إنصافُ الأساتذة المتعاقدين شرطٌ لإنقاذ التعليم الرسمي

ghassan salibi

المعادلة اصبحت واضحة كما يدل عليها عنوان المقال: لا إمكانية لإنقاذ التعليم الرسمي بدون إنصاف الأساتذة المتعاقدين. هذا ما يجب أن يعيه جيدا كل من الحكومة ووزيرة التربية ولجنة التربية النيابية وروابط الأساتذة، أي جميع المعنيين بإيجاد حل عادل لنزاع العمل الجماعي بين أساتذة التعليم الأساسي الرسمي ووزارة التربية حول قرارات الوزيرة الأخيرة بشأن الأجور و ملحقاتها.

هذه بعض الإعتبارات والملاحظات، مساهمةً مني في إنصاف الأساتذة المتعاقدين في التعليم الأساسي الرسمي، ما يفتح الطريق، على ما ارجو، أمام إنقاذ التعليم الرسمي في لبنان.

  1. تسرّعت وزيرة التربية بإصدار قراراتها بشأن الأجور وملحقاتها الخاصة بأساتذة التعليم الأساسي الرسمي. ربما كان تسرّعها ردة فعل على ضغوطات ما يسمى ب “لجنة الأساتذة المتعاقدين” والتي بدأت بالتهديد بالإضراب حتى قبل عقد الجلسة الأولى للحكومة وبعد الحصول على الثقة مباشرة، مما أعطى إنطباعا أن هجوم “اللجنة” قد يكون بدوافع سياسية من جهات ترغب في عرقلة عمل الحكومة مع انها جزء منها. و هذا سلوك متوقع من جهة “نقابية” غير تمثيلية ولا تعمل وفقا للآليات الديمقراطية، و كانت تُظهر الكثير من المحاباة والمسايرة لوزير التربية السابق، وتشمت في الوقت نفسه برئيسة “رابطة الأساتذة المتعاقدين في التعليم الأساسي الرسمي” كون الوزير صرفها تعسفيا من عملها لأنها كانت تدافع عن حقوق الأساتذة.
  2. بعد هجوم “اللجنة” المستغرب و غير المبرر في حينه، تدخلت قيادة الرابطة الرسمية الوحيدة التي تمثل المتعاقدين في التعليم الأساسي الرسمي، والتي اكتسبت شرعيتها من القانون ومن انتخابات ديمقراطية أجرتها حديثا، فتواصلت مع وزيرة التربية واضعة مطالبها على طاولة المفاوضات، مستهجنة في الوقت نفسه مواقف “اللجنة” العشوائية. لكن للأسف، وبعد أن أقرت الحكومة مطلب “الدفع الشهري” للأساتذة، صدر عن الوزيرة قرارات تلحق ضررا بالمدخول الشهري للأساتذة المتعاقدين، بالمقارنة مع ما كانوا يتقاضونه سابقا. وعندما نعلم ان الاستاذ المتعاقد يعتمد على مدخوله اليومي في ظل غياب تقديمات صحية وتعليمية، كما في ظل هشاشة عمله القائم على “بدل الساعة”، نفهم تماما غضب الأساتذة المتعاقدين من قرارات الوزيرة.
  3. كان يمكن للوزيرة أن تواصل الحوار مع “الرابطة” و تحوّله إلى مفاوضات جماعية فعلية، تتوصل من خلالها إلى توافق على سلة من المطالب يرضى عنها الأساتذة. حجة الوزيرة، بحسب البيان التوضيحي الذي اصدرته بعد اضراب الاساتذة والاعلان عن الاعتصام، أن لا خيار لها إلا ما قررته، إذ ان الحكومة ووزارة المالية لم يوافقا على إعطاء سلفة خزينة تسمح لها بالإستجابة لمطالب الأساتذة، كما أن مطلب دفع “بدل الإنتاجية” في فصل الصيف، كما كان يحصل سابقا، قد أصبح مخالفا للقانون، إذ أن مرسوم الدفع كان استثنائيا ولمدة محدودة.
  4. نلمس هنا مشكلتين حاصرت الوزيرة نفسها بهما: المال و القانون، وهما مشكلتان لا يجب التعاطي معهما، في هذه الحالة تحديداً، كعاملين قاهرين لا قدرة لها على التعامل معهما. فنحن أمام مطالب أساتذة باتوا يشكلون ٨٠% من الكادر التعليمي في المرحلتين الإبتدائية والتكميلية. اي وببساطة مطلقة، بدون التعاطي بجدية قصوى مع ظروفهم الصعبة لا قدرة للمدرسة الرسمية على الاستمرار في تقديم خدماتها التعليمية. من هنا خصوصية هذه المطالب وضرورة التعامل مع مشكلتي المال والقانون بشأنها، من هذا المنظور الشامل.
  5. بالطبع ان مقاربة مشكلتي المال والقانون ليست من مسؤولية وزيرة التربية وحدها بل من مسؤولية الحكومة ككل، وعلى رأسها رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة. وإذا كانت الحكومة قد ارتضت أن تحاصر نفسها مسبقا من خلال إعتماد موازنة الحكومة التي سبقتها، فعليها ان تعلم ان ذلك لن يسمح لها بإقرار خطة إنقاذية لمواجهة المشكلات الإجتماعية والاقتصادية، إلا بخلفيات الحكومة السابقة. وهذا ما سيعيق أي رؤية إصلاحية ـ إنقاذية، وتحديدا فيما يتعلق بالتعليم الرسمي في لبنان، ومشكلاته متعددة ومتراكمة عبر السنوات، لكن معالجتها جميعا تمر حكما بإيجاد حلول فعلية “للتعاقد الوظيفي” في التعليم الرسمي.

في مقالٍ سابق في “النهار”، لفتُّ الى خطورة غياب “العمل وعلاقات العمل” عن اهتمامات البيان الوزاري. وأخشى أن يكون ذلك استسلاماً مسبقاً للشروط المعروفة لصندوق النقد الدولي بخصوص الوظائف في القطاع العام، او استمراراً للسياسات الاقتصادية- الاجتماعية للحكومات السابقة.

نذكّر الحكومة بأنه ورد في بيانها الوزاري تأكيد على ضرورة “زيادة الإنفاق الإجتماعي…وتعزيز قدرات الخزينة الماليّة بانتهاج سياسة رشيدة لتعزيز الإيرادات وتفعيل الجباية والإصلاح الضريبي والجمركي….وتمكين الهيئة التعليمية وتحسين ظروف عملها”. يمكن الاسترشاد بهذه العناوين العريضة لإيجاد مخارج مالية عادلة لمعاناة الأساتذة المتعاقدين.

٦- ردا على قرارات وزيرة التربية، نفذت رابطة الأساتذة المتعاقدين إضرابا تحذيريا ناجحاً ليومين، استجابت له معظم المدارس المعنية. وقد حذت حذوها رابطة أساتذة الملاك و”لجنة” المتعاقدين، معلنتين الإضراب الاسبوع المقبل. وتصعيدا لموقفها بعد غياب أي مؤشر تفاوضي جدي، ستنظم رابطة الاساتذة المتعاقدين اعتصاما امام وزارة التربية في يوم “اثنين الغضب” بهدف الى “الضغط والتفاوض” كما جاء في إعلانها عن الإعتصام، ومن المتوقع أن يكون الإعتصام حاشدا.

على الحكومة مجتمعة إعادة النظر بمقررات وزيرة التربية، فعندما تكون المسألة متعلقة بسلفة خزينة و إصدار قانون او مرسوم، لا تعود من مسؤولية وزير بل من مسؤولية الحكومة.

الحكومة أمام أول إختبار في مجال “الإصلاح و الإنقاذ” وذلك في القطاع التعليمي الرسمي. وقد كانت رابطة الأساتذة المتعاقدين سباقة في طرح ما يساهم في “اصلاح و إنقاذ” التعليم الرسمي، عن طريق صياغة مشروعي قانونين لتفريغ أو لتثبيت الأساتذة المتعاقدين، وهو المدخل الأفضل، إن لم يكن الوحيد، لإنقاذ التعليم الرسمي عبر إنصاف معلميه.

فلتقر الحكومة بدايةً “بدل الانتاجية” عن أشهر الصيف كما يطالب الأساتذة المتعاقدين، باعتبارها خطوة لتعويض بعضا من الخسائر التي لحقت بمداخيلهم، ولتنظم وزيرة التربية حواراً اجتماعياً حول ما يطرحه الأساتذة المتعاقدين من مطالب ومشاريع قوانين، يشارك فيه لجنة التربية النيابية ومعنيين آخرين، لا سيما ان الوزيرة أبدت في بيانها التوضيحي الأخير استعدادها للحوار وانفتاحها على المطالب.

السابق
الجيش: العدو الإسرائيلي رفع منذ أمس وتيرة اعتداءاته على لبنان متخذًا ذرائع مختلفة
التالي
صنع «العدو» و«المقاومة»!