) إضافة الى احترام ميقاتي تفاهمَه مع بري، ستؤدي الى إحراج من يرفض الاشتراك فيها، طالما ان دمشق مع تسريع تأليفها وبالتالي لن يكون لدى بعض أصحاب الحضور «الرمزي» القدرة على تعطيلها إلا إذا كان الضوء الأخضر السوري في مكان آخر، هذا ما يزنه شخصياً الرئيس المكلف في مقابل السؤال عما إذا كانت العقدة المتمثلة بالسنّي السادس هي بمثابة «لغم» جديد لتبرير التريث؟

السابق
الانباء: الوضع الداخلي اللبناني “مكربج” ومفتوح على كل الاحتمالات
التالي
المفتي يدعو “العقلاء” إلى التغيير