حارث سليمان يكتب لـ«جنوبية»: اهل الكهفين بين حزبي السلاح والمصارف!

حارث سليمان
يخص الناشط السياسي والأكاديمي الدكتور حارث سليمان "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

يتبنى بعض الناشطين، من الذين ينتسبون الى التوجه الفدرالي في شارع اليمين المسيحي، حملة متواترة لاستهداف رئيس الحكومة القاضي نواف سلام، وينضم الى هذه الحملة، ما تبقى من تنظيم “حراس الارز” وقائدهم اتيان صقر، الى الدكتور شارل شرتوني، وما يسمى بـ الاتحاد الماروني العالمي، وياخذ هؤلاء على الرئيس نواف سلام، ونائب رئيس مجلس الوزراء طارق متري، ووزير الثقافة غسان سلامة ماضيهم العروبي والوطني، ويستشهدون بإشاعات واهية من زمن الحرب الاهلية وما قبلها، للاشارة الى ان الثلاثة متهمين بانحيازهم الى القضية الفلسطينية، والى القيام بمبادرات سياسية او ديبلوماسية او قانونية، تدعم حق شعب فلسطين في تقرير مصيره واقامة دولته…

 وتنضم الى هذه الحملة، اوساطٌ لبنانية وعراقية في واشنطن، تتبنى خطابا متشددا، يتماهى مع صقور اليمين في الحزب الجمهوري الاميركي عامة، والشخصيات اليهودية خاصة، التي تتولى مفاتيح سياسة اميركا الشرق أوسطية، وقد ظهر أحدهم، وهو السيد توم حرب ليشكر بنيامين نتنياهو، على شن حربه على لبنان، تماما مثلما فعلت نائبة مبعوث الرئيس الاميركي الى الشرق الاوسط، السيدة مورغن اورتاغوس من على باب القصر الجمهوري.

مع ثنائي جوزاف عون ونواف سلام تتجدد امكانية قيام دولة قادرة وقوية تشبه مع تبدل الازمنة والرجال والظروف دولة اللواء فؤاد شهاب وتستعيد انتظام المؤسسات الدستورية

 واقع الأمر ان الحملة التي تقوم بها هذه الشلة من الأشخاص والأوساط، لا تنطلق من إعتبارات شخصية، تعادي رئيس حكومة ووزراء، على تاريخهم الشخصي او ممارساتهم وسلوكياتهم وادوارهم في الشأن العام، وهم قامات وطنية لبنانية يعتز حاضرهم بماضيهم، وتقترن رفعة اخلاقهم بشفافية ذمتهم المالية، وتوازي كفاءتهم وعلومهم، مسؤوليات جسام تولوها على المستوى المحلي والعربي والدولي، بل أن الأمر هو عداء سياسي وثقافي وقيمي للأفكار والمفاهيم، التي يحملها نواف سلام وطارق متري وغسان سلامة، فالحملة تستند الى نظرية سياسية وفكرية، والى اتجاه سياسي اصولي، لا يريد الشراكة الاسلامية المسيحية، ولا يسلم بامكانية العيش المشترك في لبنان بين جماعاته المتعددة، وهو يرفض بقوة وشدة اتفاق الطائف ويسعى لتمزيقه والانقلاب عليه، ويعتبر كل من شارك به ووقع عليه، قد خان الشعب المسيحي ( نعم المسيحي والتعبير لهم وليس لي)، ويتنكر لفكرة “عيش اللبنانيين معا” متنوعين، والذي يحاول دستور الطائف ادارته وتثبيت أركانه.

الحملة على سلام تستند الى نظرية سياسية وفكرية والى اتجاه سياسي اصولي لا يريد الشراكة الاسلامية المسيحية ويرفض بقوة وشدة اتفاق الطائف ويسعى لتمزيقه والانقلاب عليه

الاتجاه هذا قديم جديد، ظهر في خلوة سيدة البير التي عقدتها الجبهة اللبنانية في سنة ١٩٧٦، والتي طرح فيها تبني خريطة ل”وطن قومي مسيحي” قدمها موسى البرنس، او الذهاب الى فيدرالية على اساس اقليم مسيحي وآخر اسلامي، وقد ايد الاقتراح في حينه الرئيس كميل شمعون، فيما رفضه الشيخ بيار الجميل، و قد تكرر وتردد حلم هذه الفئة، بالخروج من الشيوع داخل لبنان واحد، الى خيار الانفصال التام او الجزئي بين الطوائف، تكرر كثيرا في منعطفات سياسية واقليمية متعددة ومختلفة.

إقرأ أيضاً: حارث سليمان يكتب لـ«جنوبية»: «استوكهولم ساندروم».. لبناني

مع ثنائي جوزاف عون ونواف سلام تتجدد امكانية قيام دولة قادرة وقوية، تشبه مع تبدل الازمنة والرجال والظروف، دولة اللواء فؤاد شهاب، وتستعيد انتظام المؤسسات الدستورية، وتُسيِّرُ مرافق الدولة العامة وخدماتها، وتنفتح امكانية الذهاب الى تطبيق اتفاق الطائف بشكل شامل ولائق، بما في ذلك تطبيق اللامركزية الادارية الموسعة، وإقامة نظام المجلسين؛ واحد طائفي للشيوخ وآخر وطني خارج القيد الطائفي. وتطلق ورشة بناء سلطة قضائية مستقلة، وتعد الارضية لإصلاح مالي و تعاف اقتصادي، يستند لاسترجاع الاموال المنهوبة والودائع المسلوبة، واعادة هيكلة المصارف وتدقيق جنائي لحساباتها ودفاترها، و النجاح في هذا المشروع، يثير غضب هذه الجماعة، التي استثمرت في فترات التعطيل و في فشل المنظومة السياسية وتفاهتها، من أجل الترويج، لمشاريعها في الفدرلة وتفتيت لبنان وتجزئته، ولذلك فهي تندفع لاسترجاع مطالب خلوة سيدة البير، ونفض الغبار عن مقولات، بقيت في كهف الزمن قرابة نصف قرن.

على مقلب ثان تنبري القوى المحافظة والتقليدية في الشارع السني، لتطلق دعوات مماثلة، فينبري أحدهم للتحقق من سجل قيد النفوس لاحدى السيدات الوزيرات!

وينطلق الكلام عن جنسيتها وتجنيسها غير التدخل في خياراتها العائلية الشخصية، فيما يسأل آخر عن طبيعة زواج ابن رئيس الحكومة؟ هل هو مدني ام شرعي؟ وينبري ثالث ليسجل على الرئيس المكلف تأخيره زيارة مفتي الجمهورية! فيما يتساءل رابع عن قيامه بفريضة الصلاة او إجادتها؟ 

فما علاقة كل هذه الاسئلة واجاباتها سلبا او ايجابا، بكفاءة الوزراء او حسن ادارتهم لمصالح الناس وخدماتهم؟

في الشرق يبدع الناس في النزول اكثر الى القعر. القعر يهز اللبنانيون كثيرا بسبب الكوارث والمآسي التي اعتادوها، وهي مآسي نشيح ببصرنا وبصيرتنا عنها، لنتطلع الى اصول وزيرة، ونُسقِطَ عنها فكرة شرعية توزيرها، رغم انها تحمل سيرة ذاتية لامعة، قد تقض مضاجع رجال دين كُثُرٍ، خرجوا لتوهم من كهفٍ ظُلمَتُه امتدت لحقبات طويلة.

بين هذين الحزبين السلاح والمصارف والكهفين شهدنا وسمعنا في كل الاحوال والمواقع سيفونية متنوعة النغمات تصدح بلحن عزوف الرئيس عن التأليف وتروج الآمال بإعتذاره وترحيله

بين حزب السلاح، من جهة اولى، الذي لا ينفك مغالبا يعلن انتصاره، فيما الحال تتبدى على مقتلة في البشر، وكارثة دمار في الحجر، وحزب المصارف، من جهة ثانية، والتي لم تعد تعني معاني اسمائها، ولم تعد تلعب ابسط أدوارها، كمؤسساتٍ للادخار والتمويل، والتجارة والتنمية والاستثمار وتأمين فرص العمل، بين هذين الحزبين والكهفين، شهدنا وسمعنا في كل الاحوال والمواقع سيفونية متنوعة النغمات، تعزفها جهات عديدة، تصدح بلحن عزوف الرئيس عن التأليف وتروج الآمال بإعتذاره وترحيله.

جرت العادة في تاريخ حكومات لبنان، ان تعطى الحكومة مائة يوم سماح، من بداية تسلمها السلطة، حيث لا يجري معارضتها خلالها، ولم يحدث ابدا ان هوجمت حكومة قبل اكتمال تأليفها، ولم يحدث ايضا ان جهات متنوعة متعددة الولاءات والمشارب والمصالح، قد توافقت في لحظة واحدة، وانتظمت في حملة منسقة ومبرمجة، لمواجهة حدث سياسي ووعد بمشروع اصلاحي وانقاذي.  

جرت العادة في تاريخ حكومات لبنان ان تعطى الحكومة مائة يوم سماح من بداية تسلمها السلطة حيث لا يجري معارضتها خلالها ولم يحدث ابدا ان هوجمت حكومة قبل اكتمال تأليفها

على الرغم من كل ذلك، فإن التغيير يشق طريقه بصعوبة واصرار، ويطرح تحديات جسام على القوى اللبنانية الحية المنخرطة فيه، إن معركة التغيير والاصلاح والانقاذ، صعبة وممتدة على مستويات مختلفة ومتعددة الوجهات، واستعادة الوطن والدولة امر يتطلب وضوحا في الهدف، ووحدة للصفوف، وفعالية في المواجهة، وتنسيقا للادوار، ونجاحا بالاداء، وسرعة بالانجاز، فهل نفعل!؟

السابق
بري التقى جيفرز :تبلغت بقاء اسرائيل في 5 نقاط ورفضت ذلك!
التالي
بالفيديو..تحضيرات لمناصري «المستقبل»..ومواكب في بيروت!