
تعيش إيران هذه الأيام واحدة من أخطر أزماتها في مجال الطاقة، مع تصاعد غير مسبوق في نقص التوازن بين إنتاج الكهرباء واستهلاكها، وهو ما يُعرف بـ”نقص الكهرباء”. هذا الاختلال الذي طالما حذّر منه الخبراء، دخل مرحلة الانفجار مع حلول الربيع، وأدى إلى انقطاع واسع للكهرباء شلّ الحياة العامة، وضرب مفاصل الاقتصاد من الصناعة الثقيلة إلى الزراعة والخدمات.
جذور الأزمة: فشل في التخطيط وتفاقم آثار الجفاف
في تصريحات صادمة، اعترف وزير الطاقة في حكومة بزشكيان، عباس عليآبادي، أن البلاد تعيش وضعًا “فوق العادة”، وأن مخزون السدود لم يعد كافيًا لتشغيل أكثر من ۱۵٪ من الطاقة الكهرومائية. فقد تراجعت القدرة الإنتاجية من هذه المحطات من ۶۰ ألف ميغاواط ساعة إلى أقل من ۱۵ ألف ميغاواط ساعة يوميًا، بسبب الجفاف الحاد وانخفاض هطول الأمطار بنسبة ۴۲٪.
تزامنًا مع ذلك، ارتفعت درجات الحرارة بمعدل درجتين عن السنوات السابقة، ما أدى إلى تزايد مبكر لاستهلاك الطاقة، خاصة في المحافظات الجنوبية. وتعمّق الأمر مع خروج عدد من المحطات الحرارية عن الخدمة بسبب أعمال صيانة مؤجلة، لم تنفّذ في الوقت المناسب نتيجة الضغط المستمر على الشبكة الوطنية.
الخسائر الاقتصادية: المليارات تتبخّر مع كل ساعة انقطاع
بحسب تقديرات رسمية، فإن كل يوم من قطع التيار الكهربائي عن المصانع يتسبب في خسائر تتراوح بين ۳۰۰ إلى ۵۰۰ مليون دولار. ويؤكد فرشيد شكرخدائي، رئيس لجنة الاستثمار في غرفة التجارة الإيرانية، أن حجم الأزمة هذا العام سيفوق ما شهده الاقتصاد العام الماضي.
إقرأ أيضا: هكذا باعت إيران الحزب.. علي الأمين: السلاح كوسيلة للجم العدوانية الإسرائيلية أثبت فشله
سعيد شجاعی، معاون وزارة الصناعة، كشف أن إجمالي الخسائر للصناعات في عام 2024 بلغ قرابة ٣٠٠ ألف مليار تومان، تشمل خسائر من انقطاع الكهرباء والغاز. وتشير تقديرات سابقة إلى أن خسائر الاقتصاد الكلية من أزمة الطاقة قد تتجاوز ٨ مليارات دولار.
الصناعات الكبرى في مهب الريح: الإسمنت والصلب أبرز المتضررين
في الأيام الماضية، أعلنت مصانع الإسمنت والصلب عن بداية موجة جديدة من انقطاع التيار الكهربائي، مما أدّى إلى تعطل خطوط الإنتاج. وقد وصف مسؤولو هذه الصناعات الوضع بأنه “غير مسبوق” و”مدمّر”، حيث باتت الأفران الصناعية تعمل لساعات محدودة لا تكفي للإنتاج المنتظم.
علي أكبر الوندیان، أمين جمعية صناعة الإسمنت، تحدّث عن “موت بطيء لأفران الإسمنت”، بسبب قطع الكهرباء قبل إتمام دورة الإنتاج، في حين أشار رسول خليفة سلطاني، من اتحاد منتجي الفولاذ، إلى أن المصانع تواجه تخفيضًا بنسبة تصل إلى ۸۰٪ من إمدادات الطاقة.
الزراعة والاتصالات والسكن: الانقطاع يعمّ جميع القطاعات
لم تسلم الزراعة من تداعيات الأزمة، إذ أعلن مسؤولون عن قطع الكهرباء عن الآبار الزراعية لمدد تتراوح بين 6 إلى 10 ساعات يوميًا، ما يهدد الدورة الزراعية ويضاعف الضغط على المزارعين.
إقرأ أيضا: خدعة ومكر سياسي.. الصحف الإيرانية: الولايات المتحدة لا تريد اتفاقا حقيقيا مع إيران
من جهة أخرى، حذّر نواب في البرلمان من أن استمرار الانقطاعات سيؤدي إلى شلل في خدمات الاتصالات والإنترنت، نتيجة تضرر البطاريات الاحتياطية في أبراج الاتصالات خلال العام الماضي، وعدم تعويضها حتى الآن.
الانقطاع الكهربائي طال كذلك منازل المواطنين في عدة محافظات، وامتدّ إلى المراكز التجارية والمستشفيات والمدارس، في مشهد يعكس فشلًا عميقًا في إدارة موارد الطاقة.