«الحزب» يدرس تقليص ترسانته العسكرية.. هل يسلّم بالكامل؟

Hezbollah Weapon

بدأ حزب الله مراجعة استراتيجية كبرى في أعقاب الحرب المدمرة التي خاضها مع إسرائيل، تشمل النظر في تقليص دوره كحركة مسلحة دون التخلي الكامل عن السلاح، وفقًا لثلاثة مصادر مطلعة على هذه المناقشات.

تعكس هذه النقاشات الداخلية، التي لم تُحسم بعد ولم يُكشف عنها سابقًا، حجم الضغوط الهائلة التي يواجهها الحزب منذ التوصل إلى هدنة أواخر تشرين الثاني.

ما القصة؟

قال مسؤول كبير مطلع على المداولات الداخلية لحزب الله لوكالة «رويترز» إن الحزب أجرى مناقشات سرية حول الخطوات المقبلة. وأضاف أن لجانًا صغيرة تعقد اجتماعات شخصية أو عن بُعد لمناقشة قضايا تتعلق بهيكليته القيادية، ودوره السياسي، وأعماله الاجتماعية والتنموية، وملف السلاح.

وأشار المسؤول ومصدران آخران مطلعان إلى أن الحزب توصل إلى نتيجة مفادها أن ترسانته التي جمعها لردع إسرائيل أصبحت عبئًا.

وقال المسؤول: «كان لدى حزب الله فائض قوة. كل تلك القوة تحولت إلى نقطة ضعف».

ومنذ الاتفاق في 27 تشرين الثاني، سلّم حزب الله عددًا من مخازن السلاح في جنوب لبنان إلى الجيش اللبناني، رغم أن إسرائيل تقول إنها لا تزال تضرب منشآت عسكرية مرتبطة بالحزب هناك.

وينظر الحزب الآن في إمكانية تسليم بعض أسلحته الأخرى، وخصوصًا الصواريخ والطائرات المسيّرة التي تعتبرها إسرائيل تهديدًا كبيرًا، مقابل انسحاب إسرائيل من الجنوب ووقف هجماتها، بحسب المصادر.

لكن المصادر أكدت أن الحزب لن يتخلى عن كامل ترسانته، إذ يعتزم الاحتفاظ بأسلحة خفيفة وصواريخ مضادة للدروع باعتبارها أدوات ضرورية لمقاومة أي هجوم مستقبلي.

ولم يرد المكتب الإعلامي لحزب الله على أسئلة “رويترز” حول هذا الموضوع.

ماذا عن إسرائيل؟

أما الجيش الإسرائيلي فقال إنه سيواصل عملياته على الحدود الشمالية وفق التفاهمات مع لبنان، بهدف القضاء على أي تهديد وحماية المواطنين الإسرائيليين. ورفضت وزارة الخارجية الأميركية التعليق على محادثات دبلوماسية خاصة، محيلة الأسئلة إلى الحكومة اللبنانية، التي لم ترد بدورها.

الحفاظ على أي قدر من القدرات العسكرية من جانب حزب الله سيشكل انتكاسة للأهداف الأميركية والإسرائيلية. ووفقًا لاتفاق وقف إطلاق النار الذي رعته الولايات المتحدة وفرنسا، فإن على الجيش اللبناني مصادرة «جميع الأسلحة غير المصرح بها”، بدءًا من جنوب نهر الليطاني – أقرب منطقة إلى الحدود مع إسرائيل.

وتسعى الحكومة اللبنانية أيضًا إلى أن يتخلى الحزب عن باقي ترسانته، في إطار جهودها لفرض احتكار الدولة للسلاح. عدم القيام بذلك قد يثير التوتر مع خصوم الحزب في الداخل، الذين يتهمونه باستخدام قوته العسكرية لفرض إرادته على الدولة، وجر لبنان إلى صراعات متكررة.

جميع الأطراف قالت إنها لا تزال ملتزمة بالهدنة، رغم تبادلها الاتهامات بخرقها.

صور الأمينين العامين لحزب الله السيدين حسن نصرالله وهاشم صفي الدين في الضاحية الجنوبية (رويترز)

السلاح جوهر عقيدة حزب الله

يشكل السلاح جوهر عقيدة حزب الله منذ تأسيسه على يد الحرس الثوري الإيراني لمقاتلة القوات الإسرائيلية التي اجتاحت لبنان عام 1982، خلال ذروة الحرب الأهلية اللبنانية (1975 – 1990). وقد أثارت التوترات حول ترسانته نزاعًا داخليًا قصيرًا في عام 2008.

وتصنف الولايات المتحدة وإسرائيل حزب الله كجماعة إرهابية.

وقال نيكولاس بلانفورد، مؤلف كتاب عن تاريخ حزب الله، إنه من أجل إعادة بناء نفسه، سيتوجب على الحزب تبرير احتفاظه بالسلاح في بيئة سياسية أصبحت أكثر عدائية، مع معالجة اختراقات أمنية أضرت به وضمان استقراره المالي على المدى الطويل. وأضاف: «لقد واجه الحزب تحديات من قبل، لكن ليس بعددها الحالي في وقت واحد».

وقال مسؤول أوروبي مطلع على تقييمات استخباراتية إن هناك تفكيرًا داخليًا مكثفًا داخل الحزب بشأن مستقبله، لكنه لم يسفر بعد عن نتائج واضحة. ووصف وضع الحزب المسلح بأنه جزء من «حمضه النووي»، مضيفًا أن تحوله إلى حزب سياسي صرف سيكون صعبًا.

وأشار نحو اثني عشر مصدرًا مطلعًا على تفكير الحزب إلى أن القيادة تسعى للاحتفاظ بجزء من السلاح، ليس فقط تحسبًا لأي تهديد مستقبلي من إسرائيل، ولكن أيضًا بسبب مخاوف من أن جماعات جهادية سنية في سوريا المجاورة قد تستغل ضعف الأمن لمهاجمة مناطق شرق لبنان ذات الأغلبية الشيعية.

رغم النتائج الكارثية للحرب الأخيرة – حيث أصبح عشرات الآلاف بلا مأوى ودُمّرت مساحات واسعة من الجنوب وضاحية بيروت الجنوبية – لا يزال العديد من أنصار الحزب متمسكين بسلاحه.

وقالت “أم حسين”، التي قُتل ابنها أثناء قتاله في صفوف الحزب: «حزب الله هو العمود الفقري للشيعة، حتى لو كان ضعيفًا الآن. كنا فئة فقيرة وضعيفة. لم يكن أحد يتحدث باسمنا». طلبت التعريف عنها باسمها التقليدي فقط لأن بعض أفراد أسرتها لا يزالون ينتمون للحزب.

وأكدت المصادر أن أولوية الحزب الحالية هي تلبية احتياجات جمهوره الذي تحمل عبء الحرب.

وفي كانون الأول، قال نائب الأمين العام نعيم قاسم إن الحزب دفع أكثر من 50 مليون دولار للعائلات المتضررة، ولا يزال يعتزم توزيع أكثر من 25 مليونًا أخرى. لكن هناك مؤشرات على أن موارده المالية تنفد.

وقال أحد سكان بيروت إنه دفع ثمن إصلاح شقته في ضاحية بيروت الجنوبية بعد تضررها من القصف، ليُفاجأ بأن المبنى بأكمله دُمر لاحقًا في غارة جوية إسرائيلية في حزيران. وأضاف: «الجميع مشردون ولا مأوى لنا. لم يعد أحد يعدنا بشيء».

وأوضح أنه تلقى شيكات من حزب الله، لكن مؤسسة «القرض الحسن» أبلغته بعدم وجود أموال لصرفها. ولم تتمكن “رويترز” من الوصول للمؤسسة للتعليق.

كما ظهرت مؤشرات أخرى على الضائقة المالية، منها تقليص الأدوية المجانية التي كانت تُوزع عبر صيدليات الحزب، حسب ثلاثة أشخاص مطلعين على تلك العمليات.

السابق
سوريا تطلق هويتها البصرية الجديدة: «العقاب الذهبي» يحلّق فوق وحدة الوطن
التالي
حريق هائل يلتهم مستودعًا في تعنايل… والدفاع المدني يمنع الكارثة!