في ذكراه الرابعة: فكر السيد محمد حسن الأمين وشعره في «منتدى جنوبية»

الذكرى الرابعة للسيد محمد حسن الامين

امتاز سماحة العلامة السيد محمد حسن الأمين بعلمه اللّدنيّ اللاّمحدود الآفاق، وثقافته الموسوعية الشاملة، وفكره التنويري الخلاّق، هو الذي جمع في شخصيته عدة رجال في رجل واحد كما قال عنه الشاعر الراحل محمد علي شمس الدين. فالعلامة الأمين كان حداثوياً في كل مناحي شخصيته الفذّة والمتفردة: فهو عالم الدين، والمفكر، والشاعر، والمناضل (فكراً وثقافة) من أجل تحرير فلسطين والجنوب اللبناني من الاحتلال الصهيوني. والسيد محمد مكنته حداثويته الإصلاحية في علوم الدين والدنيا من أن يكون واحداً من الأعمدة الفكرة الشامخة العربية الإسلامية في القرن العشرين.

اقرأ أيضاً: السيد محمد حسن الأمين: الفقيه المقاوم لمشروع التشييع السياسي ورافع راية الوعي الشيعي الحر

ومنذ أربع سنوات رحل السيد تاركاً إرثاً معرفياً ثرياً للأجيال المتعطشة إلى المعرفة، وفي الذكرى الرابعة لرحيله (قده)، التقى أصدقاؤه ومحبوه لتقديم شهادات في سيرته ونضاله وفكره وأدبه وشعره، في مساء يوم الجمعة الواقع فيه 11 نيسان 2025، في “منتدى جنوبية” في بيروت، يتقدمهم اضافة الى الاساتذة المتحدثين، العلامة السيد علي الامين ونجله السيد حسن الامين، وقدّم هذا القاء رئيس تحرير موقع “جنوبية” علي الأمين.

ولقد عرض شريط فيديو ضم آراء متعددة للسيد (صوتاً وصورة) كما ضمّ مقاطع من قصائده.

وننشر هنا شهادات لكل من نجله الصحافي علي الأمين والدكتورة نوال الحوار والدكتور وجيه قانصو والوزير السابق إبراهيم شمس الدين والدكتور أديب صعب.

علي الأمين

في كلمة غلب عليها الطابع الوجداني قال علي الامين “يتصارع في داخلي الكثير من المشاعر، لدى حديثي عن والدي، إلى جانب المشاعر التي تتصل بالنظرة إلى السيد، التي تأخذ بُعداً، أحياناً، تحاول أن تأخذ مسافة متعلّقة بعلاقة، هي ليست هنا علاقة الأب بالإبن، إنما هي علاقة المثال والنموذج.”

وعن شخصية السيد الشاعرية قال “تتداخل في شخصيته الشاعرية بالرغم من أنه، مرات عدة كان يقول أنه لا يعتبر نفسه شاعراً، لذلك فإن السيد لم ينشر ديواناً شعرياً، مع أن لديه عددا كبيرا من القصائد. ولقد بدأ كتابة الشعر وهو في عمر المراهقة، وشارك في كثير من المهرجانات الشعرية، وكان ثمة كثير من الإعجاب بشعره، لكنه لم يكن يعتبر نفسه شاعراً. بالرغم من أنه كان يتّصف بالشاعرية التي كانت ظاهرة (ولا أعرف أن هذه الميزة تأتي في سياق النقد أم لا)، كانت ظاهرة، حتى في مواقفه: فهناك شاعريته التي كانت تظهر، حتى عندما يتحدث في السياسة، أو عندما يتحدث في موضوعات أخرى. فشخصية الشاعر في عمق مواقفه، هي بارزة في كل مواقفه”.

 وعن مساره السياسي لفت انه “كان دائماً متقدماً، وكل الذين يعرفونه يصفونه بأنه كان جريئاً، حتى في زمن الاحتلال الإسرائيلي. ونحن قمنا، في موقع “جنوبية”، في الأسبوع الحالي، بأخذ آراء لمواطنين وشخصيات صيداوية، حول تجربته في صيدا، وكل من التقيناهم وجدناه يُجمع على أن السيد محمد حسن الأمين كان متقدماً في مبادراته ومواقفه المتقدمة في مواجهة الاحتلال. إذ إنّ السيد لعب دوراً كبيراً، في هذه المواجهة في ذلك الحين في مدينة صيدا، ويشهدون له على الدور الذي لعبه، وخاصة في الجانب الذي كان السيد يتجاوز في ذلك المجال، كل الانقسامات الداخلية، وكان دائماً في خطابه، وفي مساره، جامعاً توفيقياً ومتقدماً في الموقف وصاحب مبادرات لافتة”.

وتابع انه “في المكان الذي كان فيه في القضاء الشرعي، كان السيد، بالتأكيد من أميز الذين خدموا في سلك القضاء. ولذلك ربما تسمع أشياء كثيرة عن أحكام سلبية صدرت في هذه المحكمة أو في تلك المحكمة، لكن، ولا مرة كان يُشار إلى السيد، بشكل سلبي، بأنه كان يتلقى مثلاً اتصالاً أو كان أحد يتجرأ أن يكلّمه في قضية بغرض إجراء نوع من مراعاة تُخالف ما هو واضح لدى السيد في إصدار حكمه القضائي التي تستحقه قضية بعينها”.

“هناك شاعريته التي كانت تظهر، حتى عندما يتحدث في السياسة، أو عندما يتحدث في موضوعات أخرى. فشخصية الشاعر في عمق مواقفه، هي بارزة في كل مواقفه”.

الدكتورة نوال الحوار

حديث الدكتورة الشاعرة نوال الحوار تناول الجانب القيمي والشعري للسيد الراحل، فقالت “إن الرجال لهم شيمٌ كثيرة منها المروءة، والعلم والمعرفة والحلم والشجاعة، وأشهد بالله أن السيد محمد حسن الأمين (رضوان الله عليه)، هو كان يجمع كل هذه السجايا، وأنا كنتقد جئت إلى لبنان أعمل في الإعلام، وخابرت السيد، وقلت له، “سيد أريد أن أقيم معك لقاء حول التنوير وتجديد الفكر الديني”. والسيد كان أحد الذين اجتهدوا وعملوا في هذا المجال، وكرّس حياته لهذا الموضوع. لكن حين اكتشف أني شاعرة، جنح نحو الشعر فبدأنا نحكي عن الشعر وعن تجديد الفكر الديني، ولكن انتهى ذلك اللقاء، بالشعر يومها، حدّثني السيد عن مدينة النجف في العراق، وكم كانت صحراء النجف (والنجف كمدينة)، قاسية، وكان الشعر هو الملاذ الوحيد، الذي كانوا يلتجئون إليه (أي طلاب النجف)، كي يعبّروا عن ذواتهم، سيما أنهم، في ذلك الوقت كانوا شباباً. وأنا بالمصادفة أجريت حوارً مع السيد محمد حسين فضل الله، والسيد بحر العلوم، ووجدت أن الشعر هو ملاذ لكل هؤلاء. ومن يوم لقائي بالسيد محمد حسن الأمين، أصبحت بيني وبينه صداقة جداً كبيرة وجداً واعية. وأنا إذا عندي شيء في حياتي قد أفتخر به، وعندي أولاد وأورثهم هذا الفخر، قولاً واحداً سأقول لهم، إنني عشت في زمن السيد محمد حسن الأمين، وسيما أني كنت (ولا أستطيع أن أقول أنني مقرّبة كثيراً) لكن كان بيننا وداد، وبيننا صداقة، وبيننا مساجلات شعرية”.

الدكتور أديب صعب

وتحدث الدكتور صعب عن لقائه الاول بالسيد محمد حسن الأمين، كان في “دار الندوة” ولاحقاً عندما اكتشفت أن السيد شاعر، صرنا نتبادر أن كل واحد منا يسمع الثاني شعراً. وأنا أتعجّب أنه صحيح هناك رجال دين في الإسلام وفي المسيحية، وفي كل الأديان كتبوا شعراً، لكن أنا أظن أن غالبية رجال الدين، مثل رجال السياسة يستعملون عبارة “شِعر” بمعنى “إنتقاصية”، أي أنهم يستخفون بعبارة “شِعر”.

الدكتور وجيه قانصو

الجانب الفكري من شخصية السيد محمد حسن الامين تناوله الدكتور قانصو الذي بادر للقول”طبعاً هناك أشياء كثيرة تقال عن سماحة السيد محمد حسن الأمين، كأن نتحدث عن سمات أساسية في شخصية السيد الفكرية وبداية أقول إنه من حيث تكوين السيد العلمي، فهو ابن النجف بعمقها الثقافي، المعرفي، بغزارتها الفكرية، وكانت أيضاً حاضرة على هامش النجف نفسه.. فبالتالي، إن التكوين الفكري للسيد، ليس فقط تكويناً حوزوياً، وهذه مسألة لعلها تكون ميزة النجف في ذلك. إنه تكوين متداخل مع مصادر معرفية متعددة. لكن ثمة ميزة مهمة في شخصية السيد، أنه، في سيرته، لم ينخرط في انتماءات إيديولوجية.

وإذا أردت أن أتكلم في العناوين التي تصدى لها، فهناك مسألتان، تصدى السيد لهما، ولعله كان بارعاً في معالجتها: المسألة الأولى، هي: “إشكالية الإسلام والقومية”، وأنا أذكر محاضراته في هذا الموضوع، وشارك في أغلب مؤتمرات القومية العربية، منها مؤتمر “مركز دراسات الوحدة العربية”. وهو (السيد) يثق إنه عمامة تتكلم لغة غير الإسلاميين، وكان لافتاً أنهم (أي أصحاب ذلك المؤتمر) كانوا، يتوقعون، إن السيد عمامة سوف تحكي وجهة النظر الإسلامية، بينما هو كان يحكي شيئاً آخر، منطقاً آخر، منطلقاً آخر.

وهو (أي السيد)، لم يكن يحاول أن يوفق بين الإسلام والقومية.كان يقول إن الإشكالية بينهما، مزيفة، ليست حقيقية، لأن الدين يتحدث عن شيء والقومية شيء ثان، ومتى يتعارضان؟ يتعارضان عند ما يُصبحا مشروع سلطة، يعني عندما يصبح القوميون مشروع سلطة، وأيضاً عندما يصبح الإسلاميون مشروع سلطة. فيتصارعان على السلطة فيصبح الصراع بين القومية والإسلام، في حين إننا إذا ما أردنا أن نحكي عن النص الديني، فالقرآن نقض “العصبية” لكنه لم ينقض البنية القبلية”، كان له دور فاعل في المدينة، بحيث إن القبائل، قد بقيت كل قبيلة على عقيدتها، فكان في ذلك اعتراف، لكن كان هناك إعادة الإنتاج الدور. فالسيد، كان يقول إن الاختلاف أو الصراع بينهما مزيف وليس حقيقياً. فالقومية هي تجربة حياة خارجية، هي عبارة عن روابط وجدانية، نمط حياة تعيشها جماعات تخلق روابط مشتركة وهذه، شكل خارجي، أي أشكال روابط خارجية، أي تشكّل روابط، وهذه الروابط، تتركب منها “ذاكرة”، وهذه الذاكرة تشكّل هوية مخصوصة، أي قومية معينة. وهذا موضوع لا علاقة للإسلام به، أي لا يتدخل فيه، بل بالعكس.

والعنوان الثاني الذي تصدى له السيد، هو “إشكالية العلمانية، فقد حاول أن يعطي بُعداً علمانياً للدين نفسه، فتشعر أن ثمة شيئاً في أنه (أي السيد) كان يحاول أن يركز على الجانب المدني في الإسلام، الجانب الحياتي في الإسلام أي أن الإسلام طبيعته، طبيعة مدنية، فبالتالي هناك بُعد علماني في الإسلام نفسه أي ليس أن العلمانية شيء، وليس أن الإسلام شيء آخر، علينا أن نبحث عن المشتركات بينهما، أي كأن السيد يحاول أن يقدم قراءة للإسلام بمضمون عصري، ليقول: إن هذا الشكل من التجربة الفكرية، السياسية التي رسخت عنها العلمانية بمفهومها الفلسفي العميق هي حاضرة في الإسلام. نعم هي بتمظهراتها الخارجية قد تتعارض، وهذا الشيء هو تأويل للعلمانية.

فالسيد محمد حسن الأمين في الحقيقة، كان يخوض مساحات غير مطروحة من قبل، وأنا، برأيي كان مبدعاً فيها، وكان مثمراً فيها، وترك بصمة، فرحمه الله”.

قانصو: حاول أن يعطي بُعداً علمانياً للدين نفسه، فتشعر أن ثمة شيئاً في أنه (أي السيد) كان يحاول أن يركز على الجانب المدني في الإسلام، الجانب الحياتي في الإسلام أي أن الإسلام طبيعته، طبيعة مدنية

الوزير السابق إبراهيم شمس الدين

في شهادته قال الوزير شمس الدين “السيد محمد حسن الأمين رجل أحبه، ولا أعتقد أني منفرد في هذا الأمر، وطبعاً بالنسبة لي هو من العائلة وقريب، وأهم من ذلك أعرفه مباشرة. هو رجل دين (بالمعنى العميق لرجل الدين). وكان رجلاً شجاعاً، والشجاعة هي من صفاته، أي عنده جرأة والجراءة غير الشجاعة، وهو كان يتحلى بالأمرين معاً.

 وكان عنده شجاعة التعبير عن الرأي والعلنية له، والإفصاح، وهذه تفرض أنه كان لديه اعتداد بالنفس، لأنه كان يعرف قيمة نفسه، ولا يتردد. وفي آن معاً، قطعاً كان له خصومات كأي رجل عِلم. عنده حيوية عنده قبول للحيوية. طبعاً كان دائماً محترماً، وكان عندما يحضر في مجلس، كان له حضور مهيب، فتأنٍّ في الأمور، كان يتجاوب مع من يتكلم معه، أو يُطلب منه شراكة في رأي أو ما شابه يحترم الآخرين، ومن ميزاته أنه كان محرراً نفسه أو متحرراً.

اقرأ أيضاً: العلَّامة محمد حسن الأمين.. كانت الإنسانية بوصلته!

ومن ميزاته أيضاً أنه كان مسيّساً بمعنى عنده فهم للقضايا العامة، والسيد محمد حسن كان أكثر شمولية وأكثر عمومية، فالحضور عنده كان واضحاً، وبما أنه كان عنده فهم للقضايا العامة فلقد كان يشارك في القضايا العامة. لم يجعل من عنوان رجل الدين، أو لم يجعل من العمامة قيداً، بل على العكس هو استعملها قارباً أو زورقاً للخروج إلى فضاءات أخرى، فضاءات أخرى هي منفصلة بطبيعتها، لكن الاتحاد أو التنافس في ما بينها، لها علاقة بالفهم للخروج من القداسة التي هي متراكمة بحيث أنها تمنع السؤال أو التفكير. بينما نفس النص القرآني، ونفس النص الإلهي يحثنا على التفكير وعلى التأمل، ونسير في الأرض ونرى وننظر ونتفكّر… والسيد محمد حسن هو كان متحرراً أو حرّر نفسه من التقيّد بالنصوص الجامدة وتمنع التفكير فلقد حرر نفسه من هذا الأمر براحة. ربما نقول إنه كان رجل دين “مشاغباً”، بمعنى من المعاني، وهذا الشغب هو شغب للخروج إلى مسافة أخرى، ليست مألوفة عند الآخرين، أكثر مما هي خلق اضطراب أو تحريك سكون صار مستنقعاً إلى حد ما.

السيد محمد حسن الأمين، رحمه الله، نستذكره بحب وبمحبة وهو بلا شك بفكره وعزته وسماته شجاعاً شجاعة الفرسان.

السابق
اللجنة الوزارية الخاصة بالنازحين السوريين تناقش الخطة الأولية للعودة الآمنة
التالي
قانون أميركي جديد: «لا لحزب الله في نصف الكرة الغربي».. ماذا يتضمن؟