
بعدَ خُروجِ حاكمِ مَصرَفِ لبنان السيد رياض سلامة، من إدارةِ البنك المركزي، وبعدَ صُدورِ ونشرِ تقريرِ شركة التدقيق المالي “ألفاريز أند مارسال” ، الذي ذَكَرَ أنّ العملاتِ الأجنبية في مصرف لبنان، تراجعت بنسبةٍ كبيرةٍ، في الفترة ما بين 2015 حتى 2020, فخلالها، انتقل مصرف لبنان من فائض العملة الأجنبية البالغ 7.2 مليارات دولار أميركي، قبل عام 2015 إلى عجز بلغ 50.7 مليار دولار أميركي في نهاية عام 2020، وانخفضت الأصول بالعملات الأجنبية بنسبة 18 في المئة. وانخفضت الأصول بالعملات الأجنبية المحتفظ بها في الخارج، من 35.8 مليار دولار أميركي في عام 2015 إلى 18.4 مليار دولار أميركي في عام٢٠٢٠ .
كما أظهَرَ التقريرُ سلسلةً من الارتكابات المالِيَّةِ والسياسات الخاطئة، وكشف حجم الفجوة المالية في صندوق مصرف لبنان، وكُلفَة الهندسات المالية، وتضمّن تقرير التدقيق الجنائي أرقاماً تظهر للمرة الأولى، أبرزها أنّ كلفة الهندسات المالية بلغت 76 مليار دولار بحسب التقرير، لكن مصرف لبنان لم يعترف إلا بـ 56 ملياراً فقط، كما ورد في الصفحة 88 من التقرير، باعتبار أن الباقي تكلفة مستردة أو قابلة للاسترداد. ورغم التوضيح فإنّ شركة التدقيق لم تقتنع بملاحظات مصرف لبنان. وهذا الرقم يشمل كل العمليات التي توصف بالهندسات المالية التي تشمل كلفة فوائد وعوائد، خصوصاً علاوات سندات وشهادات إيداع، وبعضها استخدم في عمليات دعم رسملة مصرفية وإقالة من العثرات وتغطية خسائر بنوك و《سوابات》 وتبادل توظيفات بين الليرة والدولار وبالعكس، وقد استفادت منها المصارف في الدرجة الأولى، وكبار المودعين وكبار المستثمرين الماليين بدرجة أقل، وأتت تلك الكلفة في نهاية الأمر على حساب المودعين، فيما كان مصرف لبنان يخفي تلك الخسائر بميزانيته في بند «موجودات أخرى»، ثم ادعى أخيراً أنّ معظمها حصيلة كلفة تثبيت سعر صرف الليرة وتمويل الدولة.
حدث الانهيار المالي والنقدي والاقتصادي وافلست المصارف جميعا وتبين ان مصرف لبنان زوَّرَ قيودَه وخدع شعب لبنان وكل المقيمين فيه
وقد زعم رياض سلامة انه لجأ الى الهندسات المالية من أجل تصحيح العجز في ميزان المدفوعات، وهو زعم ثبت بطلانه، كما ثبت ان هذه الهندسات فضلا عن ارتفاع كلفتها، كانت مضخة مالية لسحب الودائع بالدولارات الحقيقية، وسرقتها وتحويلها لصالح حسابات لدولارات وهمية (لولارات)، تم قيدها في حسابات اهل المنظومة السياسية والطائفية الحزبية وأصحاب المصارف واداراتها، ثم تم تهريبها الى الخارج، في عملية بونزي سكيم ponzi scheme، من يدخل فيها اولا ويخرج باكرا، قبل الانهيار، يستولي فيها على ارصدة من يبقى داخل اللعبة ويتأخر بالخروج منها، وتقدر قيمتها في الفترة بين ٢٠١٥ و٢٠٢٠ ب ٣٨ مليار $ اميركي… ويضاف الى ذلك حوالي ٧ مليار $ اميركي اخرجتها المصارف بعد ان قيدت في حساباتها ارباحا ( وهمية) وجعلتها استثمارات خارج لبنان.
وبعد قيام حاكم مصرف لبنان بالإنابة د. وسيم منصوري بالإعلان عن توقف المصرف المركزي، عن تمويل المصاريف الجارية للحكومة، وبالامتناع عن استنزاف الاحتياط الالزامي من العملات الاجنبية لمصرف لبنان، الذي لم يتبق منه سابقا الا حوالي ٧ مليار $ اميركي ثم ارتفع اليوم الى ١٠ مليار $، والوعد بالامتناع عن طبع الليرة من اجل سداد العجز في موازنة الحكومة، بعد كل هذه المستجدات والوقائع تتبدى اسئلة جارحة وحازمة :
السؤال الاول : هل كان الإنهيار الاقتصادي حتميا؟
السؤال الثاني: اذا كان لا بد ان يحدث انهيار، هل كان قدرا ان يكون هذا الانهيار شاملا كاملا، بحيث نشهد في وقت واحد وبدفعة واحدة؛
1) إنهيار سعر صرف الليرة اللبنانية، و وتدني القدرة الشرائية لاصحاب الاجور.
2) إمتناع الدولة عن تسديد ديونها بعد تفاقم مديونيتها بسبب تراكم العجز في موازناتها،
3) إفلاس النظام المصرفي وتوقفه عن الدفع بعد نضوب سيولته النقدية، ثم
4) إنهيار ادارات الدولة وملاكاتها، وتوقف الخدمات العامة, و
5) إصابة انظمة الصحة والاستشفاء والتعليم بالشلل والعجز!؟
وهل كان ممكنا حصر الأزمة في جانب واحد والحيلولة دون شمولها كل ناحية او قطاع!؟
السؤال الثالث: اذا كان انهيار سعر صرف الليرة حتميا، وتفاقم العجز في موازنات الدولة خطيرا، فهل كان ممكنا في ظل هذا الواقع تفادي انهيار النظام المصرفي، وبالتالي حفظ الودائع ومنع سرقتها او تهريبها الى الخارج وصونها كحق غير قابل للتصرف من غير اصحابها.!؟
السؤال الرابع: اذا كان لا يمكن تفادي الانهيار المالي ومنع حدوثه!؟ الم يكن ممكنا على الاقل محاصرة اضراره وتقليص خسائره؟.
السؤال الخامس : حدث الانهيار المالي والنقدي والاقتصادي وافلست المصارف جميعا وتبين ان مصرف لبنان زوَّرَ قيودَه وخدع شعب لبنان وكل المقيمين فيه، وكل من وثق بنظامه المصرفي عربيا كان ام اجنبيا، واعلنت حكومة حسان دياب عن عدم قدرتها على تسديد ديونها او الوفاء بالتزاماتها المالية، لكنها في الوقت نفسه تبنت سياسة لدعم سلع استهلاكية على سعر $ = ١٥٠٠ل ل، فتم تبديد أكثر من ١٣ مليار $، من أموال المودعين، وشكل ذلك ستارا لعمليات تهريب هائلة ساعدت نظام الاسد على مواجهة قانون قيصر للعقوبات الاميركية، ومكنت مافيا المنظومة وحزب الله وماهر الاسد من تحقيق ارباح وصلت الى حدود ٧ مليار $ . اليست هذه جريمة نهب موصوفة تستحق المساءلة والملاحقة!؟
السؤال السادس : حدث كل ذلك منذ أكثر من خمسة سنوات تقريبا، فماذا فعلت المنظومة السياسية الحاكمة وحكومة ميقاتي القابضة على السلطة للبدء بخطة تخرج لبنان من الازمة!؟ وماذا اتخذت من اجراءات لعودة التعافي الى الاقتصاد الوطني!؟
الجواب عمليا لا شيء، فقد كلفت لجنة سالازار بتقديم خطة للتعافي فقامت بذلك، لكن سرعان ما ناقشتها لجنة مالية برلمانية برئاسة ابراهيم كنعان ونقضتها وجعلتها أمرا منسيا!!.
اتفقت مع صندوق النقد الدولي والتزمت بعدة اجراءات تجاهه، ثم نقضت تعهداتها ولم تفِ بأيِّ بند من التزاماتها.!! هذا ما اعلنه وفد صندوق النقد الدولي في زيارته السابقة ل لبنان.
لا تريد المنظومة خطة سالازار ولا تلتزم مطالب صندوق النقد الدولي ! إذن أية خارطة طريق للخروج من الازمة تطرحها المنظومة الحاكمة؟ ويمكن ان تتبناها الحكومة القابضة على السلطة !؟
لا تكتفي المنظومة باستدامة الازمة والتكسب منها، بل تدير لعبة الافلات من المساءلة والعقاب لا احد مرتكب لا احد مسؤول وكل هذه الكارثة يحاولون قيدها ضد مجهول.!؟
اوليغارشيا المصارف تتستر بثوب البراءة خداعا ونفاقا، على الرغم من انكشاف فضيحة شركة Flory التي اظهرت استيلاء الحاكم واخوه وعائلته ومحظياته على مئات ملايين الدولارات كارباح وساطة بينه وبين منصبه الوظيفي، كما بينت الفضيحة الاخرى في شركة اوبتيموم Optimum تداول حوالي ٨ مليارات $ اميركي بأعمال وساطة وسمسرات لصالح الحاكم وحاشيته.
وعلى الرغم ايضا من قيام حاكم المصرف المركزي بانشاء منصة “صيرفة” التي بلغ حجم التداول فيها اكثر من ٢٤ مليار $ اميركي، والحقت خسائر في رصيد مصرف لبنان ما يقارب ٢ مليار $ اميركي، ذهب القسم الاكبر منها الى جيوب النافذين في حاشية احزاب السلطة ورموزها.
لا تكتفي اوليغارشيا المصارف بإنكار اية مسؤولية لها عن ارتكابها جرائم مالية موصوفة، حسب قانون النقد والتسليف، بل تبرر كل ارتكاباتها، وتوقفها عن الدفع، بانها مولت مصاريف الحكومة والدولة، وان مديونية الدولة هو سبب عجزها عن رد الودائع، وتتضح النية الجرمية لهذه الاوليغارشية، ودرجة التواطؤ السياسي والقضائي معها، حين يتكشف ان ثمة خمسة بنوك على الاقل ليس لها ديون على الدولة او ان حجم ديونها لا يتعدى حجم ١٠% من قيمة ودائعها، هذه البنوك هي بنك الاعتماد المصرفي، بنك البركة، البنك العربي، و Banck Bemo .
مع ذلك تمتنع هذه المصارف عن القيام بالتزاماتها تجاه مودعيها… في حين يتلكأ القضاء عن احقاق العدالة بشكل يثير السخرية وابلغ درجات الغضب…
ولذلك تكتسب طبيعة التعيينات التي قامت بها حكومة القاضي نواف سلام والتي ستقوم بها في القضاء ومصرف لبنان طابعا خطيرا ومصيريا، وهي امام خيارين مفصليين، اما ان تكون لصالح تجديد سطوة منظومة الفساد والفشل، عبر استمرار المحاصصة بين الاحزاب الطائفية، او تكون تقليصا لقوة المنظومة ونفوذها.
لم تكتف اوليغارشيا المصارف بكل ما تقدم بل ان اغلبية اصحاب المصارف وحاملي اسهمها، قد قاموا ب بيع اسهمهم لمصارفهم واخذوا ثمنها من دولارات المودعين كقروض ب الدولار $ الاميركي وحولوها الى الخارج، ثم استعادوا اسهمهم بعد رد اثمانها بدولارات على سعر ١٥٠٠ ل ل.
وللإجابة على الأسئلة السابقة والذهاب الى استنتاجات محددة، لنفترض ان حاكم مصرف لبنان لجأ في نهاية سنة ٢٠١٤ وبداية ٢٠١٥ الى الاجراءات التالية مجتمعة ومتلازمة:
الإجراءُ الاول : تخفيض سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الاميركي بحيث يصبح سعر الدولار ٣٠٠٠ل ل او ٤٥٠٠ ل ل.
الاجراء الثاني: اعتماد الخيار الذي لجأ اليه وسيم منصوري وبذلك أوقف تمويل المصاريف الجارية للحكومة والاكتتاب بديونها والامتناع عن طبع الليرة اللبنانية لسد عجز موازناتها.
الإجراء الثالث: تطبيق القيود على حركة الاموال والرساميل بشكل شامل وعادل والذي اعتمده رياض سلامه نفسه بشكل انتقائي وفاسد.
الاجراء الرابع ؛ اعلان تعثر الحكومة عن الدفع ووقف احتساب الفوائد.
وواضح ان الاجراءات الاربع قد تم تنفيذها منذ سنة ٢٠١٩ وحتى تاريخه، وبشكل تارة تدريجي وطورا بشكل اعتباطي او اضطراري مشوه، ماذا لو لجأ مصرف لبنان لهذه الاجراءات متلازمة فيما بينها، ودفعة واحدة في نهاية سنة ٢٠١٤ ومطلع ٢٠١٥؟.
إن شرط بقاء لبنان هو استكمال اسقاط نفوذ المنظومة كاملة وترحيلها
سيجيب البعض من زبانية المصارف ورياض سلامة، اننا لم نكن نعرف اننا سنصل الى ما وصلنا اليه، نعم لم يكن يعرف الناس العاديون في نهاية سنة ٢٠١٤ انهم سيصلون الى ما وصلنا اليه، لكن رياض سلامة كان يعرف و اصحاب المصارف كانوا يعلمون وكبار منظومة الفشل والفساد والارتهان للخارج، كانوا يعلمون وبعض من حاشياتهم أيضا، وقد حذرهم في حينها مرارا وتكرارا صندوق النقد الدولي، لكنهم عقدوا العزم جميعا، على خداع بقية الناس وتطمينهم، لكي يتاح لهم التربح والاثراء من انهيارٍ ممنهج ومقصود، انهيار امن لهم اكبر اعادة لتوزيع ثروة ثلاثة اجيال من الشعب اللبناني وسرقتها وتهريبها الى الخارج، وهو انهيار كان يمكن تفاديه او حصر تداعياته وتقليل خسائره، كما كان يمكن تأمين الخروج السريع منه واستعادة التعافي الاقتصادي للوطن واهله.
على الرغم من انتخاب الرئيس جوزف عون وتشكيل حكومة كفاءات اصلاحية برئاسة القاضي نواف سلام، تستمر المنظومة برهاناتها للاستمرار بالتربح من الانهيار وجني الثمار من عذابات اللبنانيين وآلامهم، وتعد نفسها بالذهاب الى الاستيلاء على املاك الدولة ومرافقها العامة وحيازتها بأبخس الأثمان، كما تعد نفسها بالاستيلاء على عائدات النفط والغاز المفترضة!.
لا مستقبل ل لبنان مع استمرار المنظومة بنفوذ يمكنها من إدارة لبنان والتحكم بسياساته، ولذلك يتم بشكل منهجي التصويب على حكومة سلام وتنظيم الحملات المختلفة من زوايا متعددة لانهاكها وإضعافها وردعها عن القيام بمساءلة ومقاضاة اكبر جريمة مالية في التاريخ!.
على الرغم من انتخاب الرئيس جوزف عون وتشكيل حكومة كفاءات اصلاحية برئاسة القاضي نواف سلام، تستمر المنظومة برهاناتها للاستمرار بالتربح من الانهيار وجني الثمار من عذابات اللبنانيين وآلامهم
الانهيار الذي كان قد يحدث لم يكن جريمة لو جرى في بداية سنة ٢٠١٥، لكن السعي للتربح من الانهيار، كان وراء تأجيله لنهاية ٢٠١٩، وكان جريمة شنيعة، كبرت حجمه ووسعت مداه وجعلته شاملا كل المستويات الاقتصادية والقطاعية والمالية والنقدية وأنماط عيش شعب باكمله، انطلق ذلك مع بداية صناعة اللولار واستعار حرب الفوائد، ومن ثم هروب الأموال.
كان الاستثمار في الانهيار أو محاولة التربح منه، هو الخيار الذي اتخذته هذه المنظومة بكل أطرافها كلٌ حسب مصلحته بمساعدة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، أمين صندوق المنظومة.
كانت الودائع الحقيقية تتراجع، لكن رفع الفوائد أظهر ارتفاع الودائع قيدياً، فنشأ ما بات يعرف اليوم باللولار، خاصة بعد ان تم إنشاء نظام مقاصة لبنانية محلية للدولار الأميركي لا تمر قطعا ب نيويورك.
مع عجز ميزان المدفوعات، وقيام مصرف لبنان بتمويل نفقات الحكومة من الودائع، كانت الدولارات الحقيقية تتناقص بينما الودائع الإجمالية القيدية ترتفع مع الفوائد ما زاد من حجم اللولارات أو الدولارات الوهمية، ودخل النظام المصرفي في مزايدات على الفوائد من 7 إلى 10 إلى 15 إلى 18%، فتضخمت أرباح المصارف وهميا ، وحصل توسع في توزيع الأنصبة على كبار المساهمين والبونصات (Bonus) والمصرفيين التنفيذيين، ذلك التوزيع كان من أصل دولارات متناقصة في مكان آخر.
الانهيار الذي كان قد يحدث لم يكن جريمة لو جرى في بداية سنة ٢٠١٥، لكن السعي للتربح من الانهيار، كان وراء تأجيله لنهاية ٢٠١٩، وكان جريمة شنيعة
في منتصف 2018 بعد أزمة سعد الحريري في السعودية، أدركت المنظومة أن اللعبة شارفت على الانتهاء، فبدأ إخراج الرساميل من لبنان لا سيما من المحظيين أصحاب المعلومات المسرّبة من الداخل, أي المطلعين على المعلومات قبل غيرهم. ويشمل ذلك أيضاً السياسيين ورؤساء الأحزاب الطائفية ووزراء وكبار الموظفين والمصرفيين وكبار المودعين بالإضافة إلى حاكم مصرف لبنان.
لو طبق الكابيتال كونترول في بداية 2018 لأمكن الاحتفاظ بأكثر من 34 مليار دولار كانت لتشكل مدماكاً في مسيرة وقف الانهيار أو إبطائه، إستمر خروج الأموال في 2019 وهو ممّا تبقى من دولارات فعلية، وبلغ النقص الفعلي في الودائع نهاية سنة ٢٠١٩، ٢٧ مليار$ اميركي كما استمر تحويل اموال بعض النافذين الى الخارج خلال الاشهر الستة الاولي من ٢٠٢٠، وهناك تقديرات تشير إلى هروب أو تهريب ودائع ورساميل بنحو 42 مليار دولار.خلال ٣ سنوات ٢٠١٨ و٢٠١٩ و٢٠٢٠.
على خط آخر وتوازياً مع عجز متفاقم متراكم في ميزان المدفوعات وضخ سيولة هائلة من اللولارات الوهمية في الحسابات، قامت المصارف بتوسعات خارجية واسعة النطاق بين 2011 و2019. وتمت زيادة مكاتب التمثيل والفروع الخارجية والمصارف الشقيقة أو التابعة، ففي مطلع سنة 2014 كان هناك 17 مصرفاً لبنانياً تمثل ما يقارب 86 % من حجم القطاع في لبنان لديها وجود في 31 بلداً تغطي أسواقاً عربية هامة كسوريا والأردن والعراق ومصر والسودان والجزائر والسعودية والإمارات والبحرين وقطر وسلطنة عمان، كما تغطي أسواقاً إقليمية ذات وزن اقتصادي مهم كتركيا.
في منتصف 2018 بعد أزمة سعد الحريري في السعودية، أدركت المنظومة أن اللعبة شارفت على الانتهاء، فبدأ إخراج الرساميل من لبنان لا سيما من المحظيين أصحاب المعلومات المسرّبة من الداخل, أي المطلعين على المعلومات قبل غيرهم
إضافة إلى الانتشار المصرفي اللبناني في القارة الاوروبية بدءاً بسويسرا وفرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا واللوكسمبورغ وموناكو، مروراً برومانيا وبيلاروسيا وأرمينيا وصولاً إلى بلجيكا وقبرص، كما توسّعت المصارف اللبنانية باتجاه القارة الأميركية (كندا) وكذلك أفريقيا (شاطئ العاج، نيجيريا، الكونغو والسنغال) وأخيراً أستراليا، وامتدت شبكة المصارف اللبنانية في الدول المشار إليها إلى العديد من المدن الرئيسية، وباتت مصارفها التابعة أو الشريكة أو الشقيقة البالغ عددها 39 مصرفاً تمتلك عدداً من الفروع تخطى 270 فرعاً كما في أيار 2014، ما يمثل 25% من فروع لبنان. أما حجم نشاط المصارف اللبنانية العاملة في الخارج، فشكل 17% من إجمالي الميزانيات المجمعة للمصارف العاملة في الأسواق الخارجية،
إن موجودات القطاع المصرفي الليناني خارج لبنان، يتوجب ان يخضع لتدقيق جنائي ومساءلة، لان ما سمي أرباحا حولت الى استثمارات في الخارج، لم يكن الا طريقة أخرى لسرقة ودائع العملاء، بعد ان نجحوا بجذب المودعين وإغرائهم بالفوائد المرتفعة والارباح الوهمية، وفي الموازاة كانوا يتوسّعون في الخارج باستخدام هذه الأموال، ولذلك لم ينجح منح هذه الفوائد في تقليص عجز ميزان المدفوعات بل تفاقم سنة بعد سنة حتى الإفلاس الكامل.
بين عامي 2014 و2021، قامت المصارف اللبنانية بتوسيع استثماراتها الخارجية عبر فروع وشركات تابعة ومكاتب تمثيلية في عدة دول. بحسب المعلومات المتوفرة، بلغت قيمة هذه الاستثمارات حوالي 4.5 مليارات دولار.
في نهاية عام 2019، امتلكت المصارف اللبنانية ما يقرب من 490 فرعًا خارجيًا، بالإضافة إلى 19 مكتبًا تمثيليًا، و26 مصرفًا تابعًا، ومصرفين شريكين، ومصرف شقيق واحد، وشركتين تابعتين.
إن موجودات القطاع المصرفي الليناني خارج لبنان، يتوجب ان يخضع لتدقيق جنائي ومساءلة، لان ما سمي أرباحا حولت الى استثمارات في الخارج، لم يكن الا طريقة أخرى لسرقة ودائع العملاء
مع تفاقم الأزمة المالية في لبنان، بدأت بعض المصارف بتصفية استثماراتها الخارجية لتعزيز سيولتها. على سبيل المثال، باع “بنك عوده” وحدته في مصر مقابل 660 مليون دولار، ووحدته في سوريا مقابل 25 مليون دولار. كما باع “بنك لبنان والمهجر” (بلوم بنك) وحدته في مصر مقابل 427 مليون دولار.
تُظهر هذه الأرقام أن المصارف اللبنانية كانت تمتلك استثمارات خارجية كبيرة خلال الفترة المذكورة، ومع ذلك، لا تتوفر معلومات مفصلة حول قيمة هذه الاستثمارات لكل سنة على حدة بين عامي 2014 و2021
وللحقيقة والبيان فأن بعض الأموال التي هربت ظهرت في أرصدة المصارف لدى البنوك المراسلة الخارجية التي ارتفعت في نفس الفترة بنحو 6 مليارات دولار زيادة. في حين تمّ ايهام اللبنانيين أن موجودات القطاع المصرفي لديهم قبيل تشرين 2019 تصل إلى 188 مليار دولار ولم تكن الا قيودا دفترية، استفاقوا ليجدوها هباء منثوراً.
حل مركب بأيعاد متعددة.
مع تفاقم الأزمة المالية في لبنان، بدأت بعض المصارف بتصفية استثماراتها الخارجية لتعزيز سيولتها
اخيرا فإن الحل العادل والممكن والمنصف والمطلوب، يتضمن جوانب وأبعادا مختلفة من القضائي الذي يستند الى تدقيق جنائي في حسابات كل المصارف ودفاترها وتحويلاتها، الى البعد المالي النقدي، الى الاصلاح في مرافق الدولة وتحسين عائداتها.
اولا الحل الجنائي عبر ملاحقة ومساءلة كل من ارتكب جريمة التربح من الانهيار او استغل موقعه السياسي او المصرفي او القضائي او الامني من اجل تحقيق ربح غير مشروع او تلافي خسارة متوقعة، وذلك طبقا لحيثيات الجرائم الموصوفة من صرف النفوذ والاثراء غير المشروع وتبييض ألأموال والتهريب والتربح عبر التداول من الداخل Delit d’initié .القانون (160/2011).
ثانيا الحل المصرفي وهو الحل الذي يتهرب منه المصرفيون والخبراء والسياسيون، هو حل سهل يرتكز على الحكم الذي اصدره ألقضاء الأميركي الفدرالي في قضية PONŹI SÇHÉME مادوف.
وهي أشهر قضية «بانزي سكيم» في العالم، قبل كارثة لبنان طبعا،فقد أصدرت المحكمة الفيدرالية الأميركية حكماً فيدرالياً مبرماً «يقضي بأن الأرباح التي وزعها مادوف على عملائه لم تكن أرباحاً حقيقية، بل كانت أموالاً مقتطعة ومسروقة من ودائع جديدة تدفع كأرباح مزعومة لودائع قديمة». المفهوم هذا يمكن أن يطبق على مجموع الدولارات القيدية التي سجلت كفوائد على الودائع في لبنان، وهي قيود ودولارات وهمية غير موجودة ( اصبح رصيد مصرف لبنان من العملات الاجنبية سلبيا في سنة ٢٠١٥ تماماً كأرباح مادوف التي وزّعها، والتي حكمت المحكمة الاميركية الفيدرالية باستردادها لانهأ اعتبرت مسروقأت أقتطعت من ودائع جديدة ودفعت كارباح لودائع قديمة.
كيفية تطبيق الحل :
يتم إعتماد الفصل في كل حساب مصرفي لاي زبون متعامل معه، بين الدولار الحقيقي و الدولار الوهمي أبتدأء من تاريخ ١/١/٢٠١٥ ، الدولارات الحقيقية هي الرصيد بتاريخ ١/١/٢٠١٥، وكل ما اضيف اليها من ارصدة ليست ناتجة عن الفوائد. أما الأرصدة و الدولارات الناتجة عن الفوائد فتسجل ك ( لولار) فينقسم كل حساب زبون مصرفي الى اثنين: حساب الدولار الحقيقي وحساب اللولار؛
كل دولار قيدي (لولار) سعره 15000 ليرة. ونبدأ في الجرد بين حقيقي وغير حقيقي،
الدولار الحقيقي يستردّ كما هو، والباقي يدفع على سعر 15000 ليرة لللولار.
يجري التقييم اللازم بين من لديه دولارات ومن لديه لولارات ومن لديه الاثنان معاً، وستظهر حتماً حسابات سلبية خصوصاً حسابات من سبق وأخرج دولاراته من لبنان قبل وبعد ١٧ تشرين ٢٠١٩، وعليه ردّها لأنها دين عليه لغيره.
استرداد 32 مليار دولار
نتيجة هذا القرار البسيط سنسترد ما لا يقل عن 32 مليار دولار، فتشطب ثلاث مرات؛ واحدة من عجز الخزينة لدى مصرف لبنان، وثانية من الفجوة في مصرف لبنان وديونه لدى القطاع المصرفي، وثالثة تخفض البنوك مطلوباتها من مودعيها بالرقم نفسه. في هذه الحالة، المودع ليس مظلوماً لأن أصل وديعته معترف به بالكامل، والباقي من الفوائد يرد له على سعر 15000 ليرة لكل دولار أو لولار، وان كان قد سحب من وديعته لولارات تحسم على اساس انها لولارات وليس دولارات، اما اذا نالها دولارات حقيقية فتحسب دولارات.
اما الحسابات المدينة بالدولار والقروض التي تم تسديدها بشيكات مصرفية فيمكن القبول بها والاعتراف بصحتها، لكن القروض بالدولار التي تم تسديدها بالليرة اللبنانية على سعر دولار ( ١٥٠٠ ل ل ) فيجب إعادة النظر بها وتحميل اصحاب القروض سداد قروضهم بقيمتها.
سيؤمن هذا الاجراء سيولة في المصارف تعيدها الى سوق التسليف والاقراض وتخرجها من ازمتها الحالية التي لا فكاك منها.
ثالثا؛ إعادة رسملة المصارف:
لكن ذلك لن يكتمل دون اعادة رسملة المصارف، وهو أمر لا غنى عنه، لان رساميلها المدفوعة بالليرة اللبنانية والتي كانت قيمتها ٢٢ مليار $ اميركي على سعر دولار يساوي ١٥٠٠ ل ل، لم تعد تساوي سوى ٣٦٦ مليون $ اميركي، في حين ان ممتلكاتها في لبنان، من المباني والتجهيزات والعقارات قد تصل الى ٤ مليارات $ اميركي، ولذلك فان ضخ رساميل جديدة في المصارف، عبر إعادة رسملة يجب ان لا تقل عن نصف القيمة السابقة لأسهمها بنحو 11 مليار دولار أمر لا غنى عنه. وبناء على ذلك سيكون على كل مصرف ان يؤمن ضخ نصف راسماله السابق الى مصرف لبنان ليحتفظ باستمرار مؤسسته.
إن اتفاقا مع صندوق البنك الدولي وتقديم خطة متكاملة لاستعادة النهوض الاقتصادي والتعافي المالي، وإعادة هيكلة المصارف، بموازاة ارساء مبدأ العدالة والمسائلة بإرتكابات إداراتها واصحابها وحاملي اسهمها، سيكون مدخلا ضروريا وإجباريا للمضي قدما في اعتماد اصلاح هيكلي واقتصادي شامل.
رابعا ؛ الاصلاح الهيكلي والتصرف ببعض أصول الدولة
يمكن معالجتها بعدة طرق مثل التصرف ببعض الأصول العامة (الكازينو وانترا والميدل ايست) بالإضافة إلى طرح رخصة خليوي ثالثة، وتأجير مرافق عامة معينة وتفعيل استثمار الأملاك البحرية.. وهذا لا يعني خصخصة شاملة، بل عن بيع او تأجير مرافق لم تعد الدولة قادرة على إدارتها، يضاف إلى ذلك الحل الجذري المطلوب لقطاع الكهرباء وإنشاء قطاع نقل عام أو مشترك لتخفيف تسرب المليارات لمافيات المحروقات من جيوب الناس و على حساب ميزان المدفوعات.
إن اتفاقا مع صندوق البنك الدولي وتقديم خطة متكاملة لاستعادة النهوض الاقتصادي والتعافي المالي، وإعادة هيكلة المصارف، بموازاة ارساء مبدأ العدالة والمسائلة بإرتكابات إداراتها واصحابها وحاملي اسهمها، سيكون مدخلا ضروريا وإجباريا للمضي قدما في اعتماد اصلاح هيكلي واقتصادي شامل
ولعل كل هذه الإجراءات مع ما يرافقها من إعادة نظر في حجم القطاع العام والوصول إلى حكومة إلكترونية، وضبط معابر التهريب الجمركية في المرفأ والمطار واسترجاع قطاع النفط إلى الدولة وإنشاء مصفاة لتكرير النفط الخام واستعادة دور لبنان كمصب للنفط العراقي، كل هذا يمكن أن يكون قاعدة لاستعادة العافية إلى وطن منهوب من حاكميه وموسريه.
إن شرط بقاء لبنان هو استكمال اسقاط نفوذ المنظومة كاملة وترحيلها. و إن انتخاب رئيس للجمهورية وقيام عهد وحكومة جديدة هما خطوتان تمهيديتان لانطلاق معركة قاسية لاستعادة الدولة وارساء مبدأ احترام الدستور والقانون، وتطبيق منطوق العدالة والمساءلة، لترحيل هذه العصابة.
- ألقي النص في ندوة للمجلس الثقافي للبنان الجنوبي بعنوان: “الإصلاح المالي والنقدي ضرورة للنهوض الإقتصادي” التي أقيمت اليوم الخميس.