«سلاسة التعيينات».. همّشت «خطاب القسم» وخيّبت آمال التغييريين!

اجتماع مجلس الوزراء
يفرّق الكاتب الألماني – الكوري جنوبي، بيونغ تشول هان، بين نوعين من الانتباه والوعي: الانتباه العميق التأملي والانتباه السطحي المشتّت. ويقول: "نحن مدينون بالإنجازات الثقافية للبشرية – والتي تشمل الفلسفة – إلى التركيز العميق التأملي.

تفترض الثقافة وجود بيئة يكون فيها التركيز العميق ممكناً بشكل متزايد، يتم استبدال هذا التأمل العميق بنوع مختلف تماماً من الانتباه، وهو الانتباه المفرط (Hyperattention)”. يعبّر هان عن القلق من أن التغيرات الاجتماعية الحديثة و”اليقظة المشوّشة”، تؤدي في نهاية المطاف إلى التركيز على البقاء فقط بدلاً من السعي إلى العيش الكريم!

السلاسة من تحت الطاولة!

للاسف حضرة البروفيسور هان، نحن في لبنان سنبقى على ما نحن عليه، حتى يصبح ألم بقائنا على ما نحن عليه أشد من ألم التغيير والتطور، حيث ان الفعل سَلِسَ سلِسَ يَسلَس، سَلَسًا وسَلاسةً، الى حدود سَلاسة التسلل السياسي مخيف جداً في لبنان، الذي عانى الأمرين في تاريخه البعيد والقريب من السلاسة والتسلل العميق، وخصوصاً في هذه الأيام الفريدة من نوعها في كل ما تعنيه الكلمة من معنى، ومعانٍ مختلفة ومشاكسة ومحاصصة تعد ولا تحصى تحت الطاولة وفوقها، والذي تحوّل فيها هذا الفعل الى سر من أسرار “الآلهة” الحاكمة، التي بدات تستخدم “السلاسة” في إتمام التعيينات على قاعدة “عُدْنــا والعَـوْدُ أحْمَـدُ”… “العود أحمد”، أو “عدنا والعود أحمد”، مثل عربي قديم، وهو يعني العودة “الحميدة” للشيء بعد الابتعاد عنه…

ولكننا في لبنان لم نبتعد يوماً في تاريخنا “الحديث” عن الاسلوب، او الأسلوبية التي اصبحت معها الاسئلة عن سر “السلاسة” تلك في إتمام القضايا “العالقة”، من التسميات والتوظيفات والتعيينات، وما قبلها وما بعدها وما فوقها وما تحتها وما غيرها… يأخذنا حسب مصادر مطلعة بأن الطبقة الحاكمة حرصت على تمرير التعيينات بواقعية شديدة كما تقول وتدّعي، وتفاهم مع “الثنائي” ما غيرو على الحصة الشيعية في حوار بعيدا عن “الرؤوس الحامية” التي تبدو مستعجلة لافتعال مشكل في البلد، وكأن الرؤوس الحامية في الحصص الشيعية تأتي من خارج الثنائي، دون الاخذ في الاعتبار ما تختزنه الطائفة الشيعية الكريمة والمعطاءة والطوائف الأخرى من قدرات وخبرات كبيرة ومتنوعة يشهد لها القريب والبعيد معاً، باستثناء الثنائي المقدس وزعماء القبائل المقدسة الأخرى في لبنان الطائفية السياسية!

محاصصة التعيينات

نعم، افتتحت الحكومة الجديدة في لبنان ملف التعيينات المعلق منذ زمن، فكانت التعيينات الأمنية والعسكرية الانطلاقة، على أن تستكمل التعيينات الإدارية والقضائية والدبلوماسية تباعاً، بعد إقرار آلية جديدة لها ستكون على طاولة مجلس الوزراء الإثنين المقبل في جلسة استثنائية. في حين مراقبون لبنانيون اعتبروا أن التعيينات التي حصلت في القطاعات الأمنية والعسكرية جاءت على أساس “المحاصصة” بين الرؤساء الثلاثة.

والمعلوم أن التعيينات الأمنية مرّت بعد الاتفاق الذي تم بين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة، في مشهد أعاد إلى الأذهان ما كان يعرف بالترويكا، وهو ما اعتبره كثيرون بأنه يناقض ما تعهد به رئيس الجمهورية في خطاب القسم عن “تفضيل الكفاءة على الزبائنية والوطنية على الفئوية”، وما تضمنه البيان الوزاري للحكومة من أن “ملء الشواغر سيتم وفق آلية شفافة تضعها الحكومة”.

نعم، أثارت التعيينات ردود فعل بلغت لدى البعض حدّ خيبة الأمل، بعدما اعتبروا أنها أتت مناقضة لما ورد في خطاب القسم والبيان الوزاري، وأبقت على معيار المحاصصة الذي اعتمد في السابق.

التعيينات الأمنية مرّت بعد الاتفاق الذي تم بين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة، في مشهد أعاد إلى الأذهان ما كان يعرف بالترويكا

 وسأل نائب تغييري عبر صفحته على “إكس” “أين الكفاءة؟ وأين هي الآلية في التعيينات الأمنية؟”، وانتقد نائب أخر غياب الآلية الواضحة والشفافة التي اعتمدت في التعيينات الأمنية، واعتبر أنه من الواضح أنها تمت على أساس التسويات السياسية التي ناضلنا ضدها، وسأل ما هي الاعتبارات والخصوصيات التي يتحججون بها والمتعلقة بالتعيينات الأمنية؟!

 ويتخوف نائب ثالث من أن ينطبق هذا النهج على التعيينات، الأخرى بدءاً من حاكم مصرف لبنان ونوابه والمدعي العام المالي والتشكيلات القضائية والدبلوماسية. في المقابل يؤكد مصدر مراقب أن التحدي الأكبر والذي يمكن الحكم عليه سيكون التعيينات المصرفية والقضائية والإدارية، من دون التقليل من شأن التعيينات الأمنية التي تخضع ربما لاعتبارات خاصة، محكومة بالهرمية العسكرية والأمنية، والتعيينات المقبلة ستكون التحدي الأكبر لمدى قدرة رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة على ترجمة ما وعدوا به الداخل والخارج من إصلاحات.

انتقد نائب غياب الآلية الواضحة والشفافة التي اعتمدت في التعيينات الأمنية، واعتبر أنه من الواضح أنها تمت على أساس التسويات السياسية التي ناضلنا ضدها

جزيرة اليوم السابق

في رواية فلسفية لأمبرتو إيكو، عنوانها “جزيرة اليوم السابق”، تدور أحداثها في القرن السابع عشر. عن شاب إيطالي يجد نفسه عالقًا على سفينة مهجورة بعد نجاته من عاصفة بحرية. السفينة راسية بالقرب من جزيرة غامضة يراها بطل القصة لكنه يعجز عن الوصول إليها بسبب خوفه من السباحة.

اقرأ ايضا: «التعيينات».. خطوة «الألف ميل» لاستعادة سيادة الدولة

الجزيرة التي يُعتقد أنها تقع على خط الطول الذي يفصل بين (الأمس واليوم) تُصبح رمزًا للأمل بالنسبة للشاب. بينما يقضي أيامه وحيداً على السفينة، يتأمل في حياته الماضية، ويكتب رسائل حب خيالية، ويستعيد ذكرياته من طفولته وحتى مشاركته في حروب أوروبا. الرواية غنية بالتفاصيل التاريخية والفلسفية، حيث ينسج إيكو تأملات حول الزمن، الهوية، والواقع مقابل الخيال.

يظهر السرد عبر وجهة نظر الشاب، مع تعليقات ساخرة من إيكو نفسه كراوٍ خارجي يحلل كتابات البطل. تنتهي القصة بشكل مفتوح، تاركةً القارئ يتساءل عن مصير الشاب وما إذا كان سيصل إلى الجزيرة أم سيظل محاصراً في عالمه الداخلي بعيداً عن الواقع.. ومعزولاً عن العالم!

السابق
الحدث: ترامب سيسمح بتحرك عسكري إسرائيلي قريب في لبنان!
التالي
بالفيديو: مسيّرة استهدفت سيارة في برج الملوك وسقوط شهيدين