عن شيعة فيلتمان

 اخترعت صحيفة "الأخبار" اللبنانيّة تعبيري "شيعة فيلتمان" و"شيعة السفارة" تدليلاً على وجود شيعة لا يحبّون حزب الله ولا يعتبرون الولايات المتّحدة عدوّاً مصيريّاً. 

وبكثير من الالتواء والانتقاء والمَنْتجة قدّمت الصحيفة المذكورة هؤلاء، وهم كتّاب وصحافيّون ونشطاء ورجال دين وسياسيّون، كموضوع للوشاية في بلد يُعدّ فيه حزب الله الطرف العسكريّ والأمنيّ الأقوى بلا منازع.

أوّل ما يستوقف في هذا التقديم (دع المسألة الأخلاقيّة جانباً) تلك البراءة الضمنيّة المدهشة لأرباب الجريدة: معقول! هناك من لا يحبّ حزب الله ومن لا يعتبر الولايات المتّحدة عدوّاً؟ هؤلاء لا ينبغي أن يعيشوا بيننا.

لا بأس بالقول إنّ أكثريّة لبنانيّة ساحقة لا تحبّ حزب الله ولا تعتبر الولايات المتّحدة عدوّاً. وفي هذه الأكثريّة من لا يحبّذون سياسات أميركيّة بعينها، إلاّ أنّهم يتّفقون مع سواهم على أنّ لبنان من دون علاقات جيّدة مع الولايات المتّحدة وباقي الغرب لا يكون: يصحّ هذا على مروحة عريضة من القضايا التي تبدأ بالاقتصاد ولا تنتهي بالتعليم والصحّة. وهؤلاء يحسّون أنّهم، بالقناعة التي يحملونها، وطنيّون جدّاً، يفكّرون انطلاقاً من تصوّرهم لمصلحة وطنهم لبنان.

الذين يقولون العكس إنّما يحاولون، فقط بقوّة السلاح الذي يملكونه، فرض تصوّر أقلّيّ لم يخضع لمساءلة ولا لاستفتاء من أيّ نوع. وهم يستخدمون أدبيّات الوشاية والابتزاز في ملاحقة من تجرّأ على إظهار اختلافه عن الرواية الأقليّة المفروضة بالقوّة. أمّا حين يتذرّعون بالقوانين اللبنانيّة ويغضّون النظر عن احتكار الدولة وحدها لأدوات العنف، فلا يفعلون غير تزويدنا بمادّة مزغولة وكاذبة عن مفهوم السيادة الوطنيّة وممارسته.

لكنّ هناك ما هو أسوأ من ذلك: إنّه الاقتصار على الشيعة من اللبنانيّين. فإذا جاز للمسيحيّ والسنّيّ والدرزيّ ألاّ يحبّوا حزب الله وألاّ يعتبروا الولايات المتّحدة عدوّاً، فهذا ما لا يجوز للشيعيّ. لماذا؟ لأنّ حزب الله حزب الشيعة، وعلى الشيعة بالتالي أن ينضووا جميعاً تحت خيمته، لا سيّما في هذا الظرف الدقيق الذي أوجدته الثورة السوريّة والذي يهدّد بحصار الحزب وعزلته.

بلغة أخرى، وتحت يافطات الوطنيّة والتقدّميّة ومصارعة الامبرياليّة وسوى ذلك من مصطلحات، يُصار إلى رصّ الطائفة وتوحيدها في مواجهة باقي الطوائف. 

هذه رسالة سيّئة موجّهة إلى الشيعة خصوصاً، وهي في عمقها دعوة طائفيّة وانفصاليّة تريد أن تجزّىء لبنان أكثر كثيراً ممّا تريد أن تحرّر فلسطين!

هل نحن بحاجة إلى التذكير بأنّه منذ 1975، حين سطعت أكذوبة "تحرير فلسطين"، غدا لبنان منقسماً على نحو غير مسبوق، وغدا توحيده مهمّة تكاد تكون مستحيلة؟.

اللعبة المُعادة قذرة وبائخة جدّاً، من دون أن يخفّف ذلك من خطورتها في مرحلة صعبة تعلو فيها الخيارات الانتحاريّة. إنّنا ننصحهم أن ينتحروا بضجيج أقلّ.

 

السابق
لا تأكلوها ليلا !!
التالي
أمسية موسيقية للنجدة الشعبية