حزب الله يراجع سلاحه..و«الاغتيالات الجويّة» تصل إلى عتبة بيروت

اغتيال خلدة

في توقيت دقيق وحساس، وسط شبكة معقّدة من الضغوط السياسية والأمنية والإقليمية، ذكرت وكالة رويترز ان «حزب الله» بدأ مراجعة استراتيجية داخلية عميقة، تشمل النظر في تقليص دوره كحركة مسلّحة، من دون الذهاب إلى نزع سلاحه الكامل، وهو ما يمثّل أول إشارات التفاعل الجدي مع المتغيّرات الكبيرة التي فرضتها الحرب الأخيرة مع إسرائيل، وما تلاها من ضغوط مالية وسياسية غير مسبوقة، أبرزها ما جاء في ورقة المبعوث الأميركي توماس برّاك، والتي تُعدّ أخطر محاولة أميركية – دولية حتى اليوم لتقييد نفوذ الحزب العسكري والسياسي في لبنان،

السلاح يتحول إلى عبء

حسب “رويترز”، فإن الحزب بات مدركًا أن ترسانته الضخمة – التي طالما اعتُبرت عامل ردع في وجه إسرائيل – تحوّلت اليوم إلى عبء داخلي وخارجي. وكشفت الوكالة، نقلاً عن ثلاثة مصادر مطلعة، أن لجانًا حزبية تعقد اجتماعات سرية لبحث الخيارات المتاحة، بما في ذلك احتمال تسليم بعض الأسلحة الثقيلة – كالطائرات المسيّرة والصواريخ – شرط وقف الغارات الإسرائيلية وانسحاب قوات الاحتلال من الجنوب. غير أن هذا “الانفتاح التكتيكي” لا يعني القبول بنزع شامل للسلاح، بل التمسّك بوجود عسكري محدود، تحت عنوان “مقاومة أي عدوان”.

تزامنًا، نقلت “الجمهورية” عن مصادر في “الثنائي الشيعي” أن لا خلاف بين حزب الله وحركة أمل حول الورقة الأميركية، وأن النقاش لا يزال جاريًا، مشددة على أن لا أحد يسلّم بورقة على قاعدة “خذها أو اتركها”. وتضيف: “الورقة لا تمر كما هي، ومن غير المقبول فرض إيقاع يُنذر بتفجير الوضع الداخلي”. المعضلة الكبرى، بحسب هذه المصادر، تتمحور حول سؤال محوري: ماذا سيُعطى للبنان مقابل السلاح؟ خصوصًا أن الحزب، من وجهة نظرهم، أبدى مرونة واضحة في الخطاب السياسي، متبنياً البيان الوزاري وخطاب القسم الرئاسي للرئيس جوزاف عون.

دلالات حركة “بن فرحان”

فقد بدا واضحاً أن الاندفاعة الديبلوماسية المفاجئة التي تمثلت في وصول الموفد السعودي الأمير يزيد بن فرحان إلى بيروت من دون إعلان مسبق، والذي تلاه اجتماع للجنة سفراء المجموعة الخماسية المعنية بمتابعة الوضع في لبنان، والتي تضم سفراء الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا والمملكة العربية السعودية ومصر وقطر في السفارة الأميركية في عوكر مع غياب السفير السعودي لوجوده في بلاده، إنما عكست تحركاً دولياً بارزاً لمواكبة الاهتزاز الذي يخشى أن ينجم عن تعثر حركة إعداد لبنان لردّه الرسمي على الورقة التي قدمها الموفد الأميركي توم برّاك في زيارته الأولى لبيروت. واتخذ وصول بن فرحان كما اجتماع اللجنة الخماسية دلالات بالغة الأهمية، لجهة ما تردد في الكواليس السياسية اللبنانية من أن هذه الحركة تهدف إلى “إسناد” الاتجاه اللبناني عبر اجتماعات لجنة المستشارين للرؤساء الثلاثة لإنجاز تصوّر جاد وملتزم ومبرمج زمنياً بهدف إتمام بسط سيادة الدولة على كل أراضيها واحتكار السلاح ونزعه من “حزب الله” وكل الفصائل غير اللبنانية أيضاً. وبرز توقيت هذه الحركة قبل أيام قليلة من عودة الموفد الأميركي إلى بيروت الاثنين المقبل، بما عكس وفق المعطيات التي ترددت في الكواليس السياسية تنامي الخشية، وتالياً التحذيرات الدولية من معالم تصعيد “حزب الله” لرفضه تسليم سلاحه الى الدولة اللبنانية بما تعين بازائه إطلاق حركة ديبلوماسية تهدف إلى تنبيه لبنان من مغبة المحاذير التي يرتبها هذا الرفض.

الاغتيالات الجوية وصلت الى خلدة

لم يكن اغتيال قاسم الحسيني، أحد مسؤولي “فيلق القدس” الإيراني أمس، قرب مدخل بيروت الجنوبي مجرد عملية أمنية عابرة، بل يحمل دلالات استراتيجية خطيرة في لحظة إقليمية حرجة. أولًا، يؤشر الموقع الجغرافي للضربة – على مقربة من العاصمة، وفي قلب البيئة الحاضنة لحزب الله – إلى تحوّل نوعي في قواعد الاشتباك، ورسالة واضحة بأن لا منطقة تعتبر “محرّمة” بعد الآن على بنك أهداف إسرائيل.

ثانيًا، توقيت العملية – في ظل هدنة هشة في الجنوب، ومفاوضات غير معلنة حول ملف سلاح حزب الله – يضع علامة استفهام حول نيات إسرائيل، التي تبدو كمن يلوّح بخيارات “القتل الوقائي” لتعطيل أي مسار تفاوضي لا يحقق مصالحها الأمنية.

أما ثالثًا، فإن استهداف شخصية غير لبنانية، لكنها فاعلة ضمن الشبكة الإيرانية في لبنان، يؤكد أن ساحة المواجهة بين طهران وتل أبيب لا تزال مفتوحة، وأن بيروت تُعاد اليوم إلى الخريطة الساخنة في النزاع الإيراني – الإسرائيلي، ولكن بأدوات جديدة أكثر جرأة ووضوحًا.

بكلمات أخرى، عملية قاسم الحسيني ليست فقط “ضربة في العمق”، بل صفارة إنذار بأن التصعيد قد يعود من باب الاغتيالات النوعية، في قلب الضاحية وربما أبعد.

والخلاصة، فان ما يجري حالياً ليس فقط نقاشًا داخليًا في “حزب الله”، بل لحظة تأسيسية لمعادلة جديدة في لبنان والمنطقة. الورقة الأميركية وضعت سلاح الحزب على الطاولة، لكن مصير هذا السلاح، ومستقبل الحزب، سيبقيان مرهونين بتوازنات الداخل، وبما يُنتزع للبنان مقابل أي تنازل. التفاوض مفتوح، أما الحسم… فليس قريبًا.

اقرأ أيضا: صيف لبنان الملتهب: بين إنذار نتنياهو ومبادرة برّاك..النار أقرب من التسوية

السابق
بالفيديو: توغل وإنزال جوي إسرائيلي غير مسبوق في العمق السوري قرب الحدود اللبنانية
التالي
هدنة على الطاولة: اتفاق جديد بوساطة أميركية… «حماس» تدرس المقترح وترامب يتوقع الرد خلال 24 ساعة