
في زمن التحولات الكبرى التي يشهدها الشرق الأوسط مع دخول الحرب الإيرانية – الإسرائيلية أسبوعها الثاني، يقف لبنان أمام مفترق خطير: بين مؤسسات دستورية على رأسها رئاسة الجمهورية تسعى إلى تثبيت الحياد، و”ثنائية شيعية” تتبنى في العلن مواقف متناقضة، لكنها في الجوهر تشي بتنسيق دقيق يعكس حسابات شيعية داخلية، وفيما تتكثف الضغوط الدولية لضبط إيقاع المواجهة الإقليمية، برزت في الساعات الماضية مبادرة أوروبية تفاوضية تأمل العواصم الغربية من خلالها تجنيب المنطقة الانفجار الشامل.
عزالدين وقاسم: خطابات عقائدية
في خطاب أشبه بالبيان التعبوي، أعلن النائب عن حزب الله حسن عزالدين، أن “المعركة اليوم ليست إلا امتداداً لمعركة كربلاء”، مشدداً على أن حزب الله “إلى جانب الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي لم تتخلَّ يومًا عن لبنان”.
هذا الموقف العاطفي – الإيديولوجي، يعكس منطقًا لم يغب يومًا عن خطاب الحزب، لكنه يكتسب اليوم خطورة مضاعفة في ظل واقع إقليمي غير مسبوق، تَستخدِم فيه إيران أدواتها العسكرية والسياسية في المنطقة – ومنها حزب الله – لتخفيف الضغط عنها.
اللافت أن خطاب عزالدين لم يُصاغ بلغة سياسية معتدلة تحفظ للبنان هامش المناورة، بل جاء كـ”مبايعة مطلقة” لإيران، في وقت يقف فيه اللبنانيون على شفير الانهيار الكامل. فكيف يمكن لحزب لبناني يُشارك في السلطة أن يعلن الانحياز الكامل لدولة تخوض حرباً مدمّرة؟ وماذا يعني ذلك لموقع لبنان في الحسابات الإقليمية والدولية؟
أكثر من ذلك، فإن هذا الخطاب لا يبدو معزولاً عن كلام نائب الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم الذي سبقه بيومين، حين قال بوضوح إن “الحزب لا يقف على الحياد”، ملمّحًا إلى الاستعداد للدخول في الحرب إذا تطلّب الأمر، ولو شكلياً أو معنوياً.
في المقابل، يحاول رئيس مجلس النواب نبيه بري لعب دور “المُطمئن”، عندما صرح أمس ان “لبنان لن يدخل الحرب 200 في المئة”، وذهب أبعد حين أشار إلى أن “إيران ليست بحاجة للبنان، بل إسرائيل هي التي تحتاج إلى دعم”.
هذا الموقف بدا ظاهريًا كأنه نقيض لما صرّح به قاسم وعزالدين، لكنه بحسب مصادر سياسية مطّلعة لا يعكس خلافًا حقيقيًا داخل الثنائية الشيعية، بل توزيعًا واعيًا للأدوار: بري يوجّه رسائل طمأنة للخارج، وتحديدًا للمبعوث الأميركي توماس برّاك، الذي التقى القادة اللبنانيين، بينما يتولى الحزب شدّ العصب الداخلي وطمأنة الحليف الإيراني إلى استمرار الولاء.
عون: لبنان لن يدخل في الحرب
وفي ردّ ضمني على كلام الحزب بما يعكس ارادة لبنانية جامعة، أكّد رئيس الجمهورية جوزاف عون أن “لبنان لن يدخل في الحرب بين إيران وإسرائيل”، مشدّداً على أن الفصل المقبل هو فصل “النهوض والإعمار”. واعتبر إن “إرادة الحياة أقوى من كل شيء، ورسالتنا أن بيروت كانت وستبقى نبض الحياة”. ولفت الى اننا “نقف من قلب بيروت النابض من هذا المكان الذي يختزل تاريخ لبنان، لنشهد على فصل جديد من النهوض والإعمار”، مشدّداً على أن “لبنان سيبقى واحة للسلام والحضارة في قلب الشرق الأوسط”.
وخلال اطلاقه واللبنانية الأولى السيدة نعمت عون ورشة اعمال تطوير وإعادة تأهيل “ساحة الشهداء” وانارة ساحة النجمة في العاصمة بيروت، شدد الرئيس عون على ان “بيروت نبض الحياة – هذا ليس مجرد شعار، بل حقيقة تسري في شرايين هذه المدينة العريقة وفي قلوب كل من يحبها”.
المبادرة الأوروبية: محاولة أخيرة لفرملة الانفجار الإقليمي
وفي وقت كان كثر يتوقعون انتهاء عملية “الأسد الصاعد” عند حدود بضعة صواريخ تطلقها طهران ردا على اغتيال تل ابيب قادتها العسكريين وعلمائها النوويين، دخل الصراع الدموي التدميري بين الدولتين اسبوعه الثاني وسط مخاوف من انزلاق الاوضاع الى حرب واسعة تحذر منها مجمل دول العالم.
وانتهت مساء أمس الجمعة محادثات جنيف بين إيران ودول “الترويكا الأوروبية” (فرنسا، بريطانيا، ألمانيا) باتفاق على عقد جولة جديدة من المفاوضات، دون تحديد موعدها.
وقد كشفت مصادر دبلوماسية عن عرض أوروبي متكامل قُدم لإيران، يتضمن أربعة محاور رئيسية:
إنهاء تخصيب اليورانيوم بنسبة عالية.
إخضاع البرنامج النووي الإيراني لمراقبة مشددة ودائمة.
وقف تطوير برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني.
الالتزام بعدم نقل التكنولوجيا العسكرية إلى الجماعات الحليفة في المنطقة.
الاتحاد الأوروبي بدوره اعتبر أن إبقاء قنوات التفاوض مفتوحة هو أمر ضروري لتفادي التصعيد وحماية أمن المنطقة.
غير أن فرص نجاح المبادرة تبقى محدودة، في ظل تصلب موقف إسرائيل التي توعّدت بمواصلة عملياتها في العمق الإيراني، وتهديد الحرس الثوري بإغلاق مضيق هرمز إذا تدخلت الولايات المتحدة عسكريًا.
اقرأ أيضا: «بالقلب والعقل».. أول حديث عن دخول «الحزب» الحرب إلى جانب إيران