من استهداف «النووي» إلى قصف تل أبيب.. قراءة في المكاسب والخسائر

مع دخول الحرب الإسرائيلية الإيرانية أسبوعها الثاني، بدأت تتضح معالم الصراع وآفاقه الاستراتيجية، بعد أن تجاوزت المعركة كونها مجرد تبادل للضربات، وتحولت إلى صراع وجودي مفتوح بين مشروعين متناقضين. ورغم أن إسرائيل بدأت الحرب بضربة استباقية مدمّرة طالت منشآت نووية في نطنز وأهدافًا سيادية، فإنّ الحرب أخذت منحىً أكثر تعقيدًا، حيث ظهرت قدرة إيران على الردع والتأقلم والهجوم، مقابل إخفاقات إسرائيلية متتالية في تحييد التهديدات، رغم سيطرتها الجوية الظاهرة.

أولًا: مكاسب إيران في الحرب

1. إثبات الجاهزية والرد السريع

استطاعت إيران، خلال ساعات، الرد على الضربة الإسرائيلية بمجموعة من الهجمات المركّبة، أبرزها ما أُطلق عليه “الموجة التاسعة” من الهجمات بالطائرات المسيّرة والصواريخ البالستية، والتي أُحكم تنسيقها عبر استخدام تكتيك “الإغراق والإشباع” لشلّ الدفاعات الجوية الإسرائيلية. هذا الرد لم يكن عشوائيًا، بل مدروسًا ومبنيًا على عقيدة “كسر التوازن”.

2. ضرب الجبهة الداخلية الإسرائيلية

أصاب الهجوم الإيراني صلب البنية التحتية في إسرائيل، بدءًا من قصف مجمع بازان النفطي في حيفا، مرورًا بانهيارات في أبنية تل أبيب، ووصولًا إلى الهلع العام الذي أحدثته صفارات الإنذار في عموم الوسط الإسرائيلي. وقد أدى ذلك إلى خسائر مادية وبشرية مباشرة، وتضعضع في ثقة الجمهور بمنظومة الحماية.

3. اختراق المنظومات الدفاعية الإسرائيلية

رغم امتلاك إسرائيل القبة الحديدية و”مقلاع داوود”، فقد نجحت إيران في تجاوز هذه الحواجز مؤقتًا عبر عدد من الاختراقات، ما شكّل دليلًا رمزيًا على قابلية الردع الإسرائيلي للتآكل في ظروف معينة.

4. الاحتفاظ بتماسك القيادة والقرار

على الرغم من مقتل شخصيات عسكرية وأمنية رفيعة، مثل رئيس استخبارات الحرس الثوري، فإنّ هيكل القرار السياسي والعسكري الإيراني بقي متماسكًا، واستمر في إصدار أوامر ميدانية وتصريحات تعبّر عن استمرار القدرة على المبادرة.

5. رسالة استراتيجية مزدوجة

قدّمت إيران نفسها كقوة تكنولوجية مقاومة قادرة على إيذاء عدو متفوق، لكنها في الوقت نفسه أبقت الباب مفتوحًا أمام التفاوض، ملوّحة بورقة الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي كورقة ضغط، من دون أن تعلنها رسميًا.

ثانيًا: إخفاقات إيران في الحرب

1. تفوق جوي واستخباراتي إسرائيلي

نجحت إسرائيل في استباحة المجال الجوي الإيراني جزئيًا، وفي تنفيذ ضربات مركزة شملت منشآت نووية ومقار الحرس الثوري ومبنى التلفزيون الرسمي، وهو ما يكشف اختراقًا استخباراتيًا كبيرًا وتواطؤًا محتملًا من داخل البنية الإيرانية.

2. ضربات موجعة لهيبة النظام

استهداف مقرّ التلفزيون الرسمي كان ضربة رمزية لهيبة الدولة، وقراءة واضحة أن إسرائيل تسعى لتقويض سردية النظام من الداخل، عبر حرب نفسية تستهدف المواطن العادي أكثر من الجندي.

3. خسائر بشرية ونكسة معنوية

الخسائر التي تكبّدتها إيران، خصوصًا في صفوف الحرس الثوري وبعض البنى العسكرية الحساسة، إضافة إلى تفعيل الشبكات التخريبية داخل المدن، أدّت إلى نزيف أمني داخلي أرهق طهران وجعلها تخوض حربًا مزدوجة: خارجية ضد إسرائيل، وداخلية ضد خلايا تجسس وتخريب.

ثالثًا: مكاسب إسرائيل وإخفاقاتها

1. ضربة استباقية ناجحة تكتيكيًا

بداية الحرب كانت لصالح إسرائيل، التي وجّهت ضربة نوعية لمنشآت نطنز النووية، واغتالت شخصيات رفيعة في الحرس الثوري، مما أوحى أن تل أبيب تمسك بزمام المبادرة.

2. ضرب المواقع السيادية

استهداف مقرّ التلفزيون، والشرطة، واستخبارات الحرس الثوري، يشير إلى أن إسرائيل تُعدّ العدّة لـ إسقاط النظام الإيراني أو على الأقل تقويض قدرته على الحكم. وتبدو قائمة الأهداف وكأنها مأخوذة من “كتيّب انقلابي”.

3. انكشاف هشاشة الجبهة الداخلية

رغم تفوقها العسكري، تلقت إسرائيل ضربات مباشرة على جبهتها المدنية، ما جعلها أمام واقع استنزافي لم يكن في حسبانها، خصوصًا أن الضربات الإيرانية ركّزت على أهداف رمزية: الكهرباء، الصناعة، السفارات، الأبنية السكنية.

4. الفشل في كبح التصعيد

رغم دعم أمريكي غير مباشر، لم تنجح تل أبيب في ردع إيران أو إجبارها على التراجع. بل إن طهران رفعت من سقف ردودها وبدأت بإرسال إشارات استعداد لتوسيع الجبهة في حال استمر العدوان.

رابعًا: هل تسعى إسرائيل لتغيير النظام في إيران؟

الوقائع الميدانية والسياسية تشير إلى أن تل أبيب تتجاوز أهداف الضربة النووية نحو هدف أكبر: زعزعة النظام السياسي. قائمة الأهداف التي قصفتها (منشآت سيادية، مراكز إعلام، استخبارات داخلية) توحي بمخطط لإضعاف الدولة من الداخل، معوّلة على الضغط النفسي، والتفجيرات الداخلية، ودفع الشعب للانقلاب أو الانقسام.

ورغم أن إسقاط نظام بقوة أمنية وعسكرية بحجم إيران هو رهان محفوف بالمخاطر، إلا أن الدعم الأمريكي الصامت، وتحريك “حاملة نيميتز”، وتغريدة ترامب بإخلاء طهران، كلّها إشارات إلى تنسيق استراتيجي لمحاولة الانقضاض على رأس النظام، أو على الأقل دفعه لتوقيع صفقة مذلّة على وقع الغارات.

وبالخلاصة، فإن ما يجري اليوم يتجاوز كونه مواجهة عسكرية. إنها حرب إرادات ووجود، حيث تريد إسرائيل أن تسوّي الملف الإيراني إلى الأبد، بينما ترى طهران في الصمود أو الردع النووي الطريق الوحيد للبقاء.

في هذا السياق، كلّ طرف يربح ويخسر في آن واحد. لكنّ الخسارة الكبرى تبقى في احتمال انفلات زمام الأمور نحو حرب شاملة، لا تبقي ولا تذر، في ظل غياب حلّ سياسي واقعي، وتراجع قدرة المجتمع الدولي على احتواء التصعيد.

اقرأ ايضا: حرب إيران وإسرائيل: نهاية زمن الوكالة وبداية صراع البقاء

السابق
بعد استهدافه بصواريخ إيرانية.. الشرطة الإسرائيلية تفتح تحقيقاً في انتشار صور لـ«ميناء حيفا»
التالي
قماطي: إعلان إسرائيل عن رصدها تحركات لاستعدادات حزب الله للتدخل بالحرب ذرائع كاذبة