النشيد السياسي_الديني على «لحن» التجييش الغرائزي

سيلفا بلوط
شكلت الأناشيد وما زالت، أدوات في أيدي الأنظمة والأحزاب، ومعها التيارات السياسية، بحيث يجري استخدامها في عملية استلاب منظمة للجماهير، بغية دفعها نحو التعلق المرضي بإيديولوجيا معينة.

يعود سبب تأثير الأناشيد على الجماهير إلى أنها تؤدي دوراً رئيسياً، في إثارة الاندفاع الجماعي ، وذلك بهدف الحث على الانخراط الجامح في قضية أو حراك. كما تدخل في لعبة البروباغندا، التي تستهدف بدورها الانفعالات والدوافع، بحيث تتخذها مادة أولية، إن صح التعبير، في صناعة هوية جماعية تمهّد لتبني قضايا  قد تحمل معها الكثير من المخاطر المهددة للاستقرار الوطني.

و بدوره، يزخر الواقع اللبناني بوفرة الأناشيد السياسية “المطعّمة” بالديني، والتي تكرّس التعبئة الطائفية. فتعمد إلى القسمة بين ال”نحن” و ال”هُم”، مستغلّة بذلك المشاعر، ومعها المستوى الاقتصادي “الحرِج” و التخلف الاجتماعي، و مجذّرةً صراعات خفية تنهك الديمقراطية و تشوّهها.

يزخر الواقع اللبناني بوفرة الأناشيد السياسية “المطعّمة” بالديني، والتي تكرّس التعبئة الطائفية. فتعمد إلى القسمة بين ال”نحن” و ال”هُم”، مستغلّة بذلك المشاعر، ومعها المستوى الاقتصادي “الحرِج” و التخلف الاجتماعي.

باختصار، لم تكن هذه الأناشيد، المشحونة بأوهام السيادة والتحرير والانتصار والاصلاح والتنمية…. لتفعل فعلها، ما لم تترك بصمتها على الجانبين النفسي والذهني من حياة الفرد. يعدّ تناول ما يعانيه هذا الواقع من جرّاء ما تؤول إليه أناشيده، من منظور سيكولوجي ضرورة، وذلك لالقاء الضوء على التهديدات، التي يمكن أن تنال من استقرار الفرد و تماسكه.

تعزيز هوية الجماعة

 تتبدى إثارة الغرائز نتيجة أولية و طبيعية للأناشيد، باعتبارها تعمل على التنشيط الحاد للعواطف كالفرح والفخر والغضب، التي تصبح قاسماً مشتركاً بين الجميع. مما يقوي الشعور بالانتماء إلى هوية جماعية،  تعزّز وحدة المجموع المتمثل في طائفة أو حشد أو جمهور. وفي هذه الحال يمكننا التكلم على عدوى انفعالية، نتيجة ما تحمله المشاركة الجمعية لنفس الموسيقى و الكلمات، من إثارة حادة للعواطف التي تغلب الغرائز على العقل. فتيحول “المطرَبون” إلى مستقبلين “سلبيين” للخطابات السياسية، من دون أي مقاومة لمضامنيها التي تحتمل، في غالبيتها، تحريضاً خفياً ضد الآخر. وبما أن السلوك يتأثر بما هو نفسي و عاطفي و ذهني، فمن الطبيعي أن تولد الانفعالات المشتركة، مواقف وتصرفات و ردود أفعال موحدة، يتم استغلالها في صناعة حشد لتخويف الآخر. مما لا شك فيه، يدفع انصهار الفرد في جماعته، إلى إتباعه لسلوكيات غرائزية لا يستطيع تبنّيها وحيداً.

و لسنا هنا في معرض تحليل مضامين الأناشيد السياسية، التي يحفل بها واقعنا اللبناني، لكن ما إن يتم الاصغاء إلى كلماتها، يظهر لنا مدى احتوائها، على التعبئة والاستفزاز الخفيين ضد الآخر. مما يصب في مصلحة الأحزاب والتيارات، التي تموه هويتها الطائفية بصبغة الوطنية.

تعزّز وحدة المجموع المتمثل في طائفة أو حشد أو جمهور. وفي هذه الحال يمكننا التكلم على عدوى انفعالية، نتيجة ما تحمله المشاركة الجمعية لنفس الموسيقى و الكلمات.

يمهّد توظيف الانفعالات و توحيدها، الطريق أمام عملية استلاب، تنسحب على الجانب الذهني من حياة الفرد. وإذا ما بحثنا في أسبابه، فيتجلى اثنان. يتمثل الأول في تجييش الانفعالات وتطويعها و تجنيدها، كما أشرنا إليه سابقاً. مما يعطّل عمل العقل و يضعف التفكير النقدي. و أما بالنسبة إلى العامل الآخر، فيعود إلى ما يقوم به النشيد من تبسيط لما هو معقد . إذ يتم استخدامه بهدف تجزئة فكرة معينة، يراد منها السيطرة على الأفراد، إلى رسائل قصيرة، فيجري تبنيها بسهولة.

لا اناشيد وطنية

كذلك الأمر، يأتي تكرار هذه الرسائل البسيطة، ليتم حفظها “عن ظهر قلب”، فيتم الحكم عليها بأنها صحيحة بالمطلق!…مما ينعكس على إدراك الفرد لنفسه و ما يحيط به من أحداث . بتعبير أوضح، يجد نفسه عاجزاً عن اتخاذ موقف عقلاني بمعزل عن جماعته، و يحكم على محيطه من خلال كلمات نشيده “المفضّل”.

في النهاية ، لا يمكن القول بوجود أناشيد سياسية وطنية “خالصة” في واقعنا اللبناني، لأنها في الأساس من صنع احزاب و تيارات، ذات نواة دينية، جذّرت سيطرتها بفضل نظام، استعان بتنشئة غلّبت كل ما هو ديني على الوطني، ليجذّر هويته الطائفية. وبتنا نتحدث عن أناشيد دين- سياسية أدت دورها في التأطير الإيديولوجي ، فأضحت كل طائفة أسيرة لانفعالاتها الغرائزية، و تحول سوادها الأعظم إلى موالين “لا حول لهم ولا قوة”، بحيث يلجأون إلى التعويض عما خسروه من فرادة و قيمة انسانية، في كل مرة يسمعون أناشيدهم “المفضلة”..

السابق
روسيا وسوريا الجديدة (6): رأس بشار والتعويضات!
التالي
مساعداتٌ أميركية بين أسلحة حزب الله!