هل تريد إسرائيل إسقاط النظام الإيراني أم إخضاعه؟

وسط الدخان المتصاعد من سماء طهران، تتوالى الأسئلة الكبرى: هل الهدف من الهجوم الإسرائيلي على إيران هو إسقاط النظام الحاكم في طهران؟ أم أن ما يجري ليس سوى فصل جديد في حرب الضغط القصوى، يرمي إلى دفع النظام الإيراني إلى توقيع اتفاق نووي جديد بشروط مذلة تُفقده أدوات الردع والهيبة الإقليمية؟ المعطيات، حتى اللحظة، تميل نحو السيناريو الثاني، في ظل تصعيد محسوب يوازن بين الضربات العسكرية والمناورات السياسية، ويجعل من التفاوض هدفًا لا مفرّ منه.

الهدف ليس التدمير بل الإخضاع

الوثيقة التي سربتها “القناة 12” العبرية، والتي وافق عليها المجلس الوزاري الأمني الإسرائيلي (الكابينيت)، توضح بدقة طبيعة وأولويات العمليات العسكرية الجارية. لم يكن الحديث عن اجتياح أو انقلاب، بل عن أهداف أربعة محددة: أولًا، شلّ المشروع النووي الإيراني عبر ضرب منشآت التخصيب والتصنيع؛ ثانيًا، تدمير منظومة الصواريخ الباليستية للحد من قدرة إيران على الردّ؛ ثالثًا، إجهاض ما تسميه إسرائيل “خطة إبادة إسرائيل”، في إشارة إلى شبكة النفوذ الإقليمي لطهران عبر وكلائها كحزب الله والحوثيين؛ وأخيرًا، وهذا هو الأهم، تهيئة الظروف لفرض اتفاق دبلوماسي بشروط إسرائيلية – أميركية، يُعيد إيران إلى ما دون عتبة الردع.

المفارقة أن هذا البند الأخير – الدبلوماسي – هو مفتاح فهم حقيقة الصراع. فإسرائيل لا تسعى حاليًا إلى إسقاط النظام الإيراني، لا عسكريًا ولا سياسيًا، بل إلى إنهاكه إلى الحدّ الذي يجعله مضطرًا للجلوس إلى طاولة المفاوضات مقيّدًا وضعيفًا، بعد أن يكون خسر أوراقه النووية والصاروخية والإقليمية دفعة واحدة. تمامًا كما حاول دونالد ترامب أن يفعل حين انسحب من الاتفاق النووي عام 2018، واضعًا إيران أمام خيارين: الخنق الاقتصادي أو التوقيع المُهين.

تريد ام تهيئة الظروف لفرض اتفاق دبلوماسي بشروط إسرائيلية – أميركية، يُعيد إيران إلى ما دون عتبة الردع.

لماذا لا يريد الغرب إسقاط النظام الإيراني؟

قد يبدو للوهلة الأولى أن تغيير النظام الإيراني حلم إسرائيلي قديم، لكن الحقيقة مختلفة. فإسقاط نظام قوي في بلد بحجم إيران، دون وجود بديل مستقر، لا يعني سوى الانزلاق إلى فوضى إقليمية خطيرة. مثل هذا السيناريو ينطوي على مخاطر كارثية: صعود جماعات متطرفة لا يمكن ضبطها؛ تفكك إيران إلى أقاليم متنازعة (أكراد، بلوش، عرب، أذريون…)؛ وربما الأسوأ، تسرب أسلحة نووية أو صاروخية إلى جهات غير معروفة.

الاستراتيجية الأكثر تفضيلًا لدى الغرب هي “الإضعاف دون الانهيار”. أي، إبقاء النظام الإيراني حيًا لكن محاصرًا، من دون أن يُمنح فرصة لمراكمة قوة صاروخية أو نووية، أو توسيع نفوذه عبر “تصدير الثورة” خارج حدوده. بهذا المعنى، تكون الضربات الإسرائيلية بمثابة تقليم متكرر لمخالب الأسد، لا قتله، خصوصًا إذا كان البديل عن خامنئي، في حال رحيله، مجهول الهوية والاتجاه.

من هنا، نفهم لماذا لم تتبنَ الولايات المتحدة موقفًا يدعو إلى تغيير النظام. بل إن إدارة ترامب، رغم نبرتها الحادة، لم تذهب يومًا إلى حد المطالبة بإسقاط السلطة في طهران. أما الآن، في خضم تصعيد عسكري غير مسبوق، فإن الحديث عن تدخل أميركي محتمل – في حال استهدفت إيران المصالح الأميركية أو هددت الملاحة في الخليج – لا يعني الانخراط في حرب شاملة، بل توفير مظلة نارية لإسرائيل تمكنها من فرض واقع سياسي جديد، مع إبقاء الباب مفتوحًا أمام عودة طهران إلى المفاوضات.

الاستراتيجية الأكثر تفضيلًا لدى الغرب هي “الإضعاف دون الانهيار”. أي، إبقاء النظام الإيراني حيًا لكن محاصرًا، من دون أن يُمنح فرصة لمراكمة قوة صاروخية أو نووية،

بين قصف المنشآت النووية وقصف الإرادة السياسية

تظهر الحسابات الجيوسياسية أن الهدف النهائي للعملية ليس إحداث تغيير جذري في بنية السلطة الإيرانية، بل دفعها إلى توقيع اتفاق نووي جديد، أكثر تشددًا، وأكثر إيلامًا. لهذا السبب، ورغم الاغتيالات التي طالت عشرات القادة والعلماء، ورغم التدمير الواسع في المنشآت النووية والعسكرية، فإن إسرائيل لم تُعلن حتى الآن عن “نجاح حاسم” في القضاء على البرنامج النووي الإيراني. بل اكتفت بالقول إنها أخّرت المشروع نحو عامين. هذا التصريح بحد ذاته، هو بمثابة عرض سياسي: “نمنحكم فرصة التراجع، لا السقوط”.

هنا تبرز المبادرة الأميركية، والتي يقودها دونالد ترامب نفسه، بصفته وسيطًا غير رسمي، لكن فعّالًا. اتصاله الأخير بولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وعرضه مبادرة تتضمن رفعًا تدريجيًا للعقوبات مقابل تجميد التخصيب، يعكس اتجاهًا أميركيًا لاحتواء الموقف وتجنب سيناريو الفوضى الشاملة. في المقابل، لا تزال إيران تلوّح بورقة الانسحاب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، والذهاب نحو خيار تصنيع القنبلة. لكنها تعلم أن هذا القرار سيعني، حرفيًا، إعلان الحرب على الغرب.

في الخلاصة، ما يجري في سماء طهران وتل أبيب ليس تمهيدًا لتغيير نظام، بل إعادة ترسيم لقواعد اللعبة. إسرائيل تُجيد الضرب، لكنها لا تملك القدرة على الاحتلال أو إسقاط الأنظمة. والغرب، وعلى رأسه واشنطن، يريد إيران ضعيفة، ولكن موحّدة وغير مفككة ومدمرة.

اقرأ ايضا: النووي الإيراني تحت النار..سكان تل أبيب في الملاجئ..وسماء لبنان ممرّ للصواريخ!

السابق
اتصال ناري بين الرئيس الإيراني ونظيره السعودي بسبب التوتّر مع إسرائيل
التالي
بالفيديو: صواريخ ايرانية في سماء لبنان.. وليلة حامية تعيشها اسرائيل