
في بلد يعاني من ظلام دامس وانهيار كهربائي مزمن، يقف اللبناني أمام مشهد عبثي: أنهار تجري بلا توقف، وسدود قائمة منذ عقود، لكن الكهرباء غائبة، والاعتماد على مافيا المولدات الخاصة أصبح واقعا مكلفا ومذلا.
فهل يمكن أن تشكل الأنهار اللبنانية حلا لأزمة الكهرباء؟ أم أن هذا الكنز المائي يهدر كما تهدر موارد أخرى في مغارة الفساد وسوء التخطيط؟
الليطاني: الحلم المؤجل
يُعد نهر الليطاني الأطول في لبنان، ويمتد على أكثر من 140 كلم من سهل البقاع إلى الجنوب. في خمسينيات القرن الماضي، أنشئ سد القرعون على مجراه بهدفين: الري وتوليد الطاقة. وعلى الرغم من تشغيل عدة معامل كهرومائية على ضفافه، لم تتجاوز مساهمتها 6-8% من حاجة لبنان الكهربائية في أفضل الحالات.
“الليطاني كان يمكن أن يكون شريانا حيويا للطاقة المتجددة في لبنان، لكن الإهمال والاعتداءات على مجراه حولته إلى نهر ملوث وعاجز”.
فرص مهدورة: أنهار بلا طاقة
يمتلك لبنان أكثر من 16 نهرا دائم الجريان، أبرزها نهر العاصي في البقاع الشمالي، ونهر الأولي على بوابة الجنوب و نهر الدامور ونهر إبراهيم في جبل لبنان. لكن معظم هذه الموارد تبقى غير مستثمرة بالشكل الأمثل. المنشآت الكهرومائية الموجودة تعاني من قدم المعدات وضعف الصيانة، ولا يتم التفكير فعليا بإنشاء سدود صغيرة أو مشاريع “الطاقة المائية المصغرة” (Micro-hydro) كما في دول الجوار.
“الطبيعة الجبلية اللبنانية تمنحنا فرصة استثنائية لبناء مشاريع مائية صغيرة تلائم البيئة وتولد طاقة نظيفة… وجود الشلالات والينابيع
تسقط المياه من ارتفاعات مختلفة ما يوفر طاقة كامنة (Potential Energy) يمكن تحويلها إلى كهرباء عبر التوربينات.
لكننا نعيش في دولة تتعامل مع الكهرباء كمصدر للصفقات، لا للخدمة العامة”.
الطقس والفساد: عوائق مزدوجة
صحيح أن الأنهار تمثل مصدرا متجددا، إلا أنها تتأثر بتغير المناخ وتراجع الأمطار، مما يجعل الاعتماد الحصري عليها محفوفا بالمخاطر. لكن الأخطر، بحسب المتابعين، هو غياب التخطيط الوطني والنية الجدية في الاستثمار في هذا القطاع.
في تقرير سابق لديوان المحاسبة، كشف أن بعض المنشآت المائية تعمل بجزء من طاقتها، وأن شبكات توزيع الكهرباء التي تنقل التيار من هذه المحطات تتعرض لهدر كبير بسبب الأعطال والتعديات.
خطة بديلة: شمس وماء وهواء؟
الحل، كما يرى الخبراء، لا يكمن في الاعتماد على الأنهار وحدها، بل في دمجها ضمن استراتيجية وطنية للطاقة المتجددة تشمل الطاقة الشمسية والرياح. هذا الدمج يمكن أن يوفر أمنا كهربائيا نسبيا، خاصة في المناطق الريفية والجبلية.
“الأنهار ليست معجزة، لكنها يمكن أن تكون جزءا من حل شامل إذا ما وجدت الإرادة”.
فرصة أخيرة قبل الجفاف
في بلد يعاني من نزف دائم في موارده وطاقاته، قد تكون الأنهار آخر ما تبقى من فرص الإنقاذ. لكنها لن تتحول إلى مصدر للنور ما لم يرفع عنها الغبار، ويكسر الاحتكار، وتعاد إليها الحياة… لا بالنظريات، بل بالأفعال.
اقرأ ايضا: بالفيديو: بعد الاستهداف الأميركي لمنشآتها النووية.. إيران ترد بإطلاق أكثر من 30 صاروخاً على إسرائيل