بقاء النظام مقابل كبح النووي الايراني: معادلة أميركية لإطفاء نار الحرب

الحرب الايرانية الاسرائيلية

على الرغم من الخسائر الفادحة التي لحقت بإيران نتيجة الغارات الإسرائيلية واستباحة مجالها الجوي، فإن تمكنها من قصف تل أبيب وصمود نظامها السياسي حتى اللحظة، أديا إلى تغيير واضح في دينامية الصراع. يبدو أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب – رغم نبرته التصعيدية – تريثت بعد إعلان مهلة الأسبوعين، ما يشير إلى تفكير جدي بفرصة سياسية تتبلور إقليميًا.

مصادر متقاطعة تؤكد أن المفاوضات الجدية التي تدور اليوم في “جنيف” بين وزير خارجية ايران ووزاراء خارجية اوروبيين، تهدف إلى بلورة اتفاق جديد لا يكتفي بتجميد النشاط النووي الإيراني، بل يطوّق طموحاتها الإقليمية ويؤسس لشراكة أميركية–عربية–إسرائيلية في إعادة رسم توازنات المنطقة.

تفكيك “فوردو” مقابل رفع الحصار

السيناريو المطروح يتحدث عن استعداد إيران لقبول تحجيمٍ نووي، عبر خطوات مثل تفكيك منشأة “فوردو” الحساسة، والالتزام بنسبة تخصيب منخفضة لليورانيوم، مقابل اعتراف دولي بنفوذها الإقليمي وبقاء نظامها السياسي دون تغيير جوهري.

نجاح طهران في فرض توازن ردع صاروخي بدون سلاح نووي، قلب المعادلات القديمة: فالصواريخ التي ضربت العمق الإسرائيلي أظهرت أن طهران باتت تملك أدوات ضغط تفوق ورقة “النووي” التقليدية. وهذا ما يجعل إسرائيل في مأزق استراتيجي: فوقف الحرب ضمن الموازين الحالية يعني بقاء النظام الإيراني وتعزيز قدراته، وربما إعادة ترميم وتطوير قوته الصاروخية بوتيرة أسرع.

من وجهة نظر إسرائيلية، إن توقفت الحرب ضمن المعطيات الحالية، تكون الدولة العبرية قد فشلت في تدمير النظام الإيراني أو شلّ قدراته على المدى البعيد. الأسوأ من ذلك، أن “نجاة” هذا النظام بعد حرب مباشرة قد تعني تعزيز شرعيته داخليًا وإقليميًا، حتى من دون امتلاك سلاح نووي.

لهذا، فإن أي اتفاق مستقبلي يجب أن يتضمن ضمانات صلبة، ليس فقط بخصوص الملف النووي، بل أيضاً بشأن تقييد التحالفات العسكرية الإيرانية في سوريا ولبنان واليمن، والحد من برنامجها الصاروخي بعيد المدى. في المقابل، تطالب طهران بشراكات اقتصادية وسياسية مع واشنطن ودول الخليج، تُنهي عزلة استمرت عقودًا.

نجاح طهران في فرض توازن ردع صاروخي بدون سلاح نووي، قلب المعادلات القديمة: فالصواريخ التي ضربت العمق الإسرائيلي أظهرت أن طهران باتت تملك أدوات ضغط تفوق ورقة “النووي” التقليدية

نحو اتفاق يغيّر وجه الشرق الأوسط

الواقع يشير إلى أن جميع الأطراف – إيران، أميركا، إسرائيل، ودول الخليج – تتقاطع حاليًا عند مسار تفاوضي نووي–إقليمي، كأفق وحيد واقعي لتجنب حرب شاملة أو انهيار أمني غير محسوب. فإسرائيل فشلت حتى الآن في فرض مسار ميداني بديل، وإيران أبدت رغبة حقيقية في العودة إلى طاولة المفاوضات – إنما من موقع قوة هذه المرة.

في حال جرى التوصل إلى اتفاق نووي محدث يتضمن ملحقات سياسية وأمنية واقتصادية، ويعترف بنفوذ إيران المقيّد، فإن الشرق الأوسط قد يشهد تحوّلًا كبيرًا: لا هزيمة كاملة لأي طرف، ولكن تحجيم مدروس يفتح الباب لتوازن جديد، يخرج فيه الجميع بخسائر مدروسة ومكاسب متفاوتة.

اقرا ايضا: بين تحذيرات باراك وتهديدات ترامب.. «الحزب» عالق في صراع الحسابات

السابق
إلى جانب الصواريخ والمسيّرات: حرب من نوع آخر بين إيران وإسرائيل.. ما هي؟
التالي
ماكرون: فرنسا وألمانيا وبريطانيا ستقدم عرض تفاوض كامل لإيران