باتريك ريشا: نرفض مقايضة الحقوق المدنية للفلسطينيين بسلاح المخيمات..

باتريك ريشا
في ظل انسداد أفق العودة وتصاعد القلق من التوطين، تعود قضية اللاجئين الفلسطينيين في لبنان إلى واجهة النقاش الوطني. بين سلاح المخيمات وحق العودة، وبين الهواجس الطائفية والحسابات الإقليمية، تتشابك الأسئلة المصيرية. فهل انتهى زمن العودة؟ وهل بات التوطين أمرًا واقعًا؟ الزميل فراس حميّة يطرح أسئلة من وحي هذه الهواجس على الدكتور سعود المولى والنائب وضاح الصادق والصحافي محمد بركات وباتريك ريشا رئيس مصلحة الطلاب في حزب الكتائب، وذلك في قراءة شاملة تجمع بين الذاكرة التاريخية للقضية، ومقاربتها السياسية والاجتماعية في الوقت الراهن.

ضمن هذا الملف، يوضح حزب الكتائب اللبنانية، على لسان باتريك ريشا، رئيس جهاز الإعلام في الحزب، موقفه من قضية التوطين ومنح الحقوق المدنية، مؤكدًا تمسكه بمبدأ السيادة ورفضه لأي استثناءات قانونية أو أمنية داخل الدولة اللبنانية.

باتريك ريشا درس العلوم السياسية في جامعة الحكمة، ونشط في الحركة الطلابية منذ أواخر التسعينيات، عمل في موقع “MTV”، ثم تفرّغ بالكامل للعمل داخل حزب الكتائب، حيث تدرّج في التنظيم الحزبي: انخرط في تأسيس مجموعة “لبناننا” عام 2006، ثم تولّى رئاسة مصلحة الطلاب والشباب عام 2010، وأصبح مساعد الأمين العام للحزب لشؤون الطلاب، حتى وصل إلى منصب رئيس جهاز الإعلام في حزب الكتائب.

–              بعد السابع من أكتوبر والتغيرات السياسية الحاصلة في المنطقة، وبعد هزيمة محور الممانعة، وبعد استفحال المطالب الإسرائيلية، هل تظنون كحزب كتائب في طليعة القوى المسيحية، أن شعار حق العودة لا يزال ساري المفعول وقابل للتحقيق؟

نحن نعتبر أن الحق هو حق بغض النظر عن تقلبات الواقع والمعطيات، وكما تغير الواقع ونتجت معطيات جديدة اليوم، يمكن في المستقبل أن ينتج واقع جديد وتلد معطيات جديدة دراماتيكية فتحمل معها حلول جذرية، وقد تتضمن حل دائم للاجئين الفلسطينيين في دول الشتات ككل، وهذا حق لهم للاستقرار في بلدهم وفق حلول مختلفة.

فيما يتعلق بلبنان، فالملف دقيق ونحن دخلنا في الذكرى الخمسين للحرب اللبنانية في 13 نيسان 1975، ويجب أن نقارن ونتذكر بين المرحلة السابقة حين تخلت الدولة عن سيادتها وبين المرحلة الحالية. لا شك أن هناك تروما فيما خص موضوع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان لأنها تؤثر على توازنات ديمغرافية واجتماعية يقوم عليها لبنان، لذلك نفضل التمسك بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين بانتظار عناصر قوة في المستقبل.

–              ألا تعتقدون أن حزب الله استثمر في ملف اللاجئين الفلسطينيين من خلال رفع شعار حق العودة ومنع نزع سلاح المخيمات؟ ألا يجدر برأيكم سحب هذه الذريعة من حزب الله لتكون المخيمات تحت سلطة الدولة؟ سيما وأن هناك إنعكاسات سلبية اجتماعية لحشر الفلسطينيين داخل هذه المخيمات ومنع دمجهم في المجتمع اللبناني؟

نحن نرى أن حزب الله استغل القضية الفلسطينية وقضية اللاجئين ككل كشعار كبير حمل لواءه، واستغل ما حصل في حرب غزة ككل لدغدغة المشاعر العربية والإسلامية وخاصة عند الطائفة السنية ليظهر نفسه بمظهر الحامي والدرع الواقي لهذه القضية، وبالتالي كانت النتيجة أنه لم يستطع تحقيق مكاسب للفلسطينيين، وأضر بنفسه وشعبه وبلبنان ككل، ونعتبر أن هذا الاستغلال يجب أن يتوقف، وليست المسألة سحب الذريعة من يد حزبالله.

ونحن نعتبر أن لا قيامة لدولة بتجزأة السيادة، هذه قضيتنا منذ نشأة حزب الكتائب، فمبادئنا واضحة بغض النظر عن المتغيرات والرائع والأطراف المستغلة للقضية، وبالنسبة لنا يجب على الدولة اللبنانية بسط سلطتها على كامل أراضيها، وحين تبدأ الدولة بفتح (استثناءات) تضيع البوصلة.

لقد فتحت الدولة استثناء باتفاق القاهرة عام 1969 وكانت النتيجة مشاكل أمنية مع الجيش اللبنانية في السنوات اللاحقة (عام 1971 وعام 1973 حين قصف الجيش اللبناني المخيمات الفلسطينية بسلاح الجو بالقرب من المدينة الرياضية في بيروت، وانتهت باتفاق ميلكارت عام 1987 الذي نظم وثبت العلاقة بين الجيش اللبناني والفصائل المسلحة اللبنانية) حتى استقالت الدولة اللبنانية من دورها بفعل هذه الاستثناءات وتحولت الاستثناءات إلى قواعد أدت بالبلد إلى حرب أهلية. وفي التسعينيات فتح استثناء لحزب الله من قبل الوصاية السورية والدولة اللبنانية آنذاك للدفاع عن الجنوب حتى وصلنا إلى احتلال بيروت عام 2008. لذا فجوابي لا، نحن نرفض المقايضة بين سلاح المخيمات وبين منح الحقوق المدنية أو التوطين.

–              ألا تتعارض برأيك، فكرة نزع سلاح المخيمات مع فكرة بناء الدولة التي تطرحونها؟ بمعنى، ألا يجدر إيجاد حلول قابلة للتسوية مع الفلسطينيين داخل المخيمات من أجل إعطائهم بديل عن سلاحهم كالحقوق المدنية كالحق في العمل والتعليم والطبابة والتملك الخ.. (بدون الحق في الانتخاب والترشح) ما الحلول القابلة للتطبيق التي تقترحونها بديلاً للتوطين أو بديلا لمنح الحقوق المدنية، مع الأخذ في الاعتبار أن الحروب لم تفرض على إسرائيل حق العودة، ولا الديبلوماسية حتى اليوم استطاعت أن تفرض شروطها على إسرائيل، فإلى متى سيبقى هذا الملف دون حل؟

المسألة عربية وإقليمية وعالمية، وعلى العرب تحمل مسؤولياتهم كل حسب حجمه وقدرته، وليس من المفترض على لبنان تحمل أعبائها لوحده، فلبنان تحمل الكثير ودفع الكثير تضامنًا وحربًا ودمارًا. وحزب الكتائب قام بمصارحة خلال مؤتمر نظمته عام 2006 حضرته منظمة التحرير الفلسطينية، ونحن متصالحون مع أنفسنا، وهناك علاقات ندية مع السلطة الفلسطينية، ونحن بانتظار لحظة وعي في المنطقة ليصار إلى توفير حياة كريمة للاجئين، ولبنان دفع قسطًا كبيرًا من التضحيات وربما يستطيع التضحية بالقليل إنما لا يمكن للبنان أن يتحمل وزر هذه الأزمة الكبيرة لوحده.

–              ما هي هواجس حزب الكتائب، وهواجس المسيحيين من مسألة التوطين ومن مسألة منح الحقوق المدنية؟!

أريد أن أوضح أن حزب الكتائب ذات أغلبية مسيحية لكننا حزبًا وطنيًا على صعيد الخطاب والاستقطاب والانتشار. لا أتذرع أنني أتكلم باسم المسيحيين ككل إنما نتفهم هواجس المسيحيين، ولا شك أن الهاجس الديمغرافي هاجس كبير لدى المسيحيين، فمنذ خمسين سنة كان المسيحيون يشكلون أكثر من 50% من سكان لبنان، وأما اليوم فيشكلون قرابة 30% فقط، وهناك قلق من تجنيس الفلسطينيين أو السوريين، مما سينعكس على التمثيل في الدولة، وهناك أصوات حاقدة ترتفع حاملة لواء الأرقام لتتساءل حيال المناصفة التي طرحها اتفاق الطائف! فهناك البعض الذي يطمح للإطاحة بالمناصفة مما سيشكل إطاحة بالنظام برمته، فاللعب بمسألة الأرقام والديمغرافية مسألة دقيقة وحساسة وليس فقط عند المسيحيين بل عند الدروز والشيعة وكل الفئات المكونة في لبنان، وقد سبق أن تم التلاعب بالتوازن القائم حين تم تجنيس عشرات آلاف الفلسطينيين والسوريين وغيرهم عام 1994، ولعب دورًا سلبيًا في التوازنات القائمة في البلد، وهذا ما نسعى لتجنبه.

اقرأ أيضا: محمد بركات: المخيمات الفلسطينية في لبنان أزمة أمنية لا سياسية

السابق
التحريض الإعلامي كسلاح بديل: خطر على لبنان واستقراره
التالي
بالفيديو: إنهيار مبنى سكني متصدّع في الضاحية