
ليس السؤال مزحة او في معرض السخرية، بل اطرحه بكل جدية وبقلق شديد.
يتساءل كثيرون عن دوافع حزب الله من وراء تحريض بيئته على قوات “اليونيفيل” وتقاطع هذا التحريض مع تشكيك اسرائيل بهذه القوات وسعيها لعدم التجديد لها، ربما بدعم من الولايات المتحدة الاميركية. كما انهم يتساءلون عن قبوله بتعرض عناصره بالعنف الشديد لمعارضين شيعة حتى ولو كانوا مشايخ من مثل الشيخ ياسر عودة.
لا استبعد ان يقوم عناصر من حزب الله عفوياً ودون أوامر من قياداتهم بممارسة العنف الجسدي ضد آخرين، كتعبير عن قهرهم والحاجة الى الاستقواء على من هم أضعف منهم بعد الهزيمة التي مُنِيوا بها على يد إسرائيل. لكني أعتقد ان آليات الردع عند حزب الله لهذه الأعمال- اذا كانت عفوية- لا يمكن ان تسمح بتكرارها كما يحصل في الآونة الأخيرة.
بعد بدء الهجوم الاسرائيلي على ايران، هل يعود المرشد الى رشده ويجيّر بعضه الى “حزب الله”، حفاظاً على نظامه بوجه المجرم نتنياهو، هذا المجنون الذي وُضع بتصرفه الذكاء البشري والاصطناعي العالمي؟
لذلك يصبح التساؤل مشروعاً حول مصلحة حزب الله بهذه الممارسات، في وقت تزداد عليه الضغوط المحلية والدولية لتسليم سلاحه.
مشكلة هذا التساؤل انه يفترض ان حزب الله هو حالياً بكامل عقله، وهو يتصرف بالتالي بعقلانية تراعي مصلحته ومصلحة بيئته. هذا الافتراض مشكوك بصحته لأسباب ثلاثة على الاقل.
اولا، بسبب احتمال وجود انقسام داخل الحزب، مما قد يفسر التصرفات العشوائية والتناقض بين التصريحات والتصرفات.
ثانياً، لأن تبعية حزب الله لإيران التي تدعّمت بعد اغتيال قياداته، تسمح بالإعتقاد ان الحزب بتصرفاته المستغربة، لا يفكر بمصلحته او بمصلحة بيئته، بقدر ما يعمل لصالح إيران. والمرحلة اليوم هي مرحلة عرض عضلات بالتوازي مع تعقّد المفاوضات الاميركية- الايرانية.
ثالثاً، عندما يتعرض فرد لما تعرض له حزب الله من خسارة في الأرواح والممتلكات ومن سقوط لمشروعه الاقليمي والمحلي الذي أمضى اربعين سنة من حياته لبنائه، لا يبقى هذا الفرد متزناً عقلياً، فكيف اذا كانت الظاهرة جماعية. فقد دلّت التحليلات النفسية-الاجتماعية لظاهرة الجماهير وتصرفاتها، الى ان عقل الجماهير المثارة اقل قدرة على استخدام المنطق وهو اكثر نزوعاً نحو العنف، بالمقارنة مع عقل الفرد العادي الذي ينتمي اليها ويتحرك في إطارها.
ما يُطلب من عناصر حزب الله ومن قسم كبير في بيئته الحاضنة، هو تقبل حصول انقلاب ذهني- نفسي- سلوكي في شخصيتهم، انقلاب بكل ما للكلمة من معنى، لا يخرج منه سليماً كل من يتعرض له او يُفرض عليه
ماذا نتوقع من تنظيم بنى سلطته على قوة السلاح ولم تسمح له عقيدته ان “يتعايش” مع دولة الا بعد ان عزل نفسه وبنى “دويلته” على قياسه وبإستقلالية تامة عن سلطة هذه الدولة؟
ماذا نتوقع ان يحصل في الخلايا الدماغية لعناصر الحزب، عندما يُطلب منهم التخلي عن سلاحهم والانخراط في دولة يحكمها نظام دستوري ديموقراطي يعتبر الشعب مصدر السلطات وليس ولي الفقيه الذي لم يتعودوا الخضوع الا له؟
ما يُطلب من عناصر حزب الله ومن قسم كبير في بيئته الحاضنة، هو تقبل حصول انقلاب ذهني- نفسي- سلوكي في شخصيتهم، انقلاب بكل ما للكلمة من معنى، لا يخرج منه سليماً كل من يتعرض له او يُفرض عليه.
مما يجعلنا نعيد النظر بالتساؤل حول مصلحة الحزب في استمرار تصرفاته كما هي حالياً تجاه اليونيفيل وتجاه معارضيه، فيصبح التساؤل ما اذا كانت مصلحة الحزب هي في “خراب البصرة” وفي مقولة “عليّ وعلى أعدائي يا رب”، بدل القبول بمشقة الانخراط في الدولة والخضوع لشروطها ومتطلباتها القاسية بالمعنى النفسي والجسدي والتنظيمي والعقائدي؟
المصيبة ان تصرفات حزب الله لا تصيبه وحده، بل تصيب بيئته وشعبه ووطنه، قبل حربه مع اسرائيل وخلالها وبعدها. من هنا مسؤولية الجميع، وعلى رأسهم رئيس الجمهورية والحكومة، في محاولة إنقاذ حزب الله من نفسه. ف”بعد خراب البصرة لا تنفع الحسرة”، كما يقولون
“خراب البصرة” لا يرتبط فقط بإنسحاب “اليونيفل” في ايلول وبعودة الحرب مع اسرائيل. بل قد يجري التمهيد له منذ الآن من خلال إستمرار الحزب برفض تسليم سلاحه، والتصعيد المحتمل حول قضية انفجار المرفأ مع صدور او اقتراب صدور القرار الظني، إضافة الى استخدام التحرك العمالي المعيشي المرتقب ضد الحكومة.العاجزة عن معالجة الأزمة المعيشية، وخاصة ان “الثنائي الشيعي” يمون على الاتحاد العمالي العام. سيؤدي كل ذلك حكماً الى تفاقم الأزمة السياسية والاقتصادية واستعصاء حلّها الا عن طريق طرح المسألة المتعلقة ب”تركيبة الدولة”.
إقرأ أيضا: عندما امتنعت إيران من الدفاع عن أذرعها
سبق ان نشرت مقالاً في “النهار” طارحاً اعتقادي بأن الفدرالية قد تغري حزب الله، بعد ان اصبح مستحيلاً عليه الهيمنة على البلاد من جهة او الانخراط فيها بصيغتها المركزية الحالية من جهة ثانية. لا زلت عند ظني، لكني بت اميل اكثر الى الاعتقاد، ان حزب الله قد يحاول، من خلال تأزيم الاوضاع، الدفع بإتجاه إعتماد الكونفدرالية، وليس الفدرالية، التي تحافظ على حد اقصى من استقلالية دويلته وربما تساعد على إيجاد حل لسلاحه الذي لا يمكن فصله عن عقيدته وهويته. ذلك انه يتعذر التشبه بالعراق في مجال تشريع “الحشد الشعبي” ككيان عسكري له خصوصيته، في اطار الجيش العراقي الرسمي. فالحل العراقي لم يكن ممكناً لولا نفوذ الشيعية السياسية المترافقة مع التركيبة الديموغرافية في العراق بأكثريتها الشيعية. وهذا ما ليس متوفراً في لبنان.
المصيبة ان تصرفات حزب الله لا تصيبه وحده، بل تصيب بيئته وشعبه ووطنه، قبل حربه مع اسرائيل وخلالها وبعدها. من هنا مسؤولية الجميع، وعلى رأسهم رئيس الجمهورية والحكومة، في محاولة إنقاذ حزب الله من نفسه. ف”بعد خراب البصرة لا تنفع الحسرة”، كما يقولون.
بعد بدء الهجوم الاسرائيلي على ايران، هل يعود المرشد الى رشده ويجيّر بعضه الى “حزب الله”، حفاظاً على نظامه بوجه المجرم نتنياهو، هذا المجنون الذي وُضع بتصرفه الذكاء البشري والاصطناعي العالمي؟