في رثاء ابو شريف وهبي: كُنتَ رَفيقَ العُلَماءِ وَجَليسَ الأَخْيارِ وحبيبَ المُجاهدينَ..

ابو شريف نموذج لصاحب البيت وصاحب الكلمة والرجل الذي لا يرد سائلا والكريم في دماثته واخلاقه، والذي يعرف الغث من السمين، فلا يخطئ في تقدير قيمة من يلقاه. هو يمثل نخبة جيل من الكبار الذين يهبون اذا نادى المنادي، الحاضر حين يتخفى الآخرون او يختفون، كان مجبولا بالنخوة والأخلاق والجرأة والكرم...ابو شريف برحيله يتيتم الكثيرون ممن عرفوه وممن أحبوه وممن يشعرون في ان غيابه يزيد من ثقل المحن والمآسي، فروسية ابوشريف يفتقدها جبل عامل وكل من عرفه و جالسه.

رَحِمَكَ اللهُ يا أَبَتاهُ، 

يا مَن كُنتَ لِيَ الحياةَ بِكُلِّ مَعانيها.

كُنتَ نَبضَ قَلبي، وصَدى رُوحي، وعَمودَ بَيْتنا الَّذي عَلَتْ بِكَ أركانُهُ.

لَم تَكنْ والِدي فَحَسْب، بَل كُنتَ صَديقي، ومُرْشِدي، وسَنَدِي فِي كُلِّ مَسِيرَتي.

ما زِلْتُ أذْكُرُ طِيبَ مَجالِسِكَ، وَسَماحَةَ وَجْهِكَ، وَحِكْمَةَ لِسانِكَ.

كُنتَ مَحبوبًا فِي بَلْدَتِكَ، يُجِلُّكَ الصَّغيرُ وَيَحْتَرِمُكَ الكبيرُ،

كُلُّ مَن عَرَفَكَ، شَهِدَ لَكَ بِحُسْنِ الخُلُقِ، وَنَقاءِ السَّرِيرَةِ، وَطِيبِ المَعْشَرِ.

كُنتَ رَفيقَ العُلَماءِ، وَجَليسَ الأَخْيارِ، وحبيبَ المُجاهدينَ؛

تَسْتَمِعُ بِصَدْرٍ واسِعٍ، وَتَنْطِقُ بِكَلِمَةِ الحَقِّ، لا تَخافُ فِي اللهِ لَوْمَةَ لائِمٍ.

أَنْشَأْتَ بَيْتًا عَلَى التُّقى، وَغَرَسْتَ فِينا مَعاني الإيمانِ، وَقِيَمَ المروءَةِ وَالصَّبرِ.

وفي آخِرِ أَيّامِكَ، حِينَ اشتَدَّ عَلَيْكَ الوَجَعُ،

صَبَرْتَ صَبْرَ الأَنْبِياءِ، وَرَضِيتَ بِقَضَاءِ اللهِ رِضا المُوَقِنِينَ.

لَم أَسْمَعْكَ تَتَأَوَّهُ، وَلا تَشْكُو، بَلْ كُنتَ تُسَبِّحُ وَتَحْمَدُ، كَأَنَّكَ تُهَيِّئُ رُوحَكَ لِلرَّحِيلِ الطَّيِّبِ.

ما زِلْتُ أذْكُرُ يَوْمَ وَقَعَ خَبَرُ رَحِيلِكَ عَلَى النَّاسِ،

كَيْفَ انْهَمَرَتِ الدُّمُوعُ مِنَ العُيُونِ الَّتي ما جَفَّتْ مَحبَّةً لَكَ،

وكَيْفَ عَمَّ الحُزْنُ المنطقةَ كُلَّها، وَتَوَجَّعَ القَلْبُ فِي صُدُورِ أحبَّائِك وأَصدقائِك،

يَبْكُونَكَ كَمَنْ يَبْكِي أَبَاهُ، لا كَمَنْ يَبْكِي جارًا أو صَديقًا.

أَتَذَكَّرُ، وَكَيْفَ أَنْسَى، لَمَّا كُنّا نَمْشِي مَعًا،

كُنْتَ تُسَلِّمُ عَلَى كُلِّ مَن لَقِيتَ، صَغِيرًا وَكَبِيرًا،

تَسْأَلُ عَنْهُم، وَتُهَوِّنُ هُمُومَهُم بِكَلِمَاتِكَ اللَّطِيفَةِ،

وَتَتَرَكُّ خَلْفَكَ أَثَرًا مِنَ الدِّفْءِ وَالسَّلامِ.

كُنْتَ نُقْطَةَ ضَوْءٍ فِي عَتْمَةِ الكَثِيرِينَ.

يا أَبَتاهُ، ما أَثْقَلَ الغِيابَ بَعدَكَ،

وَما أَشَدَّ وَحْشَةَ المَكانِ وأَنْتَ لَيْسَ فِيهِ.

لَكِنَّنِي أُواسِي نَفْسِي بِأَنَّكَ الآنَ فِي رَحْمَةِ اللهِ،

فِي سَعَةٍ لَا ضِيقَ فِيهَا، وَفِي نُورٍ لَا يَغِيبُ.

سَتَبْقَى سِيرَتُكَ تَعْطِّرُ أَيّامَنَا،

وَسَيَظَلُّ دُعاؤُنا يَصْعَدُ إِلَى السَّماءِ كُلَّ لَيْلَةٍ،

أَنْ يَجْزِيَكَ اللهُ عَنّا خَيْرَ الجَزاءِ، وَيَجْعَلَ مَثْواكَ الجَنّةَ مَعَ الأَبْرارِ وَالصَّالِحينَ.

هنيئًا لك 

نَم قرير العين، 

فلقد استرحت من همِّ الدُّنيا وغمِّها، 

وطوبى لك أنك وفدت على ربٍّ رحيم كريم، 

ليكافئك على إيمانك، 

وليجزيك رَوْحًا وريحانا، وجنَّة ورضوانا.

أسأل الله أن يتغمَّدك بواسع رحمته، 

وأن يسكنك فسيح جنته،

وأن يمطر على ضريحك شآبيب الرَّحمة والرِّضوان، 

وأن يلهمنا جميل الصَّبر والسُّلوان.

وفي نهاية المطاف:

نُقدِّم إليك باقات دعواتنا،

أحلى وأغلى هديَّة. 

وإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، 

وإنَّا بك لاحقون.

السابق
حكم بالسجن 25 عاماً بحق هادي مطر منفّذ الهجوم على سلمان رشدي
التالي
قوى الأمن: توقيف عصابة نصب واحتيال انتحل أفرادها صفّة أطبّاء للإيقاع بضحاياهم