
علّة هذا الشرق – أو بالأصح إحدى علله الكثيرة – هي شخصنة الأمور العامة، بحيث يتم الحُكم على أي موضوع أو طرح من خلال الموقف من الشخص المعني به، لا من خلال الموضوع نفسه موضع النقاش، ما يجعل من هذا الحكم غالباً بعيداً عن ” الموضوعية ” التي يجب أن نتحلى بها لدى مقاربتنا أي موضوع نتوخى الوصول من خلاله إلى نتيجة مجدية ومتوازنة، على إعتبار أن الأمور لا تؤخذ فقط باللونين الأبيض والأسود، وكذلك من خلال القناعة بأنه لا وجود للملائكة على وجه هذه البسيطة، بل لبشرٍ يصيبون ويخطئون في خياراتهم العامة وسياساتهم أو حتى ممارساتهم، ما يقتضي منا – إذا كنا نسعى فعلاً إلى الحقيقة – أن لا نأخذ الأمور جملة، بل نأخذ كل موقف على حدة، فنشيد بما نراه جيداً وندين ما نراه سيئاً أو مسيئاً، وبالنهاية لكل رأيه، ولا أحد يحتكر الحقيقة كاملة، والمهم هو طريقة التعامل عبر الحوار وليس عبر التحقير والتنمر.
منح الجائزة للرئيس محمود عباس ليس فيه أي تجاوز من أي شكل، وهو يستحقها خاصة في هذه الظروف حيث بدأت الدولة اللبنانية بمحاولة إستعادة عافيتها
جائزة محمود عباس
مناسبة هذا الحديث هي الضجة المثارة من قِبل عدد من الناشطين وأصحاب الرأي على وسائل التواصل الإجتماعي، حول منح أكاديمية هاني فحص للحوار والسلام، جائزة هاني فحص لصنَّاع السلام في دورتها السابعة هذا العام للرئيس الفلسطيني محمود عباس لدوره في “إرساء المصالحة اللبنانية – الفلسطينية “، الأمر الذي إستفز هؤلاء الناشطين إنطلاقاً من موقفهم السياسي وربما الشخصي من الرئيس الفلسطيني محمود عباس، من دون الأخذ بعين الإعتبار السبب الذي مُنح لأجله هذه الجائزة .
في الواقع قد يكون لنا الكثير من المآخذ على سياسات وممارسات السلطة الفلسطينية كغيرها من سلطات هذا العالم العربي البائس والمبتلى بسلطات هشة وضعيفة وغير رشيدة عموماً، وقد نتفق في الرأي مع بعض مواقف الرئيس عباس ونختلف مع بعضها الآخر من دون أن ننسى أنه الحلقة الأضعف في هذه المنطقة وصاحب القضية الأقدس التي تتعرض للتصفية أمام أعين الجميع، ولكن الإنصاف يقتضي الإعتراف بأن سبب منحه الجائزة هو سبب وجيه ومقنع، ولا يُمثل أي شُبهة مجاملة أو تجميل لسياسة السلطة الفلسطينية سواء في الداخل الفلسطيني أو على مستوى القضية ككل، إذ أن الموضوع لا علاقة له البتة بهذا الجانب من القضية، بل هو يتعلق حصراً بالعلاقات الفلسطينية – اللبنانية التي لا يمكن لأي كان أن ينكر دور الرئيس الفلسطيني في إرساء دعائم جديدة وصحية لهذه العلاقات، بعد سنوات طويلة من الصراع والشكوك المتبادلة المعروفة لدى كل مراقب ومتابع لها ومدى تأثيرها على الوضع العام في لبنان .
اقرأ أيضاً: صراع تركي اسرائيلي: «من يكسب سوريا سيتحكم بتوجهات المنطقة على مدى 100 عام»!!
من هنا نرى ومع كامل إحترامنا لآراء البعض ومشاعرهم، هم من النخبة المخلصة لفلسطين وقضيتها بلا شك، بأن منح الجائزة للرئيس محمود عباس ليس فيه أي تجاوز من أي شكل، وهو يستحقها خاصة في هذه الظروف حيث بدأت الدولة اللبنانية بمحاولة إستعادة عافيتها عن طريق حصر السلاح بقواها الذاتية فقط من جيش وقوى أمن وأجهزة أمنية شرعية، وهو ما يستدعي حكماً التعاون من قِبل السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس الذي كان قد أبدى كل إستعداد للتفاهم والتعاون في هذا المجال منذ العام 2008 غداة إصدار “إعلان فلسطين في لبنان” الذي إعتذرت فيه منظمة التحرير الفلسطينية عن دورها في الحرب اللبنانية، وإعترفت بحق الدولة اللبنانية بالسيادة على كامل أراضيها، ووجوب خضوع السلاح الفلسطيني في لبنان لها، وهو موقف شجاع وحصيف يُحسب للمنظمة وللرئيس عباس، ما يجعل من منحه جائزة هاني فحص لصنَّاع السلام أمراً مستحقاً له وبجدارة، مع إحترامنا لحق أي كان في إبداء الرأي من دون أي تجاوز أو تحقير سواء للجهة المانحة وهي جهة محترمة تحمل إسم علَّامة في الفقه والأدب والنضال، أوللجهة الفائزة بهذه الجائزة الرئيس الفلسطيني بالطبع، ومن دون أن يفسد هذا الرأي للود قضية .