
تشهد منطقة الشرق الأوسط لحظة فارقة من التوتر بعد الضربة الأميركية لموقع “فوردو” النووي الإيراني، وما تبعها من رسائل نارية ومواقف متباينة بين الأطراف الرئيسية: إيران من جهة، والولايات المتحدة وإسرائيل من جهة ثانية. وبينما تسود في العلن دعوات للتهدئة، تشير الوقائع إلى أن طرفي الصراع يقفان على حافة تصعيد غير مسبوق، يحكمه توازن الردع وقيود الواقع الاستراتيجي.
إيران لن تُذعن
الرسالة التي حملها تصريح علي شمخاني، مستشار المرشد الإيراني الأعلى، تعكس معالم الاستراتيجية الإيرانية في هذه المرحلة: إيران تسعى إلى تثبيت فكرة أنها “لم تُهزم”، وأن ما خسرته على الأرض لا يعني نهاية اللعبة. يؤكد شمخاني أن “المواد المخصبة والمعرفة المحلية والإرادة السياسية باقية”، في إشارة واضحة إلى أن الرد الإيراني قد لا يكون عاجلاً ولا مباشراً، لكنه سيكون جزءاً من مسار طويل من المقاومة السياسية والعسكرية.
بالمقابل، تُدرك طهران أن أي رد مباشر على الولايات المتحدة قد يفتح عليها جحيم حرب لا تستطيع تحمله في ظل العقوبات الاقتصادية والانقسام الداخلي. ولذلك، فإنها تركز على رد مدروس، ربما عبر استهداف إسرائيلي لا يستفز واشنطن بشكل مباشر، أو من خلال أدواتها الإقليمية، بطريقة لا تُفقدها توازنها الاستراتيجي.
إسرائيل تريد “نهاية سريعة”
من جانبها، كشفت القناة 13 وهيئة البث الإسرائيلية عن رغبة إسرائيل بإنهاء العمليات العسكرية ضد إيران خلال أيام. ورغم تأكيد مسؤولين في تل أبيب بأن البرنامج النووي الإيراني لم يُدمر بالكامل، فإن الحديث عن “ضرر هائل” يوحي بأن إسرائيل تعتبر ما جرى ضربة ناجحة تريد تتويجها بإنجاز سياسي سريع، قبل أن تتحول إلى مستنقع إقليمي أو تستفز ردوداً تتجاوز حساباتها.
نتنياهو، الذي يقود حكومة يمينية تعيش على وقع المزايدات السياسية الداخلية، يريد تحقيق نصر تكتيكي يُسوقه داخلياً وخارجياً، من دون الانزلاق إلى مواجهة طويلة تستنزف قدرات الجيش وتفتح جبهات متعددة، خاصة في ظل جبهة الشمال المشتعلة مع حزب الله.
واشنطن لا تريد الحرب
تصريحات مصادر شبكة “سي إن إن” تكشف أن قرار ضرب إيران لم يكن ارتجالياً، بل جاء بعد مهلة مُعلنة وضمن سياق رفض طهران العودة إلى طاولة المفاوضات. ومع أن الضربة الأميركية كانت مدروسة، إلا أن الرسائل السياسية التي رافقتها تؤكد أن إدارة الرئيس دونالد ترامب لا تريد الانجرار إلى حرب شاملة، بل تسعى إلى فرض أمر واقع جديد يعيد إيران إلى المفاوضات بشروط أكثر قسوة.
لكن واشنطن تدرك أن أي رد إيراني مباشر على مصالحها أو قواعدها في المنطقة، سيضعها أمام معادلة الردع الكامل، ما قد يفرض عليها مجاراة إسرائيل عسكرياً، ما لم تتدخل قنوات خلفية للتهدئة.
تهدئة مشروطة أم تصعيد مدروس؟
في ظل هذا المشهد، يبدو أن احتمالات التصعيد أو التهدئة مرتبطة بعاملين، الأول طبيعة الرد الإيراني ومدى قدرته على تحقيق توازن رمزي دون استفزاز مباشر للولايات المتحدة، والثاني قدرة إسرائيل على ضبط النفس بعد أي رد إيراني ومنع الأمور من الانفجار الكامل.
السيناريو الأقرب حتى الآن هو التصعيد المدروس، أي ضربات محدودة تُحافظ على ماء وجه الطرفين، من دون الذهاب إلى حرب شاملة. فإيران بحاجة للرد لحفظ هيبتها، لكن لا تملك ترف مواجهة عسكرية مع واشنطن، فيما ترغب إسرائيل وواشنطن بقطف ثمار ضربة فوردو من دون خسائر استراتيجية كبرى.
إنها لعبة أعصاب على حافة الهاوية، والذكي من يديرها لا من ينتصر فيها.
اقرأ أيضا: ماذا بعد قصف فوردو؟