
ثمة حالة من التخبط والإرباك إلى حدّ عدم مبالاة وعدم جدية الدولة اللبنانية، فيما يتعلق بعدم الحسم والحزم فيما يخص تطبيق القرار الأممي 1701 وحصرية السلاح، واتفاق وقف الأعمال العدائية، والذي تخرقه قوات العدو الإسرائيلي، والتي لا تزال تحتل خمس نقاط داخل الأراضي اللبنانية.
خصوصاً أن حزب الله لا يألو جهدًا، وفي مناسبة ومن دون مناسبة، ليمعن في التسبب بالأذى للدولة اللبنانية وشعبها، بما فيهم بيئته “الطائفة الشيعية” التي يدّعي حمايتها والحفاظ على حقوقها.
تفخيخ للموقف اللبناني
من هنا، لم يكن التصريح الأخير لأمين عام حزب الله الحالي “نعيم قاسم” إلا من ضمن هذا السياق، الذي يُعطي المبررات التي قد يستخدمها العدو الإسرائيلي لتنفيذ المزيد من الاعتداءات، والتي تطال عناصر وقادة ميدانيين في حزب الله.
وهذا العدو، لا ينتظر مبررات أو أسباب لتنفيذ اعتداءاته على مختلف المناطق اللبنانية، ولكن ضيق الأفق وعدم التعلم من دروس الماضي، ولا سيما الحرب الأخيرة، لا يزال يدفع بحزب الله إلى ارتكاب أخطاء مميتة، خصوصًا على مستوى البطولات الوهمية، التي تدفع بعض القيادات في حزب الله لارتكاب أخطاء، كما فعل ولا زال يفعل نعيم قاسم وغيره من قادة الحزب، معتبرين أن في ذلك تحديًا للعدو، بينما هي في حقيقة الأمر أعمال تدخل في سياق قصر نظر سياسي، يؤدي إلى أفعال تسبب الأذية للبنان وشعبه.
خصوصاً إذا ما تابعنا انعكاسات التصريح الأخير، والذي عبّر فيه الشيخ قاسم عن أن حزب الله ليس على الحياد، بل سيساند إيران “الجمهورية الإسلامية الإيرانية” في حال تدخلت الولايات المتحدة من جهتها في الحرب، وكأن إمكانيات حزب الله تعادل أو تزيد عن إمكانيات الجيش الأميركي وتعداد قواته وما تمتلك من أسلحة ومعدات.
وهذا، حقيقة، يُمثل قمة الجهل السياسي الذي أوصل لبنان سابقاً ولا زال إلى الهاوية، وخصوصاً في حربه الأخيرة “حرب إسناد غزة”.
ضيق الأفق وعدم التعلم من دروس الماضي، ولا سيما الحرب الأخيرة، لا يزال يدفع بحزب الله إلى ارتكاب أخطاء مميتة، خصوصًا على مستوى البطولات الوهمية
مأساة المجتمع الشيعي
هذا إن دلّ على شيء، فيدلّ على أن حزب الله ليس أكثر من كتيبة في الحرس الثوري الإيراني، وأن كل ما سُوّق له من سردية المقاومة والدفاع عن لبنان، ليست سوى كذبة كبيرة روّج ولا زال يروّج لها، لتنفيذ كل ما يخدم إيران وسياساتها بعيداً عن مصلحة لبنان والمواطنين اللبنانيين، بما فيهم من تبقى من مواطنين ينتمون للطائفة الشيعية الكريمة، الذين ذاقوا كل أنواع القهر والحرمان من جرّاء سياسة حزب الله وشريكه في الثنائية المذهبية المقيتة، والتي عاثت في لبنان فسادًا وسببت الأذية لشيعة لبنان.
حقيقة أن انعكاس تصريح الشيخ قاسم على أرض الواقع دفعت بالكثير من المواطنين الجنوبيين، وما تبقى في ضاحية بيروت الجنوبية، إلى البدء بالنزوح إلى مناطق بيروت وجبل لبنان، بحثًا عن مكان آمن يلجؤون إليه، إن أقدم حزب الله وتهوّر في فتح حرب لإسناد إيران المتهاوية والمتهالكة.
والسيئ في الأمر أن الدولة اللبنانية، من قمة الهرم إلى أدنى مستوياتها، لم ترد على قاسم، ولم تستطع اتخاذ قرار على مستوى مجلس الوزراء ينفي ما ورد في خطابه، بل لا زالت تمارس التقية حينًا والعجز المثير للريبة في أحيانٍ أخرى.
بل كل ما أقدمت عليه محاولة منع وإيقاف برنامج للإعلامي “وليد عبود”، والذي نطق بلسان حال كل اللبنانيين، وبذلك افتئات على حرية التعبير والمكرسة في الدستور اللبناني، محاباةً لطرف وحيد لا يزال يُسيء للبنان وشعبه، ويُمعن في التسبب بالدمار والخراب.
تصريح الشيخ قاسم على أرض الواقع دفعت بالكثير من المواطنين الجنوبيين، وما تبقى في ضاحية بيروت الجنوبية، إلى البدء بالنزوح إلى مناطق بيروت وجبل لبنان، بحثًا عن مكان آمن يلجؤون إليه
وللمناسبة، لو تسنّى للدولة اللبنانية وإداراتها إجراء إحصاء جدي وفعلي، لتبيّن للقيمين على الدولة، ولا سيما على من يعتبرون أنفسهم قيّمين على الشيعة ويتقاسمون المغانم وحصرية النطق باسم الطائفة الشيعية، أن عدد المهاجرين من أبناء الشيعة في ازدياد مضطرد، خصوصا الشباب منهم، كما يُسجّل نقص حاد في الإنجاب، مما سيصل بالطائفة الشيعية في المدى المنظور إلى أن تصبح أقلية كباقي الأقليات في هذا الوطن.
اقرأ أيضا: جنيف بين الحرب والسلام: هل تعيد الدبلوماسية رسم مشهد المواجهة الإيرانية – الإسرائيلية؟