
بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005، وجد السنّة اللبنانيون أنفسهم أمام مفترق طرق. فجّر الاغتيال صدمة وطنية وسياسية دفعتهم إلى كسر الصمت وإعادة تعريف انتمائهم: نحن لبنانيون أولاً.
كان ذلك الردّ الطبيعي على محاولة اغتيال الكيان والدور، وردًّا على اختطاف الطائفة لمصلحة النظام السوري. لم يعد مقبولاً بعد تلك اللحظة أن يُختزل السنّة في خطاب عروبي أجوف، أو في شعارات “وحدة المسارين” و”الممانعة”.
اليوم، وبعد اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله في أيلول 2024، تبدو الطائفة الشيعية أمام لحظة مشابهة، ولو لم تنضج بالكامل بعد.
فللمرة الأولى منذ ثلاثين عامًا، تغيب القيادة الأبوية للحزب، ويهتزّ الثبات الظاهري داخل البيئة الشيعية. يظهر ذلك في الأسئلة التي تُطرح همساً في المجالس، وفي التململ الذي تفضحه صناديق الاقتراع، وفي الهجرة، وفي تراجع القدرة على تبرير كل هذا الانهيار باسم “المقاومة”.
شيعة لبنان ما بعد الزلزال
صحيح أن حزب الله لم ينهَر باغتيال أمينه العام، لكنه لم يخرج من الحدث كما دخل إليه.
فـ”الزعيم الذي لا يُستبدَل” قد رُفع إلى مصاف الشهداء، لكن اغتياله فتح الباب أيضاً على أزمة خلافة، وارتباك تنظيمي، وتراجع في الهيبة.
أهم من ذلك، أنه فتح شقوقاً في الجدار العقائدي الصلب، تماماً كما فعل اغتيال الحريري حين كسر الصمت السنّي وأطلق “ثورة الأرز”.
هل تشهد الطائفة الشيعية مساراً مشابهاً؟
هل يبدأ العقل الشيعي المستقل، الذي صُمّت آذانه طويلاً، في استعادة صوته؟
وهل يكون الغياب القسري لنصرالله فرصة لإعادة النظر في المشروع الإيراني برمّته؟
للمرة الأولى منذ ثلاثين عامًا، تغيب القيادة الأبوية للحزب، ويهتزّ الثبات الظاهري داخل البيئة الشيعية. يظهر ذلك في الأسئلة التي تُطرح همساً في المجالس، وفي التململ الذي تفضحه صناديق الاقتراع، وفي الهجرة، وفي تراجع القدرة على تبرير كل هذا الانهيار باسم “المقاومة”
من “المحور” إلى الوطن
كان نصرالله آخر رموز “المحور” الذين يشكّلون مرجعية عابرة للحدود.
ومع غيابه، ومع تراجع الحضور الإيراني في الإقليم، ومع تصدّع الداخل الإيراني نفسه، تنبع الحاجة إلى لحظة تعريف جديدة للطائفة الشيعية في لبنان: هل تبقى درعاً إقليمية؟ أم تصبح شريكاً في الدولة الوطنية؟
في لحظة ما، رفع السنّة شعار “لبنان أولاً”.
ربما آن الأوان ليرفعه الشيعة أيضاً.
فلا إيران تعود، ولا السلاح يحمي الطائفة، ولا المظلومية تبني دولة، ولا الغياب المستمر عن المشروع الوطني يجلب شيئاً سوى المزيد من العزلة والفقر والهجرة.
فرصة لا يجب أن تُهدَر
لا أحد ينتظر من الشيعة أن ينقلبوا على أنفسهم، بل أن يتحرّروا من وصاية الخارج.
ولا أحد يريد أن يخسر الحزب حجمه، بل أن يربحه لبنان.
قد يكون اغتيال نصرالله، بكل ما فيه من خطورة، فرصة أخيرة للطائفة كي تعيد تموضعها داخل الخريطة الوطنية.
وأن تقول، كما قال خصومها ذات يوم، لا بصوت الحقد بل بصوت النجاة: “لبنان أولاً”.
اقرأ ايضا: بالفيديو: بعد الاستهداف الأميركي لمنشآتها النووية.. إيران ترد بإطلاق أكثر من 30 صاروخاً على إسرائيل