
ساعدت شركات التكنولوجيا الأميركية العملاقة إسرائيل، بشكل غير معلن، على تتبع وقتل عدد أكبر من المشتبه بهم بشكل أسرع في غزة ولبنان من خلال زيادة كبيرة في خدمات الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية.
لكن في المقابل، ارتفع عدد القتلى من المدنيين بشكل كبير، مما أثار مخاوف من أن هذه الأدوات قد تكون مسؤولة عن سقوط ضحايا أبرياء.
استخدام الذكاء الاصطناعي في الحروب: سابقة إسرائيلية
لطالما استعانت الجيوش بشركات خاصة لتطوير أسلحة ذاتية التشغيل، لكن الحروب الأخيرة التي خاضتها إسرائيل تمثل إحدى أولى الحالات التي يتم فيها استخدام نماذج ذكاء اصطناعي تجارية أميركية في عمليات قتل نشطة، رغم المخاوف من أنها لم تُصمم في الأصل لاتخاذ قرارات حياة أو موت.
يعتمد الجيش الإسرائيلي على الذكاء الاصطناعي لتحليل كميات ضخمة من المعلومات الاستخباراتية، والتنصت على الاتصالات، ومراقبة السلوكيات بحثًا عن أنماط مشبوهة أو حركات غير اعتيادية. وكشف تحقيق لوكالة «أسوشييتد برس» أن استخدام تقنيات مايكروسوفت وأوبن إيه آي (OpenAI) من قبل الجيش الإسرائيلي تصاعد بشكل هائل بعد هجوم حماس المفاجئ في 7 أكتوبر 2023.
كما كشف التحقيق عن تفاصيل جديدة حول كيفية تحديد الذكاء الاصطناعي للأهداف والأخطاء المحتملة التي قد تحدث، مثل البيانات الخاطئة أو الخوارزميات المعيبة، وذلك استنادًا إلى وثائق داخلية، وبيانات، ومقابلات حصرية مع مسؤولين إسرائيليين حاليين وسابقين وموظفين في شركات التكنولوجيا.

بعد الهجوم الذي أسفر عن مقتل نحو 1200 شخص وأسر أكثر من 250 آخرين، حددت إسرائيل هدفها بتدمير حماس بالكامل، ووصف جيشها الذكاء الاصطناعي بأنه «مغير لقواعد اللعبة» من حيث تسريع عمليات الاستهداف.
لكن منذ بدء الحرب، قُتل أكثر من 50,000 شخص في غزة ولبنان، فيما تدمر حوالي 70% من المباني في غزة، وفقًا لوزارتي الصحة في كلا البلدين.
وقالت هايدي خلاف، كبيرة علماء الذكاء الاصطناعي في معهد «الذكاء الاصطناعي الآن (AI Now Institute)» والمهندسة السابقة في أوبن إيه آي:
«هذه أول مرة نحصل فيها على تأكيد بأن نماذج الذكاء الاصطناعي التجارية تُستخدم بشكل مباشر في الحرب. التداعيات ضخمة على دور التكنولوجيا في تمكين هذا النوع من الحروب غير الأخلاقية وغير القانونية مستقبلاً».
تزايد استخدام إسرائيل للذكاء الاصطناعي أثناء الحرب
تتمتع شركة مايكروسوفت بعلاقة وثيقة مع الجيش الإسرائيلي منذ عقود، وهذه العلاقة، إلى جانب علاقات مع شركات تكنولوجيا أخرى، تعززت بعد هجوم حماس.
مع تصاعد الحرب، واجهت البنية التحتية الإسرائيلية الإلكترونية ضغطًا هائلًا، مما دفعها إلى الاعتماد بشكل أكبر على خدمات الحوسبة السحابية من شركات خارجية. وفقًا لعرض قدمته العقيد راخيلي ديمبينسكي، مسؤولة تكنولوجيا المعلومات الأولى في الجيش الإسرائيلي، فقد أثبت الذكاء الاصطناعي فعالية عملياتية كبيرة في غزة. وخلال حديثها، ظهر على شاشة كبيرة شعارات كل من مايكروسوفت أزور (Microsoft Azure)، جوجل كلاود (Google Cloud) وأمازون ويب سيرفيسز (AWS).

وأظهر تحقيق «أسوشييتد برس» أن استخدام الجيش الإسرائيلي للذكاء الاصطناعي من مايكروسوفت وأوبن إيه آي ارتفع بنسبة 200 ضعف في آذار الماضي مقارنة بالأسبوع الذي سبق هجوم 7 أكتوبر.
كما تضاعفت كمية البيانات المخزنة على خوادم مايكروسوفت بين ذلك الوقت وتموز 2024، حيث وصلت إلى أكثر من 13.6 بيتابايت، وهو ما يعادل 350 ضعف السعة التخزينية اللازمة لحفظ جميع الكتب في مكتبة الكونغرس الأمريكي.
ورفضت مايكروسوفت التعليق على التقرير أو الرد على قائمة مفصلة من الأسئلة حول خدمات الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي التي تقدمها للجيش الإسرائيلي.
لكن الشركة نشرت بيانًا على موقعها الإلكتروني جاء فيه:
«احترام حقوق الإنسان هو قيمة أساسية في مايكروسوفت، ونحن ملتزمون بتعزيز الدور الإيجابي للتكنولوجيا في جميع أنحاء العالم»
ومع ذلك، فإن تقرير الشفافية حول الذكاء الاصطناعي المسؤول لعام 2024، الذي أصدرته الشركة، لم يذكر العقود العسكرية المربحة التي أبرمتها.
شركات تكنولوجيا أميركية أخرى
إلى جانب مايكروسوفت، تقدم جوجل وأمازون خدمات الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية للجيش الإسرائيلي ضمن «مشروع نيمبوس»، وهو عقد بقيمة 1.2 مليار دولار وُقّع في 2021، عندما بدأت إسرائيل لأول مرة في اختبار أنظمة الاستهداف بالذكاء الاصطناعي.
استخدم الجيش الإسرائيلي أيضًا خوادم من سيسكو (Cisco) وديل (Dell)، فيما قدمت ريد هات (Red Hat)، وهي شركة تابعة لـ آي بي إم (IBM)، تقنيات الحوسبة السحابية. كما أن بلانتير تكنولوجيز (Palantir Technologies)، وهي شريك لمايكروسوفت في العقود الدفاعية الأمريكية، لديها «شراكة استراتيجية» لتزويد إسرائيل بأنظمة الذكاء الاصطناعي لدعم عملياتها العسكرية.
بعد أن غيرت أوبن إيه آي سياساتها العام الماضي للسماح باستخدام التكنولوجيا لأغراض الأمن القومي، اتبعت جوجل النهج نفسه في وقت سابق من هذا الشهر، بإزالة العبارة التي تنص على أنها لن تستخدم الذكاء الاصطناعي في الأسلحة والمراقبة.
وقالت جوجل في بيان:
«نحن ملتزمون بتطوير ونشر الذكاء الاصطناعي بشكل مسؤول لحماية الناس، وتعزيز النمو العالمي، ودعم الأمن القومي»
كيف يتم استخدام الذكاء الاصطناعي التجاري؟
يستخدم الجيش الإسرائيلي مايكروسوفت أزور (Azure) لجمع وتحليل بيانات المراقبة الجماعية، بما في ذلك المكالمات الهاتفية، الرسائل النصية، والرسائل الصوتية، وفقًا لضابط استخبارات إسرائيلي. يتم بعد ذلك مطابقة هذه البيانات مع أنظمة الاستهداف الداخلية في الجيش الإسرائيلي.
وأوضح الضابط أنه يعتمد على أزور للبحث بسرعة عن مصطلحات أو أنماط في كميات هائلة من البيانات النصية، مثل تحديد المحادثات بين شخصين داخل مستند مكون من 50 صفحة. كما يمكن لأزور العثور على الأشخاص الذين يعطون توجيهات لبعضهم البعض في النصوص، وربط هذه المعلومات مع أنظمة الذكاء الاصطناعي العسكرية لتحديد المواقع الجغرافية.
هل أنظمة الذكاء الاصطناعي الإسرائيلية موثوقة؟
يمكن أن تحدث أخطاء في الذكاء الاصطناعي لأسباب متعددة، وفقًا لضباط في الجيش الإسرائيلي وخبراء تقنيين. على سبيل المثال، قد يتم استهداف شخص بناءً على مكالمات هاتفية مرصودة دون الاستماع إليها أو التحقق من ترجمتها بدقة.
يقول الجيش الإسرائيلي إن هناك مختصين في اللغة العربية مكلفين بمراجعة الترجمات، لكن أحد ضباط الاستخبارات الإسرائيليين اعترف بأنه شهد أخطاء في الاستهداف بسبب ترجمات آلية غير دقيقة من العربية إلى العبرية.