
فجر اليوم، في الثاني والعشرين من حزيران 2025، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب في خطاب متلفز أن سلاح الجو الأميركي نفّذ غارات جوية دقيقة على منشأة “فوردو” النووية الإيرانية، إضافةً إلى مواقع عسكرية وصاروخية استراتيجية في عمق إيران. هذا الإعلان الصادم مثّل نقطة تحوّل كبرى في الحرب المتصاعدة بين إيران وإسرائيل، ودفع بالمواجهة إلى مستوى جديد من الخطورة، لم يعد فيه مكان للمناورة أو الحسابات التقليدية.
إيران بين الغضب والمخاطر
منذ بداية التصعيد قبل اسبوع تمسّكت طهران بسياسة “الرد المدروس” عبر قصف صاروخي على مواقع اسرائيلية في المدن الكبرى، محافظَة على التوازن بين إظهار القوة وتجنّب الانزلاق إلى حرب شاملة. لكن الضربة الأميركية لفوردو، أحد أعقد وأهم منشآت تخصيب اليورانيوم الإيرانية، تجاوزت كل الخطوط الحمراء.
لم تعد طهران قادرة على الاكتفاء برسائل موضعية. فالرأي العام الداخلي، والحرس الثوري، وحتى القيادة السياسية، باتوا يتحدثون صراحة عن ضرورة ردّ قاسٍ ومباشر يُعيد الاعتبار للردع الإيراني، الذي تلقى ضربة قاسية ليس فقط عسكريًا، بل رمزيًا.
الخيارات المطروحة أمام إيران تتراوح بين:
قصف أهداف أميركية في الخليج والعراق وسوريا.
ضرب منشآت استراتيجية إسرائيلية بصواريخ دقيقة من الأراضي الإيرانية.
تصعيد بحري واسع عبر مضيق هرمز لرفع تكلفة الحرب على الاقتصاد العالمي.
لكن الرد سيكون محفوفًا بالمخاطر، لأن أي عملية إيرانية نوعية قد تفتح الباب أمام رد أميركي شامل ومدمّر يستهدف مفاصل النظام الإيراني ومراكز الحرس الثوري، وربما يقلب الطاولة بالكامل.
إسرائيل : فرصة ذهبية!
في الأسابيع الماضية، تلقت إسرائيل ضربات غير مسبوقة من الصواريخ البالستية الإيرانية، أصابت أهدافًا عسكرية واقتصادية في تل أبيب وحيفا وبئر السبع. هذا الاختراق الإيراني شكل سابقة تاريخية كسرت هيبة الردع الإسرائيلي، وزرعت الرعب في عمق الجبهة الداخلية.
لكن مع دخول ترامب الحرب علنًا، تحوّل المشهد.
إسرائيل اليوم في موقع المستفيد المباشر من التدخل الأميركي:
حظيت بغطاء جوي وسياسي استثنائي، يُتيح لها تنفيذ عمليات أوسع ضد المنشآت النووية والدفاعية الإيرانية.
تُراهن على أن الضربة الأميركية ستُفقد طهران قدرتها على تنظيم ردّ موحّد، وتُضعف معنويات محور المقاومة الممتد من لبنان إلى اليمن.
تسعى لتحويل الحرب إلى فرصة لتصفية البرنامج النووي الإيراني بالكامل، بعد أن فشلت في ذلك لعقود بالوسائل غير المباشرة.
لكن في المقابل، يدرك قادة إسرائيل أن الصدمة التي أحدثتها الصواريخ الإيرانية، حتى وسط التفوق الجوي، تعني أن الجبهة الداخلية لم تعد محصنة. وبالتالي، فإن استمرار الحرب دون حسم، قد يؤدي إلى تآكل التفوق الإسرائيلي إذا ما طال أمد الصراع.
ثلاثة سيناريوهات
لم تعد المنطقة تحت خطر الحرب، بل باتت غارقة فيها فعليًا. الفرق الآن أن اللاعب الأميركي دخل الميدان بنفسه، وفي ظل قيادة لا تؤمن بسياسة الاحتواء. ترامب لا يبعث برسائل سياسية، بل يوجّه قنابل فعلية، ويُعيد ترتيب موازين القوى عبر الدخان والنار.
حرب واسعة النطاق تُستخدم فيها قدرات عسكرية غير مسبوقة، قد تشمل تدمير منشآت كبرى في طهران وإسقاط النظام.
تصعيد متدرج طويل الأمد على عدة جبهات، تتبادل فيه الأطراف الرسائل النارية دون حسم، مع انزلاقات مفاجئة.
مفاوضات اضطرارية تحت الضغط العسكري، تُفرض على إيران من موقع ضعف، وتُمنح فيها إسرائيل مكاسب استراتيجية كبيرة.
الحرب تكتب مستقبل المنطقة
نحن أمام مشهد معقّد: أميركا دخلت الميدان، إيران تهدّد بالانتقام، إسرائيل تحاول استثمار الموقف لتحطيم برنامج إيران النووي، والخليج يترقّب على أحرّ من الجمر.
فإيران مطالبة بإثبات أنها لم تُهزم. إسرائيل تُراهن على انهيار خصمها الاستراتيجي. وأميركا ترامب تُقاتل لتكتب النهاية التي عجزت عنها الإدارات السابقة.
لكن الأخطر من كل ذلك، هو أن هذه الجولة قد لا تنتهي بـ”توازن رعب”، بل بـ”اختلال رعب” يؤدي إلى تسويات قسرية أو انهيارات كبرى.
والخلاصة، فإن قصف فوردو لم يكن نهاية مرحلة، بل بداية حرب لا تشبه سابقاتها. وما سيأتي بعدها، سيعيد رسم خريطة الشرق الأوسط ليس فقط عسكريًا، بل سياسيًا وجيوسياسيًا لعقود قادمة.
اقرأ ايضا: بالفيديو: بعد الاستهداف الأميركي لمنشآتها النووية.. إيران ترد بإطلاق أكثر من 30 صاروخاً على إسرائيل