عن الحرب الاسرائيلية الايرانية قبل تداعيات الضربة الاميركية

منى فياض

لا أستطيع إلا أن أقارن بين ما حدث غداة الثورة الإسلامية، في 22 سبتمبر 1980، عندما شنّت القوات العراقية هجومًا واسع النطاق على إيران، وبين 7 أكتوبر، عندما قام السنوار بعمليته على إسرائيل.

خاف العراق من تصدير الثورة الإسلامية الإيرانية إليه فهاجمها؛ وقام السنوار بعمليته انطلاقًا من حقه في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي.

تحولت إيران، بعد انتهاء حربها تلك، نحو سياسة خارجية نشطة وعدائية، فقررت نقل “الحرب” إلى خارج حدودها. واستغلت القضية الفلسطينية، فدعمت الجماعات الطائفية المسلحة، وتدخلت في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وتغوّلت في توسيع نفوذها الإقليمي، بغض نظر أميركي وغربي.

كذلك نجد أن إسرائيل الاستعمارية، التي احتلّت أرض الشعب الفلسطيني وطردته من قراه ومدنه، بتواطؤ ودعم من النظام الدولي الغربي، شعرت – ولأول مرة – بتهديد وجودي بعد عملية 7 أكتوبر، لم تذقه خلال حروبها الست السابقة التي خرجت منها منتصرة. فاستغلت هذه العملية كي تستكمل حرب الإبادة، الشبيهة بممارسات النازية، على الشعب الفلسطيني، بحجة القضاء على حماس.

شخصيتان على حافة التصعيد: نتنياهو وخامنئي

في المقابل، حوّل النظام الإيراني الثيوقراطي التشيّع من حركة ثورية، إلى نظام ديكتاتوري، بعد أن جمع الخميني كافة السلطات – الزمنية والدينية – بيده. ولو أن إيران أحسنت التعامل مع جوارها العربي منذ البداية، ربما لما كنّا، والعالم أجمع، في هذا المأزق؛ ولما تمكّنت إسرائيل من الانفتاح على العالم العربي.

فما الذي أشعل شرارة الحرب الحالية بين الشخصيتين المحوريتين، نتنياهو وخامنئي، في المشهد الإقليمي شديد التعقيد؟

منذ سنوات، يخوض نتنياهو معركة بقاء سياسي حامية بسبب محاكم الفساد المرفوعة ضده. بقاؤه في الحكم ليس مجرد رغبة فيد النفوذ، بل حاجة لحماية نفسه من السقوط القانوني وربما السجن. فتحالف مع التيارات الدينية المتشددة واليمين المتطرف كأداة لاستمرار سلطته. فرض هذا التحالف عليه الأجندات الأكثر تطرفًا (الاستيطان، رفض الدولة الفلسطينية، تهويد القدس، ثم حرب الإبادة…). نتنياهو يلجأ إلى التصعيد الخارجي كأداة لصرف الأنظار عنه.

أما خامنئي، الولي الفقيه، فيرى نفسه راعي “الثورة الإسلامية” وجميع المسلمين. ويؤمن بأن إيران يجب أن تكون قائدة لمحور مقاومة يمتد من طهران إلى غزة. العداء لإسرائيل وأميركا ليس سياسيًا فقط، بل جزءًا من “الهوية الثورية”.

بعد الانتفاضات الداخلية (منذ العام 1999 حتى انتفاضة مهسا أميني)، أصبح مهجوسًا بالأمن وباستمرارية النظام. المهم الإمساك بالداخل بالقمع الممنهج. ويستخدم أي نجاح خارجي (في اليمن، العراق، سوريا، لبنان…) لإظهار القوة أمام شعبه.

ولقد مارس لعبة التصعيد التدريجي تجاه إسرائيل وأميركا، للضغط دون الرغبة بحرب مباشرة، معتمدًا على الوكلاء (حزب الله، والحوثيين، ونظام الأسد…).

منذ سنوات، يخوض نتنياهو معركة بقاء سياسي حامية بسبب محاكم الفساد المرفوعة ضده. بقاؤه في الحكم ليس مجرد رغبة فيد النفوذ، بل حاجة لحماية نفسه من السقوط القانوني وربما السجن

الضحايا مجددًا: لبنان والجنوب والبشر

نقطة الالتقاء: إلى أين يؤدي سلوكهما معًا؟

نتنياهو وخامنئي استفادا من استمرار هذا الصراع قبل انفجاره في حرب مباشرة بينهما. نتنياهو كان يحتاج إلى “العدو الإيراني” لإبقاء الداخل موحّدًا وتبرير قمع الفلسطينيين. خامنئي كان يحتاج إلى “العدو الإسرائيلي” لتبرير عسكرة الداخل وتصدير الثورة.

عانى لبنان من مظالم الدولتين على مدى عقود، ووقع بين فكّي النظامين اللذين اختزلا الإنسان العربي إلى مجرد رقم.

في حربه إثر 7 أكتوبر، لا يرى نتنياهو في المدنيين سوى أرقام لخسائر جانبية سواء في فلسطين أو لبنان:

كل منزل يُقصف، كل مدني يُقتل، يُختصر في بيان عسكري: “تم استهداف منصة إطلاق”، أو “قُتل عنصر في حزب الله”، حتى لو كانت الضحية طفلًا أو مزارعًا أو عائلة نازحة.

يتحوّل الجنوب إلى ساحة اختبار للأسلحة الجديدة، أو رسالة ردع لإيران. الرسالة الضمنية: “الجنوبيون ليسوا إلا بيئة محتملة للعدو، فإن لم يُقتلوا كمقاتلين، يُقصفوا كحاضنة!”

وهذا منطق نازي تمامًا، لا فرق بين مدني ومسلّح، كل من على الأرض هدف، والبشر أرقام في ميزان “الردع والردع المضاد”.

يتغنّى النظام الإيراني ومحور المقاومة، على مستوى الخطاب الثوري، بـ”الدماء الطاهرة” و”الشهداء”. لا أحد يُسأل عن الخسائر اليومية في الجنوب. لا مكان لنقاش عام حول البدائل أو مستقبل الجنوب.

اللبناني الجنوبي يُختصر في دوره القتالي أو الاستشهادي. فهو إما “شهيد” يُحتفى به، أو “متخاذل” يُخوّن.

تنتفي عنه صفته كمواطن وإنسان له بيت ومدرسة وأحلام. إنه مجرد عنصر في “جبهة الصمود”، يُستدعى ساعة الحاجة. الحياة الكريمة، السكن، الحرية، الرأي الآخر… كلها ثانوية.

والنتيجة: يُسلب من الجنوبي حقه في تقرير مصيره، ويُختزل – كالفلسطيني تحت الاحتلال – في رقم، أو دور، أو لقب دعائي.

الجديد أخيرًا، منذ 13 حزيران 2025، انفجار المواجهة المباشرة، التي طالما تأجلت، بين إسرائيل وإيران. دخل العالم مرحلة جديدة وخطيرة من التصعيد، تهدد السلم العالمي. نفّذت إسرائيل عملية “الأسد الصاعد” (تسمية توراتية) بضربات جوية مدمّرة على المنشآت النووية والمواقع العسكرية في إيران، وأسقطت طائرات ومسيّرات، بالتوازي مع عملاء استخباراتها خلف الحدود.

تحوّل الجنوب إلى ساحة اختبار للأسلحة الجديدة، أو رسالة ردع لإيران. الرسالة الضمنية: “الجنوبيون ليسوا إلا بيئة محتملة للعدو، فإن لم يُقتلوا كمقاتلين، يُقصفوا كحاضنة!”

وردّت إيران بقوة، بإطلاق مئات الصواريخ والطائرات المسيّرة باتجاه المدن الإسرائيلية، نتج عنها إصابات بين المدنيين وتدمير للمستشفيات، وخسائر عسكرية يتم إخفاؤها.

هي حرب علنية، لأول مرة، بين قوتين أصوليتين استغلّتا طوال عقود شعوب المشرق العربي لتصفية حساباتهما. لكن هذه الحرب، على الأرجح، ستُضعف كلا النظامين.

لكن السؤال: أين نحن في هذا الصراع؟

لأول مرة، وبشكل غير مسبوق، لسنا جزءًا مُعلنًا من هذه الحرب. لا مشاركة فعلية، لكن التهديد بات أقرب من أي زمنٍ مضى. نشاهد، ولأول مرة، حربًا مفتوحة لم نُستشر فيها، ولم نُستدعَ إليها — ومع ذلك، نُهدَّد بنتائجها.

والآن، زادت الأمور تعقيدًا بعد التدخل الأميركي.

أي انفجار تصعيدي في هذا الصراع قد يحرق ما تبقّى منا…

اقرأ ايضا: يحتمي في ملجأ تحت الأرض.. المرشد الأعلى خامنئي يُسمّي خلفاء محتملين

السابق
إسرائيل تضرب قلب طهران: جامعات وسجن إيفين تحت النار..وتحذير من تسرّب نووي!
التالي
«مطرقة منتصف الليل» تقضي على البرنامج النووي الإيراني