بري يحذر من عواقب الفراغ: لا غطاء عربياً للبنان.. الآن

إذا كانت هناك قوى لبنانية تقارب ما يجري في سوريا على أساس حسابات سياسية قد تصيب وقد تخطئ، فإن هناك قوى أخرى حليفة لدمشق تتابع المشهد المتحرك من زاوية الخيار الاستراتيجي الثابت الذي يجعلها تقف الى جانب نظام الرئيس بشار الأسد في السرّاء والضرّاء، بمعزل عن حسابات الربح والخسارة.

وفي حين تفيد المعلومات المتسربة من دمشق الى بعض مراكز القرار في بيروت أن عمليات تصفية دموية جرت على أساس مذهبي في عدد من المناطق السورية، ولكن لم تتم الإضاءة عليها كلها لتجنب ردود الفعل الحادة التي يمكن ان تثيرها.. تشدد مراجع لبنانية عليا على أهمية احتواء الحريق الناشب في سوريا بسرعة، منبهة الى أن نجاح مشروع تفتيتها سيقلب قواعد اللعبة في المنطقة رأسا على عقب، وسيرتد حربا إقليمية وخيمة العواقب، «إذ إن إيران لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء تغيير معادلة الحكم في دمشق، وهي سترد في الخليج على أي تعرض لحليفتها الاستراتيجية في معسكر الممانعة والمقاومة، وبالتالي فإن سوريا هي الآن خط دفاع عن استقرار المنطقة، ولا يجوز استسهال العبث بتركيبتها وبأمنها».

ولئن كان «حزب الله» أكثر المعنيين على المستوى الاستراتيجي بأن تخرج دمشق سالمة من الاختبار الحالي، إلا ان الحزب قرر مبكرا، بالتنسيق معها، التعامل مع الاحداث التي تشهدها سوريا بتحفظ شديد على المستويين السياسي والاعلامي، بما لا يعكس حقيقة الموقف الضمني للحزب، وذلك منعا لاستغلال انخراطه في الحملة الدفاعية عن سوريا، من أجل التحريض السياسي والمذهبي ضد نظام بشار الأسد، على قاعدة ربطه بإيران والحزب.

ولأن هامش الحركة لدى الرئيس نبيه بري أوسع، فهو يحذر بصوت عال من ان لبنان سيكون مشرّعا امام رياح الفتنة المذهبية، وسيغرق في فوضى كبرى لا أحد يعلم المدى الذي يمكن ان تصل اليه، إذا حققت المؤامرة ضد سوريا أهدافها، مستهجنا انزلاق وسائل إعلام بعض الاطراف الداخلية الى تغذية التوتر القائم في سوريا واللعب على وتر الاحداث الجارية فيها، من دون إدراك العواقب الوخيمة التي يمكن ان تترتب على لبنان في حال خروج الوضع عن السيطرة في سوريا، لافتا الانتباه الى ان استقراره هو في مصلحة اللبنانيين قبل السوريين.

ويلفت بري الانتباه الى ان المسيحيين في سوريا ولبنان هم من المعنيين مباشرة بضمان الاستقرار، مشيرا الى ان بعض رجال الأعمال المسيحيين من السوريين أبلغوه خلال زيارتهم الى بيروت مؤخرا بأنهم قلقون جديا على مستقبلهم، معبرين عن خشيتهم من ان يصبح بلدهم في مهب الريح، إذا نجحت جرثومة التفتيت الطائفي والمذهبي في اختراق نسيجه.

من هنا، يعتبر بري أن لا بديل عن تعزيز المناعة الداخلية وتحصين الصفوف بكل الوسائل المتاحة، مستشهدا بكتاب لأحد رجال الدين السنة اللبنانيين، انكب على قراءته بشغف قبل ايام، ويشتمل على نظرة منفتحة الى أهل البيت، تنطوي على تقدير كبير لهم. ويقول بري إن هذا الكتاب هو أفضل رد على المتعصبين في أوساط السنة والشيعة على حد سواء، وإنه يمكن الاستعاضة به عن الكثير من الكتب الموجودة، داعيا الى تعميم مفاهيمه في مواجهة حالات الانغلاق المذهبي.

ويبدي رئيس المجلس النيابي امتعاضه الشديد من استغراق اللبنانيين في سجال عقيم حول وزارة الداخلية، متجاهلين ما يجري من حولهم، وقافزين فوق حقيقة ان أي حقيبة لن تكون لها قيمة ولن يهنأ بها أحد، إذا ضربت العواصف الاقليمية لبنان، وهو في حالة من انعدام الوزن والتوازن. ويتابع: لا غطاء عربيا فوق لبنان في الوقت الحاضر، لان كل بلد منشغل بهمومه، وليس لديه غطاء ليعطيه الى الآخر، وبالتالي فإن علينا ان نعالج مشكلاتنا بأنفسنا.

وإزاء إنكشاف الساحة اللبنانية، يشدد بري على ان الاولوية هي لتشكيل حكومة تتصدى لتحديات المرحلة، محذرا من ان استمرار أزمة التشكيل يتخذ تلقائيا شكل المؤامرة غير المقصودة، وإن تكن مكونات الاكثرية الجديدة لا تتعمد ذلك بالطبع.
يشكو بري من الفراغ، عارضا لنموذج إثارة الوضع السوري للمناقشة في مجلس الامن، «إذ تدخلت حينها بالتعاون مع رئيس الجمهورية لتصويب مسار الموقف اللبناني هناك، وتأكيد ثباته الى جانب سوريا، رافضا التعرض لها بأي كلمة، وهذا أمر يجب أن يكون من مسؤولية الحكومة بالدرجة الاولى، ثم تكرر المشهد حين ناقش مجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة في جنيف ما أسماه «الانتهاكات السورية لحقوق الانسان»، فقد تابعت الموضوع مع وزير الخارجية علي الشامي وطلبت منه إبلاغ مندوبة لبنان في المجلس السفيرة نجلاء عساكر بوجوب اتخاذ الموقف المناسب في مواجهة الحملة التي تستهدف دمشق، وبالفعل كان دورها جيدا».

وفي سياق متصل، يرى رئيس المجلس ان تهويل وزارة المال بإمكانية انتفاء القدرة قريبا على تأمين الرواتب للموظفين، يندرج في إطار التهويل النفسي والضغط المعنوي على الاكثرية الجديدة، في محاولة لإيهام الرأي العام بأن الوضع المالي يتجه نحو الانهيار منذ ان حصل التحول في هوية الاكثرية وانتقالها من قوى 14 آذار الى الائتلاف الحالي، وكأن البلاد كانت بألف خير من قبل. ويشير الى ان على وزارة المال الإنفاق استنادا الى الباب الاول من الدستور، على اساس القاعدة الاثني عشرية، وبالتالي لا مبرر لكل هذه الحرب النفسية.

السابق
مكلفة، ولكن…
التالي
“الحزب” بدأ يعدّ عكسياً لميقاتي