
عدوان الكيان الصهيوني على إيران، والرد الإيراني عليه أسبوعه الثاني، وما زالت عمليات القصف الجوي المتبادل مستمرة بوتيرة متفاوتة. يرفع الغرب الاستعماري شعارًا للعدوان يتمحور حول ضرورة وقف التخصيب النووي الإيراني، وأن القصف الإسرائيلي يطال العلماء الإيرانيين والقيادات العسكرية والأمنية، وأن على إيران التوجّه إلى مفاوضات معروفة النتائج. أي أن الغرب الاستعماري يجيز لنفسه امتلاك السلاح النووي ويمنع الآخر من الحصول عليه. في حين يعلن الطرف الإيراني أن معاركه الحالية هي للدفاع عن النفس وحقه في امتلاك قوة نووية تُستخدم في الأمور السلمية.
خطاب الغرب الاستعماري يذكّرنا بخطابه الكاذب عندما احتلّ العراق لإسقاط نظام صدّام حسين، وتراجعه عن كل الوعود التي قطعها لمن استخدمهم للوصول إلى غايته.
مشروع الهيمنة الغربية
يأتي العدوان على إيران في سياق سياسة عامة أعلنتها واشنطن في مطلع الألفية الثالثة، والقاضي بإعادة رسم الشرق الأوسط الجديد. وقد اعتمدت بذلك على عدّة عوامل، أولها: استخدام قاعدتها المتقدمة في المنطقة وهي إسرائيل، والتي رُسم دورها منذ قدوم نابليون بونابرت إلى المنطقة في مطلع القرن التاسع عشر، إلى وعد بلفور، واتفاقيات سايكس بيكو، وإقامة الكيان الإسرائيلي عام 1948، لتكون رأس الحربة للسيطرة على المنطقة. وهذا ما تجلّى عام 1948 وعام 1967، وما تلا ذلك من اتفاقات مع عدد من الأنظمة العربية، وما استُتبع من محاولات إبادة الشعب الفلسطيني وارتكاب المجازر بحقّه، وخير دليل ما يدور في غزة والضفة الغربية من فلسطين المحتلة.
خطاب الغرب الاستعماري يذكّرنا بخطابه الكاذب عندما احتلّ العراق لإسقاط نظام صدّام حسين، وتراجعه عن كل الوعود التي قطعها لمن استخدمهم للوصول إلى غايته.
ثانيًا: نجاح الغرب الاستعماري بفرض التطبيع بين القاعدة إسرائيل وبين الأنظمة العربية الساعية للحفاظ على كياناتها الموروثة من المستعمر البريطاني، وقد شكّل التطبيع الغطاء الأساس لحرب الإبادة الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني.
ثالثًا: تنفيذ خارطة الشرق الأوسط الجديد من خلال تفكيك الكيانات التي نشأت بعد سايكس بيكو، وردّها إلى مكوناتها الأثرية. وقد اعتمد الغرب الاستعماري على عجز أطراف السلطات في تلك الكيانات من بناء دولة وطنية في كل منها. إذ بعد إزالة خطر السلاح الوطني الفلسطيني المستقل عام 1982، عمد الغرب، وبالتعاون مع إسرائيل وقوى في الكيانات القائمة، إلى تفكيكها عبر حروب داخلية بين مكونات الكيانات، أو حروب خارجية تحت تهم مختلفة.
تفتيت الكيانات
تحوّل لبنان إلى دويلات فعلية يجمعها كيان ضعيف، وكل دويلة أقوى من السلطة القائمة. وفي سورية يجري العمل على تحويلها إلى مجموعة كيانات في الجنوب، الوسط، الشمال الشرقي، والشمال الغربي، وسط استعداد أصحاب السلطات في كل كيان للتطبيع وبناء علاقات مع القاعدة إسرائيل. وفي العراق تحوّل البلد إلى ثلاث دويلات تحاول كل منها السيطرة على الآخرين. إلى جانب ذلك، فإن الكيان الأردني قد بُني بناءً على اتفاق سايكس بيكو ليكون جدارًا لحماية الكيان الإسرائيلي.
ولكي يبسط الغرب الاستعماري سيطرته على المنطقة ويستفيد من الموارد الطبيعية الموجودة، فلا بد له من إضعاف أي طرف يحيط بالمنطقة وينشد دورًا إقليميًا يؤمن له سيطرة ولو محدودة، وهذا ما حاول القيام به النظام الإيراني بسياساته الخاطئة تجاه مكونات المنطقة، وعدم التعاطي الإيجابي مع التعددية الموجودة. فاستفاد الغرب الاستعماري نفسه من ذلك، وصار في موقع الهجوم على النظام الإيراني، وإلحاق الأذى به وبمكوناته، كي يحفظ سيطرته الكاملة على المنطقة عبر وكيل واحد هو إسرائيل، يستخدمها الغرب وفق مصالحه، معتمدًا على الأيديولوجية الغيبية التي يؤمن بها اليهود.
ومن يتابع التصريحات التي أدلى بها عدد من المسؤولين الأتراك يدرك أن هذه التصريحات تعبّر عن خوفهم أن يصل الموسى إلى ذقونهم. الحرب مستمرة بين إسرائيل وإيران التي تدافع عن نفسها وعن نظامها فحسب، والمفاوضات التي يشترطها الغرب الاستعماري لن تؤدي إلا إلى إضعاف إيران كدولة، وتعميق الانقسامات داخل مكوناتها.
ن يتابع التصريحات التي أدلى بها عدد من المسؤولين الأتراك يدرك أن هذه التصريحات تعبّر عن خوفهم أن يصل الموسى إلى ذقونهم
يأتي كل هذا التوصيف في ظل غياب أي مشروع لبناء دولة وطنية في كل كيان من كيانات المنطقة، ووسط حرب إبادة للشعب الفلسطيني، وصمت عالمي رسمي ممّن يدّعي الحفاظ على حقوق الإنسان.
اقرأ أيضا: ماذا بعد قصف فوردو؟