لبنانيو ساحل العاج ضحايا الانتظار

رغم الظروف الصعبة التي قاساها لبنانيو ساحل العاج في الأسابيع الأخيرة، وتهافتهم على مطار أبيدجان للنزوح إلى لبنان، بعدما سُرقت منازلهم ومحالهم، ومطاردة اللصوص لهم أحياناً حتى طريق المطار، يبقى قرار العودة ــ هرباً من الفلتان الأمني ــ خياراً صعباً يتردد كثيرون في اتخاذه، لأسباب اقتصادية واجتماعية متنوعة، ويكون أهون الشرور إرسال العائلة وترقب المجهول.
ودع منير أبو عيد عائلته المتوجهة من أبيدجان إلى بيروت على أمل اللحاق بها قريباً، كان المتوقع أن تقلهم طائرة واحدة، ابن السابعة والثلاثين تأخر عن طائرة العائلة بضع ساعات، بداعي الموت هذه المرة، ليصبح أول ضحية لبنانية في ساحل العاج منذ اندلاع الأزمة.
لم تنل منه رصاصة طائشة، بل توقف قلبه فجأة في مطار أبيدجان وهو يسعى إلى الحصول على حجز لعائلته على المقاعد المحدودة التي ما زال الصراع عليها محتدماً بين المغتربين المحاصرين في ساحل العاج، الذين تستمر معاناتهم مع تأمين الطائرات اللبنانية، رغم أن "اللجنة المكلفة إغاثة اللبنانيين في ساحل العاج أنهت مهماتها"، بحسب الوكالة الوطنية للإعلام، بعدما "عملت طوال الأيام الماضية على تنظيم مغادرة اللبنانيين الراغبين في ذلك".
وأعلن عضو اللجنة فادي فواز "أن اللجنة تمكنت من تنظيم سفر جميع اللبنانيين في مطار أبيدجان وفي أكرا التي لجأوا إليها، ووفرت مستلزمات انتقالهم إلى أكرا أو إلى بيروت مباشرة"، لافتاً إلى أن بعثة الجيش بقيادة المقدم فوزي شمعون ستبقى حتى يوم السبت في مطار أبيدجان للاهتمام باللبنانيين الذين يرغبون في العودة إلى بيروت وضمان انتقالهم من دون أي ضغوط أو تدخلات، فيما اشتكى عدد من اللبنانيين من أن الأمر ما زال خاضعاً للمحسوبيات والواسطات.
وأثارت وفاة المغترب أبو عيد الذي سيصل جثمانه اليوم ويشيّع في بلدته عين بعال الجنوبية، غضب أفراد الجالية اللبنانية الذين وصفه بعضهم عبر موقع الفايسبوك بـ«شهيد الاغتراب والإهمال.
في المقابل، ما زال كثير من اللبنانيين مترددين في اتخاذ قرار العودة؛ لأنها قد تكون أصعب حالاً من البقاء في أبيدجان والتعرّض لمخاطر السلب وربما القتل، لقد ذقنا الأمرّين في بلدنا قبل الهجرة إلى هناك، ونحن اليوم نعاني من العودة بعد سنوات أمضيناها بعيدين عن الوطن، فمعظمنا لا يملكون المال والثروة، ولا نريد العودة لينظر إلينا بشفقة أو نعيش على حساب غيرنا، يختصر كلام محمد ترحيني، من المجادل الجنوبية، موقف كثيرين، وهو العائد لتوّه من أبيدجان بعد أكثر من 7 سنوات أمضاها هناك.
واوضح أن الهوية اللبنانية باتت مصدر قلق لأصحابها في أبيدجان. لقد أخطأ أصحاب المصالح التصرّف، وأخطأ ممثلو الدولة هناك. لقد لمسنا امتعاض أنصار واتارا منّا، وربما استغلّوا الشبهة السياسية التي صبغنا بها بسبب تصرفات الأغنياء وكبار القوم منّا، لذلك أصبحنا عرضة للاعتداءات المتكرّرة، وأصبحت سرقتنا أكثر حلالاً مما مضى، رغم أن العلاقة مع غباغبو كانت حكراً على كبار ألأغنياء فقط، يؤيد كلامه آخرون، اغترابهم على قدّ الحال.
وقال سعيد جواد، من شقرا الجنوبية، إن الأغنياء قد لا يتأثرون كثيراً بما يحصل، لأنهم يستطيعون دائماً تدبّر أمورهم. أما متوسطو الحال، وهم أغلبية اللبنانيين هناك، فهم من تعرّض للنهب وفقدان العمل، حتى إن الكثيرين من هؤلاء هم الذين لا يستطيعون المجيء إلى لبنان بسبب عدم توافر المال؛ فالكثيرون يعيشون على رواتب لا تزيد على ألف دولار شهرياً. أما بطاقة السفر فقد تزيد على ذلك، وما زالت السياسة العاجية طبقاً يومياً لهؤلاء العائدين، نظراً إلى تداعياتها المباشرة عليهم، مشيراً جواد إلى أن حضور السفير اللبناني حفل تنصيب غباغبو استغله أنصار واتارا جيداً، وقد لمسنا ذلك، لكن السرقات التي يتعرّض لها اللبنانيون كانت ستحصل في جميع الأحوال، لا للانتقام من اللبنانيين، وتخوّف من عدم القدرة على العودة إلى أعمالنا قريباً؛ فالبقاء هنا بدون عمل أمر أصعب بكثير من البقاء هناك رغم المخاطر.

في المقابل، ترقب كثيرون أيضاً أي فرصة للعودة من جديد، فنحن نعاني هنا أوضاعاً نفسية صعبة، وقال سامر خنافر. فعلى الرغم من أن الأعمال متوقفة حالياً في أبيدجان بسبب الفلتان الأمني، إلا أن هناك أملاً بالعودة إليها، بعكس هنا تماماً، حيث تنعدم الفرص نهائياً، مشيراً إلى أن بعض اللبنانيين فتحوا محالهم مرغمين حتى لا تنهب، ويتكلون طبعاً على استرضاء العصابات والمسلحين بقليل من المال أو البضائع، لأن إقفال المحال يعني تركها لهم عندما تفرغ جيوبهم.
وتحدث علي غملوش عن خطورة انتقال اللبنانيين البعيدين عن العاصمة إلى المطار؛ فالعصابات وقطّاع الطرق ينتشرون في كل مكان، ويقيمون الحواجز الطيارة، فيسلبون وينهبون، مؤكداً أنه اضطر ورفاقه إلى استئجار طائرة خاصة بآلاف الدولارات للوصول إلى غانا، ثم إلى لبنان، ويعدد بسام عاشور حوادث كثيرة تعرّض لها اللبنانيون في الأحداث الأخيرة، منها اختطاف عناصر إحدى العصابات أحد كبار السن، مطالبين بفدية مالية. وعمدوا إلى تجريده من ملابسه، وصبوا على جسده مادة البنزين، مهدّدين بإحراقه. فتدخّل أحد النافذين وأطلق سراحه، كذلك تعرّضت سيارات عائدة إلى لبنانيين للتكسير أحياناً، وللسرقة في معظم الأحيان.
ومن المعروف أن العصابات تتناوب على السرقة حتى للمنزل الواحد، وروى عاشور أن أحد اللبنانيين لم يبق معه سوى بنطال جينز أعطاه للسارقين كي لا يقتلوه، لذلك بتنا نستأجر بعض هذه العصابات لتحمينا، رغم علمنا بإمكان تمرّدهم علينا من جديد عندما تسنح لهم الفرصة.
ويشير إلى عدم مراعاة بعض أصحاب المصانع والمحال الكبرى من اللبنانيين، لعمالهم اللبنانيين أيضاً، فعمدوا إلى طرد هؤلاء أو خفض أجورهم بسبب الأوضاع الخانقة، بدل أن يساعدوهم على تدبّر معيشتهم. ورغم كل ما مر به عاشور وآلاف الموظفين أمثاله، إلا أنه يتوقع عودة اللبنانيين إلى عملهم بعد انتهاء الأزمة؛ فلا بديل للبنانيين هناك.

كذلك يعمل مئات الآلاف من سكان ساحل العاج في شركات ومصانع لبنانية، مع اعتراف هؤلاء المغتربين الذين تحدّثوا بأن فكرة العودة ــ على الرغم من أنها ملحة بالنسبة إليهم ــ تحول دون تحققها في المدى المنظور الخسائر الفادحة التي لحقت بالمصالح اللبنانية في بلاد الكاكاو.

السابق
استنفار على جانبي الحدود
التالي
افتتاح الاسبوع الثقافي في عين ابل