
حتى الآن، لم ينطلق من لبنان أية وجبة صواريخ باليستية، أو دفعة من مسيرات حربية لاستهداف العمق الإسرائيلي تضامنًا مع إيران في مواجهة الحرب الإسرائيلية التي أُعلنت عليها تحت عنوان: “الأسد الصاعد”. وسواء كان غياب مشاركة حزب الله في الحرب الإيرانية الإسرائيلية ناتجًا عن تعقّل من حزب الله أدى إلى تحييد نفسه وتحييد لبنان عن المعركة، أم لعدم رغبة إيران في زج حزب الله في مواجهة تفاقم الأزمة التي يتخبّط بها، أم كان غياب الحزب عن التفاعل العسكري والميداني نتيجة ضعف وتقليص فعاليته بسبب تدمير قدراته الصاروخية واستهداف هيكلياته القتالية ومخازن أسلحته الأساسية خلال حرب الإسناد الأخيرة، أو كان الأمر مزيجًا من كل هذه الأسباب والوقائع مجتمعة، فإن الاستنتاج البديهي، بعد كل ما حدث من تطورات ومستجدات، هو سقوط وظيفة سلاح حزب الله، وهو سقوط لكافة أشكال هذه الوظيفة، بأبعادها اللبنانية والإقليمية والاستراتيجية.
سقوط الوظيفة القتالية لحزب الله
فلقد سقطت وظيفة سلاح حزب الله في الإقليم، أي في سوريا والعراق واليمن وفلسطين، بعد أن سقطت فكرة “وحدة الساحات” والتي دفع السيد نصرالله حياته ثمنًا لتمسكه بها، وبعد كارثة غزة، وهروب الأسد، ودمار اليمن. كما سقطت وظيفة هذا السلاح في حرب الإسناد بعد أن فشلت في تحقيق توازن رعب مع إسرائيل، وقوة ردع تمنعها من استباحة لبنان وسيادته وأراضيه وأجوائه ومدنه. وسقطت وظيفة هذا السلاح مرة ثالثة، حين امتنع حزب الله عن المشاركة في معركة الدفاع عن الجمهورية الإسلامية وقلعة الولي الفقيه في لحظة تعرضها للمذلة والمهانة الفادحة.
لذلك، لم يعد هناك أية فائدة أو مبرر لقيام بعض العناصر والمجموعات بالتصدي لقوات اليونيفيل في جنوب لبنان بهدف التستر على سلاح مخبأ أو مخزن عتاد مموه، وبات التصدي لقوات اليونيفيل والاعتداء على عناصرها أمرًا يتجاوز كل منطق أو مصلحة. فالقوات الدولية في جنوب لبنان تلعب دورًا هامًا في ضمان استقرار أهل الجنوب في أرضهم، وتساهم في تنمية مدنهم وقراهم، وفي تقديم خدمات صحية ومعيشية، وتشكل ضمانة معقولة لتنفيذ كلي وشامل للقرار الدولي 1701، والعودة إلى احترام الخط الأزرق. وبناءً على ذلك، فإن تهديد هذه القوات ومحاصرتها والدفع لانسحابها وإنهاء مهماتها سيفتح الباب مشرعًا لحكومة اليمين الإسرائيلي لكي تستمر باحتلالها للنقاط الخمس في الجنوب، ولمداومة عمليات الاغتيال والقصف التي تقوم بها مسيّراتها في مناطق مختلفة من لبنان، وستحرم لبنان من شاهد عيان يرصد جرائم إسرائيل ويوثقها أمام العالم. إن أهمية هذا الأمر ترتب تدابير وتعابير ضرورية لا يصح إلا اعتمادها:
أولًا – يجب الإقلاع عن تسمية هؤلاء بـ “الأهالي” لأنهم أعضاء بلباس مدني من حزب الله، كما سماهم بيان اليونيفيل الأخير.
ثانيًا – ليس من مهمة هؤلاء “الأهالي” المحاسبة والتدقيق في مهمات قوات اليونيفيل، فإذا كان هناك من مبالغات من قبل هذه القوات، فإن الجيش اللبناني هو المسؤول عن ذلك.
ثالثًا – إن واجبات الجيش ومسؤولياته الاعتقال والإحالة إلى القضاء لكل من يستعمل العنف ويحاول إعاقة عمل قوات اليونيفيل، وهي جريمة ينص عليها القانون اللبناني؛ معاملة قوات الأمن (أو اليونيفيل) بالشدة ومنعها من القيام بمهماتها.
لم يعد هناك أية فائدة أو مبرر لقيام بعض العناصر والمجموعات بالتصدي لقوات اليونيفيل في جنوب لبنان بهدف التستر على سلاح مخبأ أو مخزن عتاد مموه
اختراق عسكري وأمني غير مسبوق
في موازاة ذلك، تستمر المواجهة العسكرية بين إسرائيل وإيران متصاعدة، تفتح الطريق لاحتمالات متعددة. ويمكن حتى الآن التأكيد أننا نشهد نهاية مرحلة الحروب بالواسطة، التي أجادت إيران ممارستها، عبر الاشتباك بواسطة أذرعها في الإقليم، وأننا أمام حرب بين إسرائيل وإيران دقّت ساعة الحقيقة فيها مواجهة مباشرة. لقد استطاعت إسرائيل حتى الآن استغلال عنصر المفاجأة، ونجحت باغتيال القادة العسكريين الإيرانيين (21 جنرالًا) والعلماء النوويين (6 علماء)، مما شكّل ضربة كبيرة لمكانة إيران الإقليمية، وقطع رأس هيكلياتها العسكرية والعلمية، كما كشف هشاشة أنظمة دفاعها الجوي، بعد هجوم سيبراني أدى لتعطيل راداراتها.
لكن المفاجأة المدوية والمذهلة كان حجم الاختراق الأمني الإسرائيلي الكبير، الذي مكّن إسرائيل من إقامة مصنع مسيرات مفخخة داخل إيران، استُعملت منه مئتا طائرة اشتبكت في أول لحظات الهجوم. كما تواترت أنباء أخرى عن قيام مجموعات للموساد بنصب صواريخ أرض-أرض من داخل إيران لتدمير الدفاعات الجوية الإيرانية، وكان من نتيجة ذلك تداعي السرديات السابقة عن قدرات الجمهورية الإسلامية.
وتبقى أسئلة عديدة تنتظر الحسم حول الخيارات العسكرية أمام النظام الإيراني ومدى قدرته على جعل المواجهة عالية الكلفة على إسرائيل. وعلى الرغم من أن إسرائيل لم تتكلم حتى الآن عن نجاح ملموس في تدمير المنشآت النووية الإيرانية، بل تحدثت في لحظة نشوتها بنجاح عمليتها العسكرية عن تأخير البرنامج النووي الإيراني عن إنتاج قنبلة نووية مدة سنتين، ثم تراجعت لتقول إنها مست المنشآت النووية بأضرار جدية!؟
ليس واضحًا حتى الآن إذا كانت إسرائيل تخطط فعلًا لضرب النظام الإيراني بعد تصريحات نتنياهو عن أن قادة إيران “يحزمون حقائبهم للسفر والمغادرة”، أم تكتفي بتجميد البرنامج النووي الإيراني، وهو هدف ليس واضحًا أنه يمكن تحقيقه دون اتفاق وتسوية سياسية جديدة!؟
ولعل موقف الرئيس الأميركي ترامب بدعوة إيران للتفاوض بعد اندلاع الحرب الراهنة، يؤشر إلى أنه يفضل إيران “مدجّنة” على خيار انهيار نظام خامنئي الذي يمكن أن يُحدث فوضى كبيرة في المنطقة. ويتلاقى هذا الأمر مع موقف خامنئي الذي يترك الباب مفتوحًا على الحلول السياسية.
المفاجأة المدوية والمذهلة كان حجم الاختراق الأمني الإسرائيلي الكبير، الذي مكّن إسرائيل من إقامة مصنع مسيرات مفخخة داخل إيران، استُعملت منه مئتا طائرة اشتبكت في أول لحظات الهجوم
الصواريخ الإيرانية التي استهدفت إسرائيل لم تتمكن من ترميم صورة إيران المتكسّرة ومن حفظ ماء وجهها. وليس أكيدًا أن إسرائيل تمكنت من تحييد الخطر النووي الإيراني، لكنها تنجح في مواجهة الصواريخ الباليستية الإيرانية. وتبقى خيارات إيران محدودة بين أمرين كلاهما مُرّ: العودة إلى طاولة المفاوضات بشروط ترامب ومكانتها مهيضة، أو مواجهة خيارات عسكرية تهدد مرافقها الاقتصادية والنفطية.
ويبقى أن تذهب إيران إلى خيار ثالث، وهو الانسحاب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية والعمل على إنتاج القنبلة النووية، وهو أمر ينقل الحرب إلى مواجهة مع الغرب وأميركا.
اقرأ ايضا: النووي الإيراني تحت النار..سكان تل أبيب في الملاجئ..وسماء لبنان ممرّ للصواريخ!