
في ذروة الحرب المفتوحة بين إيران وإسرائيل، يجد لبنان نفسه بين نيران الحسابات الكبرى وسقوف الواقع الداخلي. الغارات الإسرائيلية تتكرر على الجنوب، صواريخ ومسيّرات تضرب العمق الإسرائيلي والإيراني، والمواقف تتأرجح بين الدعوة للتهدئة وقرع طبول المواجهة. وفي قلب هذه العاصفة.رغم كل شيء، يبقى لبنان الرسمي حريصًا على النأي بالنفس، وتفادي الانجرار إلى معركة لا يملك أدواتها ولا يتحمل أكلافها.
الغموض التكتيكي!
حتى الآن، يصرّ “حزب الله” على اعتماد الغموض البنّاء في ما يتعلق بانخراطه في الحرب. ميدانيًا، تسجل الخروقات والغارات في الجنوب، لكنها تبقى “محسوبة”، ضمن إطار الردود المحدودة، لا الهجوم الشامل. سياسيًا، يُسجَّل تمايز واضح بين المواقف العلنية: بري يؤكد أن الحزب لا يريد الحرب، فيما الشيخ قاسم يصعّد خطابيًا في دعم إيران.
هذا التناقض يعكس توازنًا داخليًا هشًا بين من يرى في هذه الحرب تهديدًا وجوديًا، ومن لا يريد للبنان أن يدفع ثمنًا جديدًا عن سواه. حزب الله، براغماتيًا، يحاول تأجيل المواجهة الشاملة، من دون التراجع عن موقعه ضمن المحور
زيارة باراك: إنذار مبكر وتثبيت للخطوط الحمراء
زيارة الموفد الأميركي الخاص توم باراك إلى بيروت في هذا التوقيت الحرج، لا تبدو بروتوكولية على الإطلاق. فالرجل حمل في جعبته إنذارًا مبكرًا من تدحرج الوضع جنوب لبنان إلى مواجهة شاملة، في ظل التصعيد بين طهران وتل أبيب. وتشير مصادر دبلوماسية إلى أن باراك جاء يحمل رسائل مباشرة إلى “حزب الله” عبر القنوات الرسمية اللبنانية، مفادها أن واشنطن لا تريد فتح الجبهة اللبنانية، لكنها تراقب أي تحرك ميداني من الحزب يمكن أن يغيّر قواعد الاشتباك.
في المقابل، عبّر المسؤولون اللبنانيون الذين التقوه عن تمسّك لبنان الرسمي بالتهدئة وتحييد الساحة اللبنانية عن الحرب الإقليمية، مؤكدين أن الدولة لا تتبنّى خيارات “محور المقاومة”، بل تلتزم الشرعية الدولية وقرار مجلس الأمن 1701.
التفاوض يعود عبر الدخان
في موازاة التصعيد، تكشف مصادر أوروبية عن استعداد فرنسا وألمانيا وبريطانيا لتقديم عرض تفاوضي شامل لطهران، يتضمّن تنازلات متبادلة في الملف النووي مقابل وقف الهجمات الصاروخية، وإنهاء الانخراط الإقليمي المسلح.
من جهته، يلوّح دونالد ترامب بالرد على طهران، بينما ترد قيادات الحرس الثوري بتصعيد اللهجة والوعيد: “إذا لمستم شعرة من خامنئي، فستُحرقون”. وفي الخلفية، تعمل واشنطن وتل أبيب على تنسيق مواقفهما، كما أظهر الاجتماع الأمني الذي عقد عبر الفيديو بين نتانياهو ومسؤولين أميركيين.
لكن هل يمكن فعليًا العودة إلى التفاوض وسط هذا السقف العالي من العنف؟
فقد تواصلت الحرب وشنّت إسرائيل خلال الساعات الماضية سلسلة غارات جوية استهدفت منشآت نووية ومراكز عسكرية في العمق الإيراني، أبرزها في أراك ونطنز، بالتزامن مع عمليات اغتيال لعناصر بارزة في الحرس الثوري.
في المقابل، ردّت إيران بإطلاق أكثر من 150 صاروخًا باليستيًا وأكثر من 100 طائرة مسيّرة، استهدفت منشآت حساسة داخل إسرائيل، بينها مركز غاف يام في بئر السبع ومستشفى “سوروكا”، ما أدى إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى.
سياسياً، منحت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب مهلة أسبوعين لتقييم خياراتها في حال استمرار المواجهة، بينما بدأت الدول الأوروبية، بقيادة فرنسا وألمانيا وبريطانيا، تحركًا تفاوضيًا في “جنيف” لعرض تسوية شاملة على طهران،التي وصل اليها اليوم وزير الخارجية الايراني عباس عراقجي، وتشمل خطة التسوية الاوروبية حسب المعلومات الملف النووي مقابل وقف التصعيد.
المرافق النووية “خط أحمر”
وأعلنت هيئة الرقابة النووية والإشعاعية السعودية أن أي هجوم يستهدف المرافق النووية من أي طرف يُعد انتهاكًا للقرارات والمعاهدات الدولية، في رسالة واضحة تشير إلى قلق خليجي متزايد من توسّع الحرب إلى المنشآت الحساسة.
يتقاطع هذا التحذير مع تقارير متزايدة عن عمليات إسرائيلية ضد علماء ومراكز نووية إيرانية، آخرها اغتيال عالم بارز في طهران عبر مسيّرة، وهجمات سيبرانية طالت مؤسسات إيرانية مالية وتقنية. بالمقابل، شنت إيران هجومًا صاروخيًا استهدف منشآت تكنولوجية في بئر السبع، وردّت بموجات مسيّرات على قواعد إسرائيلية.
يبدو أن الخطر بات مزدوجًا: إما مواجهة نووية صريحة أو انهيار نظام الردع المحيط بهذه المرافق. وهذا ما دفع روسيا إلى التحذير من أن أي استخدام أميركي للأسلحة النووية التكتيكية سيكون “كارثيًا”.
اقرأ أيضا: «بالقلب والعقل».. أول حديث عن دخول «الحزب» الحرب إلى جانب إيران