
اغلب من سيقرأ هذا المقال سيتوقع الكلام عن حكايات لبنانية في زمن الحروب المتنقلة، الحروب التي لا تنتهي وارهقت الشعب والدولة والحجر، فالحروب مرهقة ومدمرة للنفوس، لكن يظل امل بعيد يعيد الحياة الى ما كانت عليه قبل هذه الآفات، ابطالها جنود مجهولون يقومون بما يمليه عليهم ضميرهم ووجدانهم لا أكثر، وفيما سيلي لن أتكلم عن عظماء تركوا البصمات وكتب عنهم التاريخ، بل مجموعة من الشبان وهبوا أنفسهم لاستعادة حياة تم افقاد حقهم بها.
الكثير من شباب لبنان فقد حياته بسبب الحروب العبثية، لو بقوا لكانوا أحدثوا فرقا كبيرا في مسار لبنان الجديد الذي يتم بنائه حاليا، وللأسف الكثير منهم فقد حياته في غربة قسرية ظنا منه انه سيعود يوما الى التلال والهضاب التي تربى بها وعشقها، على امل العيش في وطن حقيقي جامع للكل لا تمزقه الحروب لا الصغيرة منها ولا الكبيرة، ومن لا يزال حيا منهم ربما هو حي لكنه دفن شغفه وحبه وحياته منذ زمن.
مغامرون صمدوا
واللافت ان الذين غامروا وأصروا على البقاء والصمود ببلاد الصنوبر والأرز والشربين وورود الربيع وشقائق النعمان، كانوا من فئة تستطيع بكل سهولة الهروب من الواقع المدمر، ربما لقدراتهم المالية او رصيدهم الفني والادبي والعلمي الذي يفتح لهم أبواب الشرق والغرب دون أي وساطة كما اعتادوا في بلدهم الام، منهم الاديب والمفكر والصحافي والمسرحي والرسام وطبعا المقاوم.
كثير من شباب لبنان فقد حياته بسبب الحروب العبثية، لو بقوا لكانوا أحدثوا فرقا كبيرا في مسار لبنان الجديد الذي يتم بنائه حاليا، وللأسف الكثير منهم فقد حياته في غربة قسرية
المفكر (ل. س) بقي في لبنان رغم امتلاكه لجنسية أخرى بفعل زواجه من رفيقة عمر اجنبية، لكنه قرر البقاء ومقاومة أفكار الشر والكراهية، غير انه وللأسف وقع ضحية الشر فانتقلت روحه الى العالم الاخر، ولم يتبق الا ارث من أفكاره تعتبر انموذجا يحتذى لجميع من كان في دائرة الحرية المحاصرة من قبل أصحاب القمصان السوداء.
اما الصحافي (ع. ا) فهو لا يزال على قيد الحياة للان منتظرا مصيره بسبب تكرار التهديدات العقيمة لمجرد انه رفض ان يكون فردا من قطيع فرض عليه، بسبب انتمائه لطائفة ظن المسيطرين عليها بانه يجب ان يكون تابعا لا حرّا ينشر أفكاره الحرة.
اما المسرحي (ز. ع) فقد تعرض لأشد أنواع العقاب بتعرضه لتهمة العمالة وما أدراك ما هذه التهمة الى ان تم تبرئته منها، الا ان المتهم لا يزال طليقا، وهو رغم كل هذا، ظل حرا طليقا رغم احتجازه لأيام وايام، وللعلم فقط، فهذا المسرحي والصحافي يعد من أكثر المسرحيين الذين يمتلكون تاريخا عائليا مسرحيا وتلفزيونيا لكون جده يعتبر عميد المسلسلات التلفزيونية منذ ستينات القرن الماضي.
اما (ق. ا) الشغوف بالمسرح والذي ترفع له القبعة جدا، فرغم الفساد والدمار وهو ابن الجنوب اللبناني، لم يكتف بنشر أفكاره، بل نشرها بطريقته، عبر مسرح الشارع واستقطاب العشرات والمئات من المتابعين وصولا الى قيامه بإحياء مسارح شارفت على الموت السريري من صور وصولا الى بيروت، وبفعلته فان العمل المسرحي سيكتب له الاستمرار رغم كل الظروف.
اما (ن. ع) الرسام المتمرد فرغم فقدانه لكل ممتلكاته في الجنوب في الحرب الأخيرة والتي تعتبر ممتلكات تاريخية لعائلته المتوارثة أبا عن جد، لكنه ظل ينشر روح الفرح ونشر رسومه التي تبعث الامل ليس فقط بمحيط معرفه بل أيضا بمحيط لبنان.
هذا يا سادة مجرد ملخص عما يجب قوله، فلبنان ليس حكرا على اقطاعيين وامراء حرب، لا، فأبنائه سيقومون بكتابة تاريخه له سنحت لهم الفرصة.
اقرأ أيضا: المدينة بين ثراء الغرباء والذعر من التوطين