
عادت قضية السلاح الفلسطيني في لبنان إلى الواجهة من جديد، بعد التطورات التي شهدها لبنان منذ انتخاب رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون، وإصرار العهد الجديد على حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية، وهو أمر تعهد به رئيس الجمهورية في خطاب القسم ورئيس الحكومة نواف سلام في البيان الوزاري لحكومته.
وجاءت زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس اليوم إلى بيروت لترسم خارطة طريق جديدة ومسار جديد للسلاح الفلسطيني في لبنان، حيث أكد الجانبان اللبناني والفلسطيني، وفي بيان القصر الجمهوري على “التزامهما بمبدأ حصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية، وإنهاء أي مظاهر خارجة عن منطق الدولة اللبنانية. كما أكدا على أهمية احترام سيادة لبنان واستقلاله ووحدة أراضيه”.
وأعلنا إيمانهما بأن “زمن السلاح الخارج عن سلطة الدولة اللبنانية، قد انتهى، خصوصاً أن الشعبين اللبناني والفلسطيني، قد تحمّلا طيلة عقود طويلة، أثماناً باهظة وخسائر فادحة وتضحيات كبيرة”.
وشددا على” تعزيز التنسيق بين السلطات الرسمية، اللبنانية والفلسطينية، لضمان الاستقرار داخل المخيمات الفلسطينية ومحيطها”.
وكان رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، وصل اليوم إلى بيروت في زيارة رسمية تستمر ثلاثة أيام.
وناقش الرئيس الفلسطيني محمود عباس مع الرئيس جوزاف عون، ملف السلاح الفلسطيني في لبنان، خلال الزيارة التي بدأها اليوم الأربعاء.

وقال مصدر حكومي لوكالة فرانس برس إن زيارة عبّاس “تهدف إلى وضع آلية تنفيذية لتجميع وسحب السلاح من المخيمات”.
وقال رئيس دائرة العلاقات الوطنية في حركة حماس في لبنان علي بركة لفرانس برس قبيل وصول عباس “نطالب الحكومة اللبنانية والرئيس محمود عباس أن تكون المقاربة شاملة ولا تقتصر على ملف السلاح أو الجانب الأمني”.
إقرأ أيضا: محمود عباس في بيروت..وأسئلة ترافق عودة أورتاغوس القريبة إلى بيروت
وتعدّ هذه الزيارة الأولى لعبّاس إلى لبنان منذ العام 2017. وجاء في بيان مشترك عقب اللقاء بين الرئيسين في قصر بعبدا، أن الجانبين شدّدا على ضرورة حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية، ورفض أي مظاهر خارجة عن منطق الدولة، مؤكدَين انتهاء زمن السلاح غير الشرعي، بعد ما تحمّله الشعبان اللبناني والفلسطيني من “أثمان باهظة وخسائر فادحة وتضحيات كبيرة” على مدى عقود، بحسب الوكالة الوطنية اللبنانية للإعلام.

وأكد الجانب الفلسطيني “التزامه بعدم استخدام الأراضي اللبنانية كمنطلق لأي عمليات عسكرية، واحترام سياسة لبنان المعلنة والمتمثلة بعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى والابتعاد عن الصراعات الإقليمية”.
واعرب الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن شكره “وتقديره للرئيس اللبناني العماد جوزاف عون على حفاوة الاستقبال وكرم الضيافة، مؤكداً عمق العلاقات الأخوية بين الشعبين الشقيقين، ومجدداً التزام دولة فلسطين بدعم أمن لبنان واستقراره وسيادته على كامل أراضيه”.
وعن الاتفاق على رؤية موحدة لبنانية-فلسطينية بما خص موضوع السلاح، قالت المتحدثة باسم الرئاسة نجاة شرق الدين، الى أنه “تم الاتفاق على رؤية موحدة والبيان المشترك يشير الى ذلك، لاسيما بالنسبة لتشكيل لجنة لمتابعة كل التفاصيل المتعلقة بموضوع المخيمات”.
وقالت “لم تحدد الاسماء بعد، ولكن اللجنة ستكون امنية وسياسية وتهتم ايضًا بموضوع اللاجئين الفلسطينيين ووضعهم الاجتماعي والانساني”.
واشارت رداً على سؤال الى أنه “لا يوجد جدول زمني لذلك، ولكن سيتم ذلك بسرعة ومن دون تسرع كما يقول رئيس الجمهورية”.
إقرأ أيضا: المحاصصة تحت شعار المناصفة في بيروت.. علي الأمين: مسألة نزع السلاح لا مفر منها ولا يمكن إهمالها
وتنشط في بعض المخيمات على الأراضي اللبنانية فصائل فلسطينية مسلّحة عدة مدججة بالسلاح.
ما هي هذه الفصائل؟
حركة فتح:
تأسست حركة فتح في عام 1959 وهي أقدم مجموعة فلسطينية مسلحة في لبنان. تشكّلت تحت قيادة ياسر عرفات الذي استمر بقيادتها حتى وفاته في عام 2004. وهي منظمة علمانية واشتراكية. وتأسست كتائب شهداء الأقصى التابعة للحركة عام 2000، وتنشط في المخيمات الفلسطينية في لبنان بقيادة منير المقدح.

وتُعدّ فتح عنصراً أساسياً في منظمة التحرير الفلسطينية وجزءًا من السلطة الفلسطينية. ومنظمة التحرير الفلسطينية هي الكيان المعترف به دولياً كممثل شرعي للفلسطينيين. تأسست المنظمة في عام 1964 وتضم عدة فصائل فلسطينية أبرزها حركة فتح، والجبهتان الشعبية والديمقراطية لتحرير فلسطين، إضافة إلى مؤسسات أخرى تشمل المجلس الوطني الفلسطيني واللجنة التنفيذية.
حركة حماس:
تأسست حركة حماس في عام 1987، وهي مقربة من جماعة الإخوان المسلمين وتعد الفصيل الإسلامي الفلسطيني الأبرز. لطالما عارضت حركة فتح، وتتأرجح العلاقات بينهما بين التوتر والمصالحة. كما تُعتبر حماس حليفاً قريباً لحزب الله وإيران.

الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين:
هي منظمة ثورية ماركسية لينينية تأسست على يد جورج حبش عام 1967. كانت تاريخياً ثاني أكبر عضو ضمن منظمة التحرير الفلسطينية، وتأرجحت علاقتها مع حركة فتح عبر التاريخ. أحمد سعدات المعتقل في السجون الإسرائيلية هو الأمين العام الحالي لها.

الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة:
هي فصيل فلسطيني مسلح تأسس في عام 1968 كمنظمة منشقة عن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. أمينها العام الحالي هو طلال ناجي، بعد أحمد جبريل الذي كان أحد القادة العسكريين في الجبهة الشعبية وقد توفي عام 2021.
إقرأ أيضا: «أكاديمية هاني فحص للحوار والسلام» تنظّم حفل منح جائزتها لرمز النضال السلمي الفلسطيني الرئيس محمود عباس
الجبهة الديمقراطية الشعبية لتحرير فلسطين:
هي منظمة ثورية علمانية ماوية تأسست في عام 1968 على يد نايف حواتمة، وهي أيضاً عضو في منظمة التحرير الفلسطينية.
عصبة الأنصار:
تأسست في التسعينيات، وهي جماعة جهادية سلفية كانت نشطة جداً حتى عام 2010، ولها وجود قوي في مخيم عين الحلوة.
جند الشام:
جماعة إسلامية سلفية مرتبطة بتنظيم القاعدة، تأسست في عام 1991 وتعارض حركة فتح، حيث خاضت معها معركة في عام 2006.
عصبة النور:
جماعة سلفية إسلامية مرتبطة أيضاً بتنظيم القاعدة. اندلعت اشتباكات بينها وبين فتح للسيطرة على مخيم عين الحلوة. أدت المفاوضات إلى وقف إطلاق النار بين المجموعتين.
ولطالما كان مخيم عين الحلوة مسرحاً للاشتباكات بين الفصائل الفلسطينية المتناحرة. وفي حين أن بعض المخيمات الفلسطينية غير مسلحة، فإن عين الحلوة يعتبر ملاذاً للعديد من الفصائل الفلسطينية المسلحة التي تتغير تحالفاتها أحياناً وتتنافس مصالحها.
لماذا هناك وجود فلسطيني مسلّح في لبنان؟
بين أواخر عام 1947 حتى أوائل عام 1949 نزح نحو 750 ألف فلسطيني خارج الأراضي التي أصبحت فيما بعد إسرائيل، بعد طرد معظمهم أو فرارهم خوفاً على سلامتهم، ولم يُسمح لهم بالعودة.
واستقبل لبنان نحو 100 ألف منهم، استقروا في 12 مخيماً للاجئين في جميع أنحاء البلاد.
إقرأ أيضا: السلاح الفلسطيني في لبنان يعود إلى الواجهة… واتصالات لضبط الفوضى قبل الانفجار
عام 1969، وبعد انطلاق بعض العمليات العسكرية من جنوب لبنان ضد إسرائيل، أبرم الأفرقاء في لبنان اتفاقية القاهرة في ما بينهم برعاية الرئيس المصري آنذاك جمال عبد الناصر.
نصّت الاتفاقية على أنه لا يمكن نشر الجيش اللبناني داخل المخيمات الفلسطينية في لبنان، وأن الفصائل الفلسطينية الموجودة في المخيمات هي المسؤولة عن أمنها.
بحلول عام 1971، أصبح لبنان القاعدة الوحيدة لمقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية، بعد اشتباكات مسلحة بين مقاتلي المنظمة والجيش الأردني، عُرفت بأحداث “أيلول الأسود” عام 1970 والتي قضت على وجودهم في المملكة.

في بداية السبعينيات، امتد نفوذ منظمة التحرير الفلسطينية إلى مناطق خارج المخيمات في بيروت وجنوب لبنان، وأصبحت بعض المناطق في الجنوب تُعرف باسم “فتح لاند” (أرض فتح)، بينما ظهرت “جمهورية الفاكهاني” في غرب بيروت، في إشارة إلى الحي الذي كان يضم المقر الرئيسي لمنظمة التحرير الفلسطينية.
وإلى جانب استخدامها لبنان كقاعدة عمليات للغارات على إسرائيل ومصالحها في جميع أنحاء العالم، بدأت منظمة التحرير الفلسطينية وفصائلها سلسلة من عمليات اختطاف الطائرات التي استهدفت الرحلات الجوية الإسرائيلية والدولية التي تقل الإسرائيليين.
وكان لهذه العمليات تأثير كبير على الاستقرار الداخلي في لبنان وزيادة الصراع الطائفي، لا سيما بين أحزاب اليمين المسيحي وأحزاب اليسار المتحالف مع منظمة التحرير الفلسطينية، في أزمةٍ تحولت في نهاية المطاف إلى حرب أهلية شاملة بدءاً من 13 إبريل/ نيسان 1975.
مغادرة منظمة التحرير الفلسطينية لبنان

لعبت الفصائل الفلسطينية المسلحة دوراً كبيراً في الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990)، ويرى بعض اللبنانيين أن الوجود الفلسطيني المسلّح في لبنان هو السبب الرئيسي لاندلاع الصراع الأهلي.
في البداية، تحالف العديد من الفصائل الفلسطينية، وبخاصة حركة فتح، مع الجماعات اللبنانية اليسارية مثل الحركة الوطنية اللبنانية ولعبت دوراً رئيسياً في الجولة الأولى من الحرب الأهلية والتي تُعرف باسم “حرب السنتين” (من أبريل/ نيسان 1975 حتى أكتوبر/ تشرين الأول 1976).
وفي يونيو/ حزيران 1982، بدأت إسرائيل اجتياحاً واسع النطاق للبنان تحت عنوان الرد على محاولة اغتيال فاشلة لسفيرها في لندن، شلومو أرغوف. وقد أُعلن عن هذا الهجوم من قِبَل مجموعة منشقّة عن منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة صبري البنا، المعروف أيضاً باسم أبو نضال.
إقرأ أيضا: للحقيقة والتاريخ..وليس دفاعاً عن محمود عباس!
قُدِّرت الخسائر المدنية اللبنانية والفلسطينية بين 17 ألف و20 ألف وفق تقارير منظمات إنسانية كالصليب الأحمر الدولي ومنظمة العفو الدولية،. بينما قُدِّرت خسائر الجيش الإسرائيلي بحوالي 650 جندياً وفقاً لمصادر حكومية إسرائيلية ومنشورات الجيش الإسرائيلي.
أجبر الاجتياح منظمة التحرير الفلسطينية على مغادرة مقرها في بيروت بموجب اتفاق جديد توسط فيه مبعوث الأمم المتحدة آنذاك فيليب حبيب. ومع انتقال حوالي 12 ألف مقاتل إلى العديد من الدول العربية، شكل اجتياح 1982 نهاية وجود منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان.
عودة مقاتلين فلسطينيين إلى لبنان

بعد أقل من أسبوعين على مغادرة منظمة التحرير الفلسطينية، شهد مخيما صبر وشاتيلا للاجئين مجرزة راح ضحيتها الآف الفلسطينيين من القتلى والجرحى والمفقودين.
ومع انتهاء إسرائيل من انسحاب جزئي من جنوب لبنان بحلول ربيع 1985 في أعقاب تصاعد الهجمات المسلحة ضدها من قبل فصائل لبنانية مختلفة، عاد مقاتلو منظمة التحرير الفلسطينية إلى المخيمات في المنطقة. وأعادوا تنظيم صفوفهم وبدأوا الاستعداد لاستئناف أنشطتهم المسلحة ضد القوات الإسرائيلية المتبقية في جنوب لبنان.
لكن العائدين اصطدموا بحركة أمل التي كانت تمثل المجتمع الشيعي اللبناني وكانت شعبيتها كبيرة في جنوب لبنان. وعلى الرغم من أنها نفذت عمليات عسكرية ضد الجيش الإسرائيلي في الجنوب، كانت حركة أمل مصممة على عدم السماح باستئناف منظمة التحرير الفلسطينية هجماتها على إسرائيل من الأراضي اللبنانية.
في السنوات التالية تراجع النشاط المسلّح الفلسطيني في لبنان. وتم إلغاء اتفاقية القاهرة من قبل البرلمان اللبناني في مايو/ أيار 1987. وفي أكتوبر/ تشرين الأول 1989، وقع النواب اللبنانيون اتفاقاً بوساطة سعودية-سورية لإنهاء الحرب الأهلية في البلاد، عُرف باسم “اتفاق الطائف”.
وفي محاولة لاستعادة سلطته في جميع أنحاء البلاد، نشر الجيش اللبناني قواته في مناطق واسعة من جنوب لبنان في يوليو/ تموز 1991، مما أجبر مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية على العودة إلى المخيمات.
ما بعد الحرب الأهلية

بعد انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية شهدت العديد من الفصائل الفلسطينية المسلحة انخفاضاً في عملياتها العسكرية وتحولاً نحو الأنشطة السياسية. وكان اتفاق الطائف، الذي أنهى الحرب الأهلية، يهدف إلى نزع سلاح الميليشيات واستعادة سلطة الدولة، مما أدى إلى توترات بين الدولة اللبنانية والفصائل الفلسطينية.
ووضعت الحكومة اللبنانية ترتيبات أمنية مع الفصائل الفلسطينية في مخيمات اللاجئين، مما سمح لها بالحفاظ على درجة من الحكم الذاتي مع الحد من قدراتها العسكرية.
وعلى الرغم من جهود نزع السلاح، استمرت وجود الفصائل الفلسطينية المسلحة في لبنان.
وتحافظ جماعات مثل فتح وحماس والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وغيرها على وجودها في مخيمات اللاجئين، وغالبا ما تنخرط في القضايا الأمنية والسياسية المحلية.
ووقعت اشتباكات دورية بين مختلف الفصائل الفلسطينية، وكذلك بين الجماعات الفلسطينية والجيش اللبناني.
وتشمل الحوادث البارزة النزاعات في مخيم نهر البارد شمال لبنان عام 2007 وفي مخيم عين الحلوة، خصوصاً النزاع الذي شهده في يوليو/ تموز عام 2023، حيث اندلعت التوترات بين حركة فتح وجماعات أخرى مثل عصبة الأنصار وجند الشام.