
يشهد الشرق الأوسط في العقد الأخير تحولات جيوسياسية عميقة، تأرجحت بين تصاعد النفوذ الإيراني وتوسع التعاون العربي الإسرائيلي، وسط توترات إقليمية مفتوحة بدأت تأخذ شكل صراع غير مباشر بين إيران وإسرائيل. هذا الصراع، الذي يتناول جوانب أمنية وسياسية واقتصادية متعددة، يشكل حجر الزاوية لفهم المشهد الجيوسياسي الجديد في المنطقة وتأثيراته على الدول العربية.
الحرب الإسرائيلية–الإيرانية: حرب الظل المفتوحة
منذ الثورة الإيرانية في 1979، شكلت إيران قوة محورية تسعى إلى توسيع نفوذها في الشرق الأوسط عبر دعم ميليشيات متعددة في لبنان، العراق، سوريا، واليمن، مستهدفة إسرائيل ودول المنطقة. وعلى الجانب الآخر، تنتهج إسرائيل استراتيجية ردع وقائية من خلال الضربات الجوية والعمليات الاستخباراتية، مستهدفة المواقع الإيرانية وحلفاءها.
خلال الأعوام الأخيرة، ومع توتر العلاقات الدولية وتصاعد الخلافات حول البرنامج النووي الإيراني، تحولت المواجهة بين الطرفين إلى حرب ظل حقيقية تتخللها عمليات اغتيال وتفجيرات وسلسلة من الضربات الدقيقة، الأمر الذي أسفر عن توترات متزايدة وانعدام استقرار إقليمي.
تفكك النظام الإيراني وانعكاساته الإقليمية
في ظل هذه المواجهة الشرسة، تتعرض إيران لضغوط داخلية شديدة، اقتصادية واجتماعية، قد تؤدي إلى تفكك نظامها أو تراجع نفوذها في المنطقة. تفكك النظام الإيراني، سواء كان مفاجئًا أو تدريجيًا، سيحدث زلزالًا في توازن القوى الإقليمي:
• في دول الخليج العربي، سيقل التهديد الإيراني المباشر، مما يمنح دول الخليج فرصة تعزيز أمنها وتوسيع تحالفاتها، خصوصًا مع الغرب والولايات المتحدة، مع بقاء مخاوف من فراغ أمني قد يستغله لاعبون آخرون أو يؤدي إلى نزوح لاجئين واضطرابات داخلية.
• في العراق، قد يتراجع النفوذ الإيراني المهيمن، مع احتمال تفجر صراعات داخلية بين الفصائل المسلحة التي كانت تدار أو تدعمها إيران، مما قد يؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار أو فرص لإعادة بناء الدولة.
• في لبنان، قد يتراجع دور حزب الله والميليشيات الإيرانية، ما قد يؤدي إلى استعادة الدولة اللبنانيّة جزءًا من سيادتها، لكن في نفس الوقت قد تزيد إسرائيل من تدخلها العسكري وتوسّع نفوذها في الجولان وجنوب لبنان.
• في اليمن، ضعف الحوثيين نتيجة انقطاع الدعم الإيراني قد يسرّع فرص إنهاء الحرب الأهلية، لكن مع احتمال تحول الحوثيين إلى جماعة حرب عصابات تقود الفوضى.
• في مصر، الأردن، والمغرب، يبقى الوضع مراقبًا بحذر، مع توقع استمرار توتر العلاقات بين الحاجة إلى استقرار إقليمي وخوف الشارع من التطبيع الكامل مع إسرائيل.
• في سوريا، لقد فرضت الظروف تطورًا جديدًا ساهم بانهيار نظام الأسد ووصول نظام جديد في سوريا معادي لإيران وولاية الفقيه، حيث بات النظام الجديد يتصرف بحكمة مع الوضع من خلال القطيعة مع الماضي، وفتح باب جديد مع المستقبل المرتبط بالعالم العربي والغرب والولايات المتحدة.
في دول الخليج العربي، سيقل التهديد الإيراني المباشر، مما يمنح دول الخليج فرصة تعزيز أمنها وتوسيع تحالفاتها، خصوصًا مع الغرب والولايات المتحدة
الهيمنة الإسرائيلية: فرص جديدة أم مخاطر قادمة؟
مع تراجع النفوذ الإيراني، ستجد إسرائيل نفسها في موقع قوة غير مسبوقة، قادرة على توسيع نفوذها العسكري والاستخباراتي في المنطقة، وتعزيز تحالفاتها مع دول عربية متعددة، خاصة في الخليج. هذا التفوق يمنحها حرية أكبر في فرض معادلات أمنية جديدة وتوسيع رقعة التطبيع. لكن يبقى أمامها قضية حل الدولتين الفلسطينية إلى جانب العبرية، التي تفرض وجودها على أي مستقبل قادم يحدد من خلاله العلاقات مع إسرائيل أو على استقرار المنطقة وإبعادها عن مضمون الصراعات المتجددة والتطرف القومي والمذهبي، لكن استمرار هذه الهيمنة الجديدة الإسرائيلية لن تكون بلا مخاطرة:
1- قد يثير استمرار الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي توترات داخلية في الدول العربية، خصوصًا مع ضعف دعم الفصائل المقاومة من إيران.
2- قد يحفز التوسع الإسرائيلي محاولات من قوى إقليمية أخرى كتركيا وروسيا لملء الفراغ، ما يخلق توترات جديدة.
3- الضغط السياسي والشعبي داخل بعض الدول العربية قد يؤدي إلى احتجاجات وتهديدات للاستقرار.
مما يفتح هذه النقاط لسؤال مهم جدًا في مستقبل الجغرافيا السياسية العربية القادمة بظل التغيير الذي يحصل ويترك انعكاسه على المنطقة؟
لكن التغير الجيوسياسي في الشرق الأوسط من جراء الحرب الإسرائيلية–الإيرانية، سيكون له تداعيات واضحة على الدول العربية، تمثل مفترق طرق حاسم. لذلك تقف الدول العربية أمام فرصة تاريخية لإعادة بناء علاقاتها الخارجية وتعزيز سيادتها وأمنها، ولكن ذلك يتطلب حكمة في إدارة الملفات المعقدة، والابتعاد عن الانقسامات الطائفية والمناطقية، وتوحيد الجهود لمواجهة التحديات الجديدة.
مع تراجع النفوذ الإيراني، ستجد إسرائيل نفسها في موقع قوة غير مسبوقة، قادرة على توسيع نفوذها العسكري والاستخباراتي في المنطقة، وتعزيز تحالفاتها مع دول عربية متعددة
يبقى السؤال الأهم: هل ستتمكن الدول العربية من لعب دور فاعل ومستقل في رسم خريطة المنطقة القادمة، أم أنها ستظل حلبة تنافس بين قوى إقليمية ودولية؟