
سأل الكثير من الحبر حول زيارة رئيس الحكومة والوفد المرافق الى سوريا. لا شك ان هناك الكثير مما يمكن ان يقال، سواء عن العلاقات التاريخية او عن فترة الاحتلال والوصاية السورية في عهد الأسدين، الأب والإبن. لكن يمكن ان يقال أكثر من ذلك بكثير عن علاقات لبنان بسوريا منذ ان قامت الثورة السورية، وخصوصاً بدءاً من العام 2012، تاريخ دخول حزب الله العلني للدفاع عن نظام بشار.
هناك علاقات صعبة مع النظام مع سوريا منذ نشأة الدولة السورية. لكن ما حصل على ايدي البعث السوري، وخصوصاً منذ ان قام حافظ الاسد بانقلابه ووضع يده على سوريا، كان فظيعاً. فمن الاغتيالات الى الهيمنة وفرض سياساته على اللبنانيين، والتنكيل بهم وسجن رجالهم وشبابهم، كان بمثابة جرائم لا تغتفر. مع العلم انه ظل يحافظ على الشكليات القانونية، ولم يصل الى درجة ضرب القوانين عرض الحائط، والاجرام العلني كما فعل الابن.
كما تجدر الاشارة الى ان القمع والدموية اللتان حكم بهما حافظ الاسد لم يقتصرا على لبنان، بل مارسهما، بحرية اكبر على الشعب السوري. وتشهد على ذلك عشرات الروايات والمذكرات وما كشفته وثائق قيصر، وما كشف عنه سجن صيدنايا مؤخراً.
وهنا يخطر لي كتاب نوتوهارا (العرب بعيون يابانية)، الذي راجعته منذ العام 2004، وتحول ايقونة تتداولها الصحف والمواقع والأحاديث الاذاعية وحتى الفيديوهات، التي اخذت نصي حرفياً، وصودر باسم المروجين له. أذكّر بهذا النص لأنه اثار مبكراً مسألة موقف المواطن العربي، والسوري خصوصا، من السجون المعتمة التي كان يجاورها ويتجاهل وجودها، خوفاً وارتعابا، او انتهازية وجبناً. مع ذلك لم يحرك احد، من معظم من تداولوا اقوال نوتوهارا واحتفوا بها، ساكناً.
لكن ما أرغب بالاشارة إليه أيضاً، مع عتبي الكبير، ان احتلال الاسد للبنان ولإرادة أهله، لم تثر الكثير من الاعتراض لدى المثقفين السوريين، حتى المعارضين الذين هربوا من نير الاسد الى أوروبا. وأذكر أن أدونيس اخبرني بنفسه، انه مطلع الحرب في لبنان ودخول الجيش السوري، ترك بيروت التي حضنته ولها الفضل عليه، وذهب الى سوريا ليشتغل في جريدة تشرين، ورغب بمقابلة الأسد الذي رفض استقباله.
من هنا عتب اللبنانيين على سوريا والسوريين، لما عانوه من قمع وإذلال على الحواجز السورية، بالرغم من بعد الفترة الزمنية وعديد الأحداث التي تلت تلك الحقبة.
أثار ساطع نور الدين هذا الموضوع في صحيفة جنوبية، تحت عنوان: ” نواف سلام في دمشق..سَفرٌ في الاتجاه الخاطىء”، عاتباً على السلطة في لبنان، مشيراً الى السياسيين ممن هرولوا الى سوريا، على عادتهم او من رغبوا بذلك؛ مقترحاً الندية وإجراء المباحثات على الحدود في خيمة، على ما قام به فؤاد شهاب وعبد الناصر.
لكن عتب الصديق ساطع كان ظالماً ومبالغا فيه لعدة أسباب:
ما يجب توضيحه قبل كل شيء، ان كلا الشعبين، اللبناني والسوري هم ضحايا لنظام الأسد ولحزب الله. إضافة إلى ان ما قام به لبنانيون باسم حزب الله وقيادته بحق الشعب السوري علناً، دفاعاً عن النظام السوري المجرم، كان أفظع من جرائم الاسد الأب في لبنان، لأن الأخير كان يتستر على جرائمه وينفيها؛ بينما استعرضت ميليشيا الحزب جرائمها في سوريا بكل حرية.
يضاف ايضاً، ان تلك الاحداث ما زالت حية في الذاكرة القريبة. وأن ضحايها لا يزالون أحياء يرزقون، من أمهات ثكالى وزوجات أرامل وأطفال يتامى، وبشر هُجِّروا واحتُلت بيوتهم ونُكِّل بهم، او تم الاعتداء عليهم بشتى الطرق. ناهيك عن أخبار تورطه في أحداث الساحل الاخيرة، كما ايران التي تظهر عداءها للنظام الجديد.
ولقد تم التنبيه مراراً، الى خطورة ما كان يقوم به الحزب، والذي حفر هوة بين شعبين شقيقين، وجروحاً غائرة. لكن الأسوأ كان إعادة إحياء التاريخ المذهبي الدموي باستخدام مأساة الحسين، ما سمح بإعادة فتح جروح الصراع السني الشيعي التاريخي وأثار التعصب والأحقاد، التي يحاول النظام العربي الخروج منها بإقامة علاقات طبيعية مع إيران.
فهل يمكن تطلب علاقات طبيعية وعادية مع سوريا في حين عاد الحزب ليصعّد ويهدد، بشكل متلازم مع بدء اللقاءات الأميركية – الإيرانية! فيعلن أمينه العام رفض تسليم السلاح، والبعض منهم يفتح المهلة حتى ظهور المهدي؟ بينما يبرر بعض الناطقين باسمه ان عليه الاحتفاظ بالسلاح لأن لبنان مهدد من الشرق كما من الجنوب. على اعتبار ان سوريا عدوة كما إسرائيل!!!
في هذه الحال، أليس المطلوب قبل وضع الشروط على النظام الجديد، ان يعتذر الحزب من اللبنانيين ويتراجع عن ممارساته وسلاحه؛ ويعتذر أيضاً من الشعب السوري ودولته الناشئة.
يحق للبنان الرسمي المطالبة بعلاقات ندية وبإنجاز ترسيم الحدود، وغيرها من الامور العالقة. الأمر الذي تتكفل بتيسيره السعودية. لكن المطلوب من الدولة اللبنانية واللبنانيين عدم تحميل النظام الجديد جرائم من سبقوه، ولا التدخل بشؤون الدولة السورية أو تقييم اتجاهاتها السياسية.