أي قائد هو باراك أوباما؟

 لا يزال أوباما الذي أعلن ترشّحه لولاية ثانية، ملتزماً على ثلاث جبهات عسكرية. فأيّ قائد حرب هو؟ بعد تقصٍّ دام عامَين، صدر كتاب الصحافي الاميركي المعروف بوب وودوارد بعنوان "حروب أوباما". وقد أجرت "النوفيل أوبسرفاتور" مقابلة معه تركزت حول قدرات اوباما القيادية واسلوبه في ادارة "حروب" اميركا. في ما يأتي مقتطفات منها:
 
■ لقد عرفت كل الرؤساء الأميركيين منذ ريتشارد نيكسون. فأيّ "رئيس حرب" هو باراك أوباما؟
– إنه رجل الحلّ الوسط. في أفغانستان كما في باكستان حيث يشنّ حرباً سرّية ضد الإرهاب، يحاول جاهداً رسم سياسته الخاصة، سياسة تسمح له بأن يُظهر حزمه وتصميمه. عندما قال له الجنرالات عام 2009 إنهم بحاجة إلى 40000 عنصر إضافي في أفغانستان، وإن جو بايدن، نائبه يفضّل إرسال 20000، اختار هو إرسال 30000. في المقابل، حصل على وعد من قيادة الأركان بأنها لن تطلب منه إرسال مزيد من الجنود. ولعل هذا الاختيار المنهجي للطريق الوسطي أكثر وضوحاً في ليبيا، حيث قرّر التدخّل وعدم السماح بحدوث كارثة إنسانية كبرى. لكنه اتّخذ في الوقت نفسه خيار التدخّل المحدود من دون إرسال قوّات برّية. واتّخذ أوباما أيضاً قراراً بعدم اللجوء إلى الجيش لإطاحة القذافي، لكن هذا لا يمنع الاستعانة بوكالة الاستخبارات المركزية (سي آي أيه) وممارسة ضغوط اقتصادية للتخلّص منه. إنه يتموضع تماماً في الوسط. في واشنطن، يصرّ الجمهوريون أسنانهم، ولا يكفون عن التساؤل كيف يجب أن يتصرّفوا ليكونوا أكثر يمينية منه، مع الظهور بأنهم أشدّ حزماً. هكذا يتسلّح أوباما ضد الانتقادات: لقد وجد اللقاح السياسي المثالي، مع الإصرار على أنه يعطي الأفضلية لأمن الولايات المتحدة وأنه يضاهي الجمهوريين في أدائه في هذا المجال: لم تعد هناك هجمات إرهابية، ولا تنطوي سياسته على أي تنازلات في مسائل الأمن إنما من دون الجانب المتطرّف الذي كان موجوداً لدى بوش. 
■ يقال عن أوباما إنه مفكّر ويصغي كثيراً إلى الآخرين. فهل هذا صحيح؟
– أجل، إلى حد ما. يسعى دائماً إلى الإصغاء إلى آراء متعارضة، ويحاول جاهداً التزوّد بحدّ أقصى من الحلول، وفي ما يتعلّق بأفغانستان، يطرح بوضوح أسئلة جيّدة جداً على المحيطين به، حتى ولو لم يكن يحصل دائماً على أجوبة جيّدة. لكنني لا أعتبره مفكّراً بكل معنى الكلمة. كانت لكلينتون تركيبة ذهنية قريبة جداً من طريقة المفكّرين: كان يرى الأوجه المختلفة للمشكلة. أما أوباما فهو رجل قانون ومحامٍ قبل كل شيء: يزن الإيجابيات والسلبيات، ويسعى إلى إيجاد التوازن الأمثل الذي يأخذ في الاعتبار مختلف المصالح الموضوعة على المحك. 
■ تصف في كتابك بدقّة شديدة تعقيدات آلة الأمن القومي وثقل وطأتها وبطأها. هل يسيطر باراك أوباما على النقاش الاستراتيجي وهل ربح الحرب الداخلية التي تضع البيت الأبيض في مواجهة البنتاغون؟
– لم تنتهِ هذه الحرب، ولم يربحها بعد. وقد ازدادت حدّة في الفترة الأخيرة؛ سوف نرى ماذا سيحصل بعد ثلاثة أشهر عندما يبدأ بسحب القوات الأميركية من أفغانستان، وما هو عدد الجنود الذين سيعيدهم إلى ديارهم. هذه المسألة هي موضوع سجال الآن: أعتقد أنه سيسحب عدداً كبيراً من الجنود إنما ليس إلى درجة تؤدّي إلى إحداث تغيير جذري في المعطيات. وأعني بذلك سحب 3000 إلى 8000 رجل، وربما أكثر بقليل بحسب الطريقة التي ستُقدَّم بها المسألة.
■ عام 2009، قرّر أن يكون تموز 2011 الموعد النهائي للمباشرة بسحب القوات الأميركية من أفغانستان…
– وهذا حل وسط رائع آخر. هكذا يتصرّف القاضي: هذا بمثابة إعادة القضية إلى السلطات القضائية الدنيا لإضافة موادّ جديدة إلى الملف قبل إخضاعه لتدقيق جديد. إنه يتمتّع بهذه الموهبة. المحامي أوباما هو الذي يعمل هنا.
■ هل تعتقد أنه سينجح في تنظيم انسحاب أميركي من أفغانستان بحسب الروزنامة المحدّدة؟
– الوضع مشابه لما يجري في العراق. يُفترَض بنا أن نكون قد غادرنا العراق ولم نعد نحتفظ بوحدات قتالية هناك. ومع ذلك، نحتفظ بواحد من ألويتنا الأكثر شراسة الذي لا يشارك رسمياً في العمليات العسكرية الجارية. أعتقد أننا نتّجه نحو نموذج على الطريقة الكورية: بعد ستين عاماً من انتهاء الأعمال الحربية، لا نزال نحتفظ بـ29000 عنصر في كوريا الجنوبية. ولا أحد يتذمّر. يمكننا أن نسمح لأنفسنا بإبقاء 10000 إلى 12000 عنصر في أفغانستان، وعدداً مماثلاً في العراق، من أجل إرساء الاستقرار في البلدَين، ونعتبر ذلك انتصاراً.
■ في أوروبا، نميل دائماً إلى إضفاء الصفات المثالية على باراك أوباما ونرغب دائماً في أن نرى أنه شخص أمين ولا عيب فيه…
– ليس لديه عدم أمانة أو انتهازية أو ازدواجية. إنه يحسب الأمور بكل بساطة، وهذه ميزة لا غنى عنها في السياسة. لقد حاولت في كتابي أن أتمعّن بدقّة شديدة في سلوكه وأسلوبه في اتّخاذ القرارات. إذا أخذنا تصريحاته العلنية عن أفغانستان، نستنتج أن بعضها كان ليصدر عن بوش. لكن نظرة سريعة إلى ما يحدث خلف الكواليس تُظهِر لنا أن أوباما يتعرّض لضغوط العسكريين ويعاني كثيراً في التعامل معهم. على النقيض من بوش، ليست هناك مسيحانية لدى أوباما: فهو لا ينتظر من الله أن يكلّمه ويُرشده إلى السبيل الذي عليه سلوكه. في إحدى المقابلات، قال لي بوش إنه مقتنع بأنه من واجبنا تحرير الشعوب. فأجبته أن كثراً قد يعتبرون أن هذا النوع من التوكيد ينطوي على أبوية خطيرة. فمن نحن وكيف لنا نحن الأميركيين أن ندّعي بأننا نحقّق للآخرين سعادتهم؟ فردّ بوش بأنها مهمّتنا وليست هناك أي شكوك في هذا الإطار.
أعلن أوباما في كلمته عن ليبيا أنه إذا وقعت مجزرة في بنغازي، فستكون “عاراً على ضمير الإنسانية”. ليس على ضمير الأميركيين بل ضمير البشرية بكاملها. لا نتخيّل ساركوزي يعلن أنه إذا لم نتدخّل في ليبيا، فسيتلطّخ ضمير الإنسانية بالعار إلى الأبد: وحده رئيس الولايات المتحدة يتكلّم بهذه الطريقة عن الضمير العالمي. لكن بعد قول مثل هذا الكلام عن ليبيا، يجب في مرحلة معيّنة الإجابة عن السؤال الآتي: لماذا هنا وليس في أماكن أخرى؟ لماذا لا نتدخّل في سوريا؟ أو في البحرين أو في اليمن؟
■ الأكثر إثارة للاستغراب في كتابك، بالنسبة إلى قارئ فرنسي، هو أن باراك أوباما ومحيطه وجنرالاته لا يتحدثون أبداً عما يجري في العراق. وكأن الحرب انتهت واختفت المشكلات بأعجوبة…
– هذا مثير للدهشة حقاً. كان الجنرال بترايوس يقول إن الولايات المتحدة تحرز تقدماً في العراق وأفغانستان، لكنه يستدرك أن الوضع في البلدَين “هشّ وغير ثابت”. يمكننا تطبيق المقولة نفسها على مسائل كثيرة من الاقتصاد الأميركي إلى السوق العقارية مروراً بالبيئة والتغييرات المناخية والأوضاع المالية. كل شيء هش وغير ثابت.
■ هل لا يزال هاجس “القاعدة” يسكن إدارة أوباما كما في السابق؟
– أجل، لأنه إذا نجحت “القاعدة” في تنفيذ هجوم واحد على الأراضي الأميركية، فسوف يظهر ديك تشيني من جديد لينادي في كل مكان بأنه كان محقاً. لن يلجأ أوباما إلى التعذيب، لن يستخدم الوسائل نفسها التي استعملها بوش، لكنه يواجه قنبلة موقوتة حقيقية ويعرف ذلك.
■ لا يزال شبح ديك تشيني يهيم في الكواليس؟
– أجل، لا يزال حاضراً جداً في النقاش حول الأمن القومي، وفي المشهد السياسي في شكل عام. ربما بقي مجرد شبح لكننا سنشعر بتأثيره إذا وصل الناس إلى مرحلة يقولون فيها إن أوباما لم يعرف كيف يحمي البلاد أو لم يتحلَّ بما يكفي من العزم. الحزم والقيادة مسألتان أساسيتان في زمن الحرب، لا سيما عندما يتعيّن على الناس أن يصوّتوا ويختاروا رئيساً. يواجه أوباما المشكلة نفسها التي اصطدم بها كل الرؤساء الأميركيين: هناك تركيز شديد للسلطات في يده إلى درجة أنه مضطر إلى تحمّل مسؤوليات شخصية هائلة. خلال الزلزال والتسونامي في اليابان، هل سئل نيكولا ساركوزي ماذا ينوي أن يفعل؟ في الولايات المتحدة، عندما يحصل شيء ما، يحطّ رأساً على مكتب باراك أوباما. ماذا ينوي أن يفعل؟ ما هي الحلول التي سيقدّمها؟ ما هو وضع مفاعلاتنا النووية؟
■ خلال الاجتماعات التي تتقرّر فيها الاستراتيجيا الأميركية في أفغانستان، لا يتحدث أوباما وفريقه أبداً عن حلفائهم. هل هي حرب محض أميركية؟
– لاحظتم ذلك؟ (يضحك) حتى لو شرح أوباما لجنرالاته أنه يجب عدم إثارة حفيظة حلفاء الولايات المتحدة، يجب رؤية الأمور على ما هي عليه: إنها حرب أميركية وليست حرباً يقودها الحلفاء. نحن أميركيون-وسطيون. وهذا مؤسف، ويُضرّ بمصالحنا ألا نأخذ حلفاءنا أكثر في الاعتبار وأن نقرّر مكانهم.
■ بين كل النزاعات التي ينخرط فيها أوباما، أي نزاع يشكّل هاجساً كبيراً له إلى درجة أنه يحرمه النوم؟
– مهمة الرئيس ثقيلة الوطأة جداً. فهو يُدفَع أكثر فأكثر نحو إدارة كل شيء: إنه يملك سلطة هائلة. أعتقد أن أوباما يأخذ مسافة كافية ليدرك أنه لا يستطيع أن يسمح لنفسه بأن يصبح مسكوناً بهاجس هذه المسألة أو تلك. لكن ينبغي عليه إدارة مشكلات كثيرة وفي رأيي السؤال الأول الذي يجب أن يطرحه على نفسه كل صباح عندما يستيقظ هو “ما الذي يخطّط له الأوغاد أيضاً وأيضاً؟” فالجمهوريون كما الديموقراطيون يزيدون بلا جدوى من تعقيدات ممارسته للسلطة. لكنني أعتقد أنه منهمك في شكل أساسي بإعادة انتخابه لولاية ثانية سنة 2012. لا تنسوا، باراك أوباما هو قبل كل شيء سياسي بكل معنى الكلمة.
 
(ترجمة نسرين ناضر) 
 
 
 
 

 

السابق
اوباما يدعو ملك البحرين الى احترام الحقوق العالمية للشعب
التالي
دعوة لتدخل اسرائيل المباشر في سوريا