
قالت العرب يوماً: “من لم يُحسن الفهم، أساء النشر، وإن أساء النشر، أفسد العقول.”
في خضم الحرب الدائرة حالياً، وما يحصل خلالها من قصف للمنشآت النووية الإيرانية، لا سيما منشآت التخصيب في نطنز وفوردو وأصفهان، يكثر الكلام عن خطر الإشعاع النووي في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، وفي وسائل التواصل الاجتماعي.
معظم ما يُقال خاطئ، ينمّ عن انعدام الثقافة العلمية، ويعتمد على جهل العامة بالموضوع، وقليله صحيح، لكن يُنقل بطريقة معقدة غير تبسيطية لكي يفهمها المتابع.
التخصيب النووي: حقيقة غير مشعّة
تخصيب اليورانيوم هو آلية لزيادة نسبة اليورانيوم ذي الرقم الذري ٢٣٥، وهو القابل للانشطار لتوليد الطاقة الحرارية والمشعّة. ويتم ذلك عبر أجهزة متسلسلة من الطرد المركزي. وجهاز الطرد المركزي هو أسطوانة تدور حول محورها بسرعة محددة لتطرد اليورانيوم ٢٣٥ بعيداً عن المركز، ثم يُنقل إلى الجهاز التالي ثم التالي وهكذا. ويكون اليورانيوم بالحالة الغازية لطرده بسهولة.
اليورانيوم المخصب غير خطير وإشعاعه ضئيل للغاية، لأن الانشطار والتفاعل النووي هنا غير ذي صلة. والخطر القليل يكون في حالة القرب منه وتنشقه، على سبيل المثال. كما يمكن تنظيف المحيط أو المنشأة بسهولة في حال تسرّبه.
المفاعلات النووية: حيث يبدأ الخطر الحقيقي
أين وكيف يحصل الخطر النووي؟
يُنقل اليورانيوم المخصب بالنسبة المئوية المناسبة إلى داخل المفاعل النووي (مفاعل بوشهر على سبيل المثال). هناك تتم عمليات شطر ذرات اليورانيوم بآلية دقيقة ليست موضوعنا الآن. يحصل ذلك داخل مفاعل مبنيّ ومحصن ليمنع الإشعاعات إلى الخارج، وبطريقة تتم فيها السيطرة على عمليات الانشطار وتوليد الطاقة.
عندما ينشطر اليورانيوم يكون الناتج مواد جديدة مثل اليود والسيزيوم والزينون والكريبتون وغيرها، وتكون شديدة الإشعاع والخطورة. وتبقى فاعلة لفترات تتراوح بين الأيام وآلاف السنين، وغالباً ما توضع في خزانات مياه ضخمة لتبريدها. هذه المواد هي ما يُصطلح على تسميتها بالنفايات النووية.
لنفترض الآن أن مفاعل بوشهر قد قُصف، وفرض المُحال غير مُحال. ستحصل تشققات في جدار المفاعل وهو في الحالة التشغيلية، وتخرج منه إشعاعات خطيرة جداً وخاصة أشعة غاما، التي تودي بالكائنات الحية إلى الحروق والتشوهات الخلقية والجينية على مساحات واسعة. كما يمكن للنفايات النووية التي تحدثنا عنها أن تتسرب بمياهها إلى باطن الأرض أو إلى مياه البحر، مما يُطلق كارثة بيئية غير متخيّلة. هذا ما حصل تماماً في مفاعل فوكوشيما الياباني، لكن بدل القصف كان السبب هزة أرضية عنيفة.
يقول ألبرت أينشتاين: “شيئان لا حدود لهما، الكون و غباء الإنسان، وأنا غير متأكد من الشيء الأول.”
اقرأ أيضا: ماذا بعد قصف فوردو؟